لقاء بعبدا... مناورات سلطوية! - سعد كيوان

لقاء بعبدا... مناورات سلطوية! - سعد كيوان
الأحد 21 يونيو, 2020

رغم المحاولات المستمرة لابقاء ديناميكية وجدلية الصراع ضمن الاطر والشرانق الطائفية والمذهبية والزعاماتية - وهي عند بعض الشرائح ما زالت كذلك - الا ان الصراع يسلك شيئا فشيئا طريق المواجهة والفرز الأفقي بين الشارع والسلطة. هذا الشارع بكافة أشكاله وألوانه وتعبيراته وعشوائيته وتناقضاته هو اليوم محط تجاذب وهدف لمحاولات احتواء واجهاض من قبل السلطة، كل السلطة. وهنا بيت القصيد، لأن السلطة ليست فقط من هم حاليا في الحكم، أي في الرئاسة والحكومة (حسان دياب هو في مطلق الأحوال "لا شيء" كما وصفه وليد جنبلاط) ومن يقف وراء الحكومة ويحركها، وانما كل الشركاء الذين كانوا في السلطة واليوم خارج موقع القرار، والذين يمننون النفس بالعودة الى السلطة عبر السعي لابتزاز الشركاء-الاخصام الذين تحاصرهم الأزمة يوما بعد يوم، ويبحثون عن مخرج رغم كل عنتريات حسن نصرالله!

قبل ايام دعا رئيس الجمهورية الى اجتماع في القصر الجمهوري لم يستثن منه احدا. الدعوة شملت كل رؤساء الكتل النيابية وكل رؤساء الحكومات السابقين، وفرضها تطورين مفصليين في سياق أزمة الحكم ولبنان والمحيط. الاول، "قانون قيصر" الاميركي الذي يستهدف تضييق الخناق على النظام السوري وعلى كل من يحاول مد يد العون له، وبالتالي سيضيق الخناق على انصاره وداعميه في لبنان الذين هم في السلطة، وتحديدا "حزب الله" الذي يمارس او يشرف على كل انواع التهريب الى دمشق، والذي حول الحدود والمعابر اللبنانية الى رئة يتنفس منها حليفه بشار الأسد. والثاني، ترجيح صدور حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في جريمة اغتيال رفيق الحريري نهاية هذا الشهر. ولو ان المتهمين اصبحوا معروفين! وهذا ما يفسر على الارجح دعوة رؤساء الحكومات السابقين الى هكذا لقاء في بعبدا، في محاولة لتحصين الوضع واستباق اي فتنة محتملة او احتواء اي ردة فعل سنية غاضبة تجاه الشيعة، علما ان اثنين من رؤساء الحكومة يمثلان فقط نفسيهما. لذلك، فان الحكم يحاول عبر هذا الاجتماع الاستثنائي جر الذين هم خارج الحكم الى المشاركة في تحمل المسؤولية، ما يوقعهم في شرك المشاركة والعودة الى تقاسم مغانم الحكم، ويبعدهم في الوقت عينه عن استغلال الشارع ومحاولة توظيفه لصالحهم. اما الطعم فهو اعادة سعد الحريري الى السراي تحت شعار تشكيل "حكومة وحدة وطنية"...

فهل هذا يعني ان لدى الحريري استعداد للعودة؟ وهل ان لدى جنبلاط وجعجع، حليفيه السابقين، قابلية للعودة الى كراسي السلطة؟ لا شك ان مواقف هذا الثلاثي وتحركاته تشي بانه لم يغادر ذهنية منطق السلطة وحساباتها، فهو لا يرى ان الازمة من طبيعة سيادية، وان السلطة التي تمسك بالحكم هي سلطة مرتهنة لقرار ومصالح خارجية، وانه هو كان باستمرار جزءا أساسيا منها. كما ان الحريري وجنبلاط وجعجع، رغم بعض التباينات في الموقف، يلتزمون منذ أشهر الصمت تجاه معضلة البلد الاساسية التي برزها تفاقم الأزمة، اي مشكلة السلاح غير الشرعي. وقد انتقل جعجع وجنبلاط من غض النظر عن هذا المطلب السيادي الى ممالقة "حزب الله" عبر انتقاد بعض الجموعات من الثوار الذين تجرأوا على رفع شعار نزع سلاح "حزب الله" والمطالبة بتطبيق القرارت الدولية، وتحديدا السيادية 1559 و1680 و1701 بحجة ان ذلك يسيء الى امكانية تحقيق المطالب الاقتصادية والمعيشية للثورة!

وفي المقابل، فان الثلاثي يعتبر ان الكارثة التي يتخبط فيها البلد اليوم يمكن معالجتها ببعض الاصلاحات البنوية والاجتماعية الضرورية والملحة بدون ادنى شك. وهذا ما يحسن بنظره شروطه التفاوضية مع شركائه السابقين، ويضعه مجددا على سكة العودة الى الكراسي والمقاعد التي خسرها عندما أجبرته انتفاضة 17 تشرين الاول على مغادرة الحكومة. ولهذا الغرض تحرك جنبلاط على خط بيت الوسط ومعراب لاصلاح ذات البين بين جعجع والحريري لبلورة تصور مشترك وجمع اوراق التفاوض.

وعشية انعقاد اجتماع بعبدا تشتد المناورات والتجاذبات بين فريقي السلطة، فالفريق االأول الذي يمسك بالحكومة، والذي يتصدره "حزب الله" يستعجل تجميع كل أطراف قوى السلطة تحت مظلة واحدة، وفي بدعة ما يسمى "حكومة الوحدة الوطنية" حيث تمارس وترتكب جميع الموبقات؛ ولكنه يعاني من بعض التصدع في جبهته اذ حتى الآن يبدو ان ليس هناك تجاوبا كاملا من قبل الجميع لدعوة رئيس الجمهورية، وبالأخص من قبل بعض حلفائه في السلطة، فيما يتريث معظم فريق الثلاثي محاولا ابتزاز حاجة الفريق الآخر له في ادعائه مسألة تمثيل "الثورة" او بعضها كونه انخرط فيها مؤخرا، وبشكل علني بعدما كانت مشاركته في المرحلة الأولى خجولة وصامتة لأنه كان غير مرحبا به. وهو بالتالي ليس مستعجلا للعودة وانتشال "الرئيس القوي" من ورطته، ويحاول الاستفادة من العوامل الضاغطة التي فرضها "قانون قيصر" لفرض حكومة تكنوقراط برئاسة الحريري. اما فريق "حزب الله" يريد اعادته الى الحظيرة لتوظيفه ضد من يدعي تمثيلهم.

وهكذا، ان ما يعرض امام اللبنانيين في هذه الأيام هو أشبه بمسرحية أبطالها فريقين مختلفين على كيفية ممارسة السلطة، ومتفقين في السعي لاجهاض "الثورة" ومفاعيلها، وتبديد حالة القرف الشعبي لدرجة الغثيان!