تكريماً للدكتور رضوان السيد

تكريماً للدكتور رضوان السيد
السبت 24 يوليو, 2021

بمناسبة اعلان المجلس الأعلى للثقافة في مصر، يوم الثلاثاء في 1 حزيران من هذه السنة، فوز الكاتب والمفكر اللبناني رضوان السيد بجائزة النيل للمبدعين العرب لعام 2021؛ وحيث تعد جائزة النيل هي أرفع جائزة تمنحها الدولة المصرية للمبدعين في مجالات الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية، دعا الدكتور فارس سعيد في دارة العائلة في اللقلوق  ثلّة من رجال السياسية والعلم الدين والاعلام لتكريم الدكتور السيّد، حيث شارك في اللقاء كلٌ من السيدات والسادة:

السفير البابوي لدى لبنان المطران جوزيف سبيتيري، الرئيس فؤاد السنيورة، المطران بولس مطر، المطران يوسف سويف، المطران انطوان نبيل العنداري، رئيس جامعة اليسوعية الاب سليم الدكاش، رئيس جامعة اللويزة الاب بشارة الخوري، الاب جوزيف مكرزل ممثلا رئيس جامعة الكسليك الاب طلال الهاشم، الوزير السابق معين المرعبي، الشيخ بيار الضاهر، الاستاذ ميشال الخوري، الاستاذ سعد كيوان، الدكتور طانيوس شهوان، الشيخ بيار الضاهر، الاب جوزيف الخوري، الاب شربل شليطا، الاب شربل الخوري،  الدكتورة حُسن عبود، الدكتور رضوان السيد، الدكتور فارس سعيد، المختار محسن علاوي، رئيس بلدية المجدل سمير عساكر وكهنة رعايا القرى المجاورة.

افتتح الدكتور سعيد اللقاء التكريمي بكلمة جاء فيها:

السادةُ الأجِلّاء من رجالِ دينٍ وعِلْمٍ ووطنية، الذين شرّفتمونا بحضوركم، فنزلتُم أهلاً في دياركم!..

الإخوةُ والأخوات والأصدقاء.. أيها الأهلُ الكرام.. السلامُ لجميعكم ورحمةُ الله وبركاتُه!

نجتمعُ هنا في اللقلوق، القريبةِ من السماء، بلدةٌ سنّيةٌ تعيش بجوار إهمج وتنورين والعاقورة وقرطبا ومزرعة السياد، مطلّةٌ على بقاعِ الخير، مشرفةٌ على كسروان الإباء، ومُتطلِّعة دائماً إلى بيروت، أمِّ العيش المشترك وشرائعه، كِناية عن كلّ الوطن.

نجتمع اليوم في هذا المكان بالذات لنحتفي بعيشنا المشترك، رغمَ كلِّ شيء، ولنحيّيَ عَلَماً من أعلام نهضتِنا المرتجاة، هو العلّامة رضوان السيّد، مُبْدعاً بفكره التنويري، ومُبْدعاً في ثباتِه على معنى هذا الوطن ورسالته، ومُبْدعاً بالتالي في صُعودِ جُلجلةِ الخَياراتِ الصعبة، فكان على الدوام مناضلاً صعباً بفكره ورأيه وموقفه، فاستحقَّ في هذه الأيام تَنْويهَ كبار علماء ومثقفين العالم العربي والإسلامي الذين علّقوا على صدره وسامَ البحث التنويري الرصين.. وما ذاك بجديدٍ عليه.

كان جديراً بدولتنا أن تُبادِر!.. ولكنّها دولةٌ غارقةٌ حتى الأذنين بنفاياتِ فسادِها، وخَيبَةِ اختياراتها، وبمعاركِ أركانها مع طواحينِ الهواء، فاستحقّت النَّبْذَ والإقصاء من جانبِ ابنائها قبل سائرِ العالم، وبالأخص من جانب محيطها الطبيعي العربي، الذي رآها تغرِّدُ بوقاحة خارجَ سِربِه ونظامِ مصلحته، وخارجَ تقاليدِ الأخوّةِ والوفاء التي درجَ عليها اللبنانيون الأصحّاء بعقولهم وأنفسهم على مدى الألفيّةِ الأولى من تاريخ كياننا الوطني.

أيها الأهلُ والأصدقاءُ الكرام!

قبلَ نحوِ سنة، ومع اتّجاه الأزمة اللبنانية نحو كارثةٍ محقّقة، لا سيما بعد تفجير العاصمة من مرفئها والأحياء الحاضنة لهذا الرمز، التقينا مع رضوان السيد وآخرين في إطار مبادرةٍ وطنيةٍ إنقاذية، قوامُها التمسّك بوثيقةِ وفاقنا الوطني والدستور، وبقرارات الشرعيتين العربية والدولية، مرجعيّةً لا غنى عنها لتصويب النقاش والجهد الوطني المخلص.

