ما هي الإجراءات الصعبة في ظل الاحتياط المالي الحرج والخطير؟

ما هي الإجراءات الصعبة في ظل الاحتياط المالي الحرج والخطير؟
الثلاثاء 10 مارس, 2020

لم يقدم رئيس الحكومة حسان دياب حتى الان تصورا للاجراءات التي تنوي حكومته إتخاذها كي تواجه الاستحقاقات المالية ومن بينها إستحقاق اليورو بوند الذي قررت الحكومة تعليق دفعه بعدما دخل الان حيّز التنفيذ. لكن مصادر نيابية بارزة أبلغت "النهار" أنها تلقّت عناوين لهذه الاجراءات، فما هي يا ترى؟

في إعتقاد هذه المصادر ان هذه العناوين تفصح عن مضمون ما أعلنه الرئيس دياب في مؤتمره الصحافي السبت الماضي حيث كشف أن الاحتياط من العملات الصعبة "بلغ مستوى حرجا وخطيرا". وفيما أوضح أن قرار تعليق سداد استحقاق 9 آذار من اليوروبوند، سيتزامن  مع" اطلاق برنامج شامل للاصلاحات اللازمة"، قال ان ذلك "يحتاج حتما لتدابير صعبة. "وبدا دياب في توصيف هذه التدابير بأنها "صعبة"، منسجما مع قاله أمام أعضاء السلك القنصلي الفخري في لبنان في الثاني من الشهر  الجاري : "لا خيار أمامنا إلا السير على طريق الجلجلة، مهما كان الوجع، لأن الخيارات الأخرى هي أخطر بكثير".

في العناوين التي تلقتها المصادر النيابية البارزة ، أن اًصلاحات الحكومة تتجنّب الضرائب المباشرة (زيادة ضريبة ال TVA وفرض رسم جديد على سعر صفيحة البنزين)، لكنها في المقابل تتجه الى سلسلة إجراءات مالية بينها إقتطاع نسبة من الودائع التي تفوق المليون دولار وتقييد حركة الودائع التي يزيد الواحد منها ال 100 الف دولار أميركي في السنوات الثلاث المقبلة وتخصيص إنفاق إحتياطي المركزي من العملات الصعبة على تمويل حاجات لبنان من السلع الضرورية (خبز ونفط ودواء وما يحتاج اليه الانتاج الوطني). كما تتجه هذه الاجراءات الى تسعير جديد لصرف الليرة هو 2000 ليرة مقابل الدولار، أي بزيادة نحو 500 ليرة عن السعر الرسمي الحالي.

هذه بعض العناوين التي وصفها رئيس الحكومة ب"الصعبة". وقد رأت فيها المصادر النيابية "وصفة" كي تبتعد الرساميل عن لبنان بما فيها تحويلات المغتربين الذين فقد الكثير منهم مدخّراتهم بسبب ما حل بالقطاع المصرفي بعد 17 تشرين الاول الماضي، وهم سينظرون الى  الاجراءات الجديدة التي تستعد الحكومة لإتخاذها بمثابة إنذار كي لا يحولوا مبالغ جديدة الى الوطن كي لا تلقى مصير ودائع المصارف.

فهل تقف الامور عند حد هذه العناوين وغيرها مما المح اليها دياب في مؤتمره الصحافي الاخير؟

تجيب المصادر على هذا السؤال بسؤال آخر: "هل هناك خطوات تستعد الحكومة للقيام بها بعد تحضير الاجواء المناسبة لها"؟ واوردت من هذه الخطوات، ذهاب الحكومة الى التعاون مع صندوق النقد الدولي على رغم رفض "حزب الله" العلني له.

ما يبرر السؤال الاخير، المعلومات المتداولة حول قيام مشاورات بعيدة عن الاضواء يتولاها المعاون السياسي للامين العام للحزب حسين الخليل مع كبار المسؤولين. وفهم ان الخليل سمع من مسؤول كبير تحذيرا من مغبة الذهاب بعيدا في رفض التعاون مع الصندوق كي لا يتحمّل الحزب المسؤولية عن الانهيار الذي قد تنتهي اليه الازمة.

في نقاش جرى أخيرا حول النتائج التي ستترتب على ذهاب لبنان الى تطبيق برنامج يوصي به صندوق النقد الدولي، وشارك فيه خبراء وبرلمانيون، تبيّن ان أي إصلاح يحقق المرتجى منه لخروج لبنان من أزمته الراهنة، سيكون منقوصا من دون ضبط موارد المالية العامة من المنافذ الجمركية وإقفال المعابر غير الشرعية ما يعني حكما تقييد حركة "حزب الله" في الحصول على جزء مهم من هذه الموارد. وإنتهى النقاش الى سؤال: "هل يقبل الحزب ان يتنازل عن إمتيازاته غير المشروعة في هذه الموارد كي يساهم في خلاص لبنان من أزمته؟ أم انه سيحاول الالتفاف على هذا الموضوع بإتهام الصندوق بإعتماد اجندات أميركية معادية له"؟

يقول الخبير المالي توفيق كسبار" أن لبنان أمام خيار برنامج مع صندوق النقد أو لا برنامج ". ويضيف :"مع البرنامج هناك شيء من الامل. أما من دون برنامج فستشدد الازمة وتزداد الاضطرابات الامنية، ما يفتح الباب أمام إحتمالات عدة". وتساءل :"هل هناك إحتمال أن يغيّر الحزب موقفه من التعاون مع الصندوق؟"

يقول الدكتور فارس سعيد "أن دخول صندوق النقد على لبنان هو يعني مجلس أمن مالي أي إدارة الشأن في لبنان من خلال إرادة دولية". ويكتب مايكل يونغ مقالا في موقع كارنيغي حمل عنوان " حزب الله والخط الأحمر الانتحاري" جاء فيه : "أن رفْض حزب الله الاستعانة بصندوق النقد الدولي، قد يعني في نهاية المطاف انهيار حكومة دياب ولبنان نفسه." لكن يونغ يقول: "ثمة متشدّدون في واشنطن سيحاولون استخدام ورقة المساعدات إلى لبنان من أجل الضغط على حزب الله لتقديم تنازلات بشأن سلاحه. لكن هذا الأمر متهوّر للغاية... لا شك أن حزب الله يأخذ لبنان رهينة، لكن إنزال عقوبات جماعية بالبلاد سيعني فعلياً قتل اللبنانيين من أجل إنقاذهم."

بإنتظار جلاء صورة التطورات الداخلية المتسارعة، علمت "النهار" من اوساط مرجع نيابي، ان سؤالا وجهته هذه الاوساط  الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حول حجم الاحتياطي من النقد الاجنبي الذي بإمكان الحكومة إستخدامه لتوفير السلع الضرورية للبنان، فأجاب سلامة: "4 مليارات دولار فقط". هذا الرقم يعني ، ان الامكانات المتوافرة للسلطة التنفيذية لن تخدم أهدافها لإكثر من أشهر قليلة قد لا تصل الى فصل الصيف المقبل!

احمد عياش