وقبل شهورٍ معدودات، بمناسبة مئوية لبنان الكبير، التقينا مع رضوان السيد وشخصيات وطنيةٍ مرموقة حول مبادرة غبطة البطريرك الماروني، وكانت مناسبةً لتجديد إيماننا بهذا الوطنِ الرسالة وصيغةِ عيشه.

وقبلَ ايامٍ معدودات احتفلنا بمئوية العلاقة الطيّبة بين الكنيسة المارونية والمملكة العربية السعودية، فكانت مناسبةً لتجديد إيماننا بعروبةِ لبنان، وطناً نهائياً لجميع أبنائه.

واليوم، إذ نلاحظُ حِراكاً وتحريضاً مشبوهَين لفكّ الشراكة مع إخوتنا المسلمين، وخصوصاً أهل السنّة، فإننا نجدّد وقوفنا جنباً إلى جنب مع رضوان السيد وأمثاله في كل المناطق والطوائف، لنقولَ معاً: كفىَ، ولنعملَ معاً بموجب هذه الـ"كفى!".

ومن ثم تكلّم الدكتور رضوان السيد فقال:

أتممت دراستي في الأزهر الكريم ومن ثم سافرت إلى ألمانيا حيث تعمقت في دراساتي هناك، وعملت منذ العام 1977 كأستاذ في الجامعة اللبنانية، ومنذ تقاعدي في العام 2015 أعمل كمحاضر في الجامعة الاميركية في بيروت. اشتغلت في ثلاثة ميادين، المادة الاولى كانت علاقة الاسلام والمسلمين مع الحداثة، وعلى أساس هذه الدراسة نلت هذه الجائزة بالأمس. ولقد تأكّدت من خلال متابعاتي بأن السمعة على السعوديين أنهم لا يصغون إلا لمداخلاتهم في الاسلام، كما أن السمعة على المصريين بأنهم لا يهتمون إلا بكتبهم وقراءاتهم وتأويلاتهم؛ وكانت النظرة إلى آرائنا، نحن اللبنانيّون، بأن فيها شيء من الغلط. فأن يجرؤ السعوديّ على تكريمي بجائزة عن الفكر السياسي الاسلامي، وهو يعرف أنني تنويري في هذا الفكر وأقول بفصل الدين عن الدولة، ثم يأتي المصريّ فيعطي رجلاً غير مصري هذه الجائزة - وهي جائزة كانت محجوبة عن الشخصيات العربية لأكثر من 12 عاماً - في الفكر العربي والدراسات الاجتماعية، فهذا يعني أن هؤلاء العرب لا يزالون ينظرون إلينا نحن اللبنانيين بنظرة احترام. ولقد شهدت بأم العين بان المصريين ينظرون إلى المسائل اللبنانية وكأنها مسائل مصرية.

لكن المشكلة اليوم في لبنان هي ضياع التعليم. فلو أخذنا مثالاً الجيش، وكم نخاف اليوم على هذا الجيش، فإذا ما ضاع الجيش يمكن إصلاحه، لكن ما لا يمكن إصلاحه هو ضياع تعليم أجيالنا. هل تتصوّروا بأن جيلين من شبابنا اليوم معرّضون للضياع بسبب سوء إدارة مؤسساتنا التعليمية؟

مقاربتي الأخيرة اليوم هي في العمل على دراسات لمقاربة برامج التربية الاسلامية ونشأة الجامعات الحديثة في العالم العربي، وحول أي نوع من الفكر نعطيه لطلابنا؟ هل نربّيهم على المواطنة؟ وأيضاً، أي نوعٍ من الإسلام؟ ليس لدينا فقط جامعات إسلامية، لدينا تعليم ديني في كل المدارس الرسمية في البلدان العربية، فعلى أي تفكيرٍ تجاه الآخر، تجاه النفس، تجاه دولتهم، تجاه الآخرين من قريبٍ أو من بعيد يجب أن نربي أولادنا؟ وهذا أهم من العمل على التطرّف الإسلامي وعلى الإصلاح الإسلامي وهو ما ذكرته في الملف الأول.

لقد مضى عليّ 45 سنة وأنا أكتب، وأنا تقليدي أي لا أكتب في السوشال ميديا- لا تويتر ولا فيسبوك، لكن تبيّن لي أنه لا زال في عالمنا العربي الكثير من الذين لا يزالون يقرأون الكتب، حتى السفير المصري في لبنان فاجأني بأنه أخذ يعدد لي كتبي يوم استلمت الجائزة.

لذلك، برأيي ينبغي أن نكون جدّيين تجاه أنفسنا وجدّيين تجاه أوطاننا ومستقبلنا، ولذلك اختلفت أنا والرئيس سعد الحريري، ولا أريد الدخول في تفاصيل الخلاف لكنه حصل عام 2017. ولقد كان من أعزّ الناس عليّ، وما زلتُ لا أكرهه، لكن ما وجدته أن التسوية التي دخل فيها والتي قلت أنه يمكن أن تكون إدارتها أفضل منها ذاتها، لكن لاحقاً ومع قانون الانتخابات ومع معركة الجرود التي أعطي الانتصار فيها لحزب الله وسُحب من الجيش اللبناني، ولحظتُ كيفية مقاربة الوظائف العامة والتعيينات الدبلوماسية وشكوت من ذلك مراراً وتكراراً دون جدوى، عندها أخذت قرار الفراق بيني وبينه وأبلغته ذلك.

لقد وجدت أنني كإنسانٍ لبناني وكإنسانٍ جادّ ومحترم ومتعلّم وإبن هذا النظام اللبناني لا يجوز لي أن أبقى، وأنا لا أستطيع المونة لا على الرئيس عون ولا على جبران باسيل لكن بإمكاني المونة على زعيمي الذي انتخبته، لكنني لم استطع المونة عليه ولم أستطع إقناعه. وبالطبع لم يكن هناك يوماً تاراً من ناحيتي، لكن ما قمت به كان ليقوم به أي مواطنٍ لبناني جادّ، ان يقيّم تقيما سياسيا وسط هذا الانهيار الكبير، وبناء عليه وعلى التفكير والسلوك السياسي وبناءً على الأخلاق التي يجب أن تحكم العلاقة مع المواطنين ومع المسؤولين. وهذا ما جعلني ألتقي مع الدكتور فارس سعيد.

السعوديون والمصريون يقولون عني اليوم المفكر اللبناني، وكنتُ لا أُسرّ بالعبارة بل كنت أفضل أن يقولوا المفكر العربي، فأنا لا اكتب كثيراً في المسائل اللبنانية، لكن اليوم الوطن في أزمة وصرت أشعر بدافعٍ أكبر للإلتزام بلبنانيّتي.

هل ترافق مواطنيك بالميزات التي تأخذها من الوطن؟ أم أيضاً ينبغي أن تصاحبه في محنته وأن تعمل له بقدر ما تستطيع؟ أعزّ كلمة قالوا المصريين أنني قلتها وكرروها لي بعد ان كانوا قد نسوها هي للرئيس جمال عبد الناصر الذي قال عام 1959: "مصر هي الدولة التي تحمي ولا تهدّد، تصون ولا تبدّد، تشدّ أزر الصديق وتردّ كيد العدو، وتقدّم للإنسانية ما تتمكّن وتستطيع."

ونحن دولةٌ محترمة ولدينا رسالة، وليس البابا فقط من قال ذلك بل كل العالم أجمع أن لبنان هو بلد رسالة، فلا ينبغي أننا نحن المواطنون القادرون على الكلام على الأقلّ وعلى الكتابة او على التصريح وعلى الإجتماع أن لا نكون على هذا النحو وعلى هذه السوية التي ربّينا عليها، وهي ليست مستقدمة من الخارج بل ربّانا عليها هذا النظام الذي لا يحترمه اليوم أكثر شبّاننا بسبب ما آل إليه. وإلا نحن كلّنا شعبُ مهاجرين وكنا تركنا هذه الارض لو لم يكن لدينا دولة. واليوم سنهاجر جميعاً إذا بقي الوضع كما هو بهذه الدولة!

ولذلك أشكر لكم حضوركم وأشكر الدكتور فارس سعيد الذي التقيت معه على هذه المبادئ الوطنية، وأتمنى أن نخرج من هذه الأزمة كما خرجنا من أزمات سابقة، وإن كانت تبدو حتى الآن أشدّ وأقسى.

بعدها شكر الرئيس فؤاد السنيورة الدكتور سعيد على لفتته التكريمية وأشاد بإنجازات الدكتور رضوان السيد وبسيرته الأكاديمية، وتوقف طويلاً أمام ما اعتبره فشلاً سياسياً للعهد نتيجة لشخصنة الامور وللكيدية السياسية، وأكّد أنه على اللبنانيين التمسّك بعيشهم المشترك وأنه مهما كانت المصاعب قوية يجب أن تكون الارادة أقوى والأمل أقسى ولا سيما إذا رافقناه ودعّمناه بالعمل والسعي والنية الطيبة والعمل الكبير.

أما السفير البابوي لدى لبنان المطران جوزيف سبيتيري فقد شكر الحضور واشاد بهذا اللقاء وشدد على ضرورة تمسّك اللبنانيين برسالتهم في المنطقة والعالم.

وختم اللقاء المطران بولس مطر بكلمة أكّد من خلالها على تمسّك اللبنانيين بعيشهم المشترك الذي تربّوا عليه منذ قبل القدم في كل القرى والبلدات والمدن. واستشهد بدستور المدينة المنورة الذي نصه النبي محمد وساوى من خلاله المسلمين وأهل الكتاب جميعاً أمام القانون، وذكّر بوثيقة الأخوّة والانسانية التي نصّت على أن المسلمين والمسيحيين أخوة في المواطنة وفي الإنسانية وهو ما تمنى البابا فرنسيس وشيخ الأزهر أن ينشر في أنحاء العالم.