- 1 -
إن مسؤولية الآخرين عن الحرب اللبنانية – وهي مسؤولية كبيرة - لا تعفينا، نحن اللبنانيين، من مسؤوليتنا عنها. والاعتراف بالمسؤولية عن الحرب شرط ضروري لتجاوزها، وإلا سنبقى عاجزين عن إقامة سلام دائم بيننا.
فلنعترف، أولاً، بأننا كنا مسؤولين عما حدث، من مواقعنا المختلفة. فالحروب بين أبناء المجتمع الواحد ليست مسؤولية فريق دون الآخر. كما أن نتائجها الكارثية تصيب جميع الذين يقعون في مجالها، حتى المحايدين منهم أو الذين يزعمون حياداً، وحتى المناهضين للحرب.
ولنعترف، ثانياً، بأن الحرب اللبنانية، في مراحلها المتقدمة، قد رست على انقسام حاد اتخذ تسميات مختلفة، الا أن الانقسام المسيحي-الاسلامي هو الذي اختزل سائر التصنيفات من الناحية العملية. وهذا أخطر ما حدث في الحرب، إذ أصاب أساس العقد اللبناني، وأعاد اللبنانيين الى وساوس ما قبل الدولة.
ولنعترف، ثالثاً، بأن الفريقين قد ارتكبا معاً وفي الوقت نفسه ثلاث خطايا كبرى:
محاولة تحقيق الغلبة على الطرف الآخر، وهو ما يناقض ميثاق العيش المشترك.
استخدام العنف وسيلة لتحقيق الغلبة على الآخر، وهو ما لا يحل مشكلة في الواقع اللبناني.
الاستعانة بالخارج على الخصم الداخلي، وهو ما يؤدي الى ضياع السيادة والاستقلال، فضلاً عن أن مثل هذه الاستعانة لا يمكن أن تتم الا بشروط الخارج ووفقاً لمصالحه بحيث يكون الداخل مجرد "أداة" للاستخدام.
ولنعترف، رابعاً، بأن الحرب بين اللبنانيين لم تنتج في الواقع سوى مهزومين. إن القول بانتصار فريق على الآخر يحبط عملية المراجعة ويعوق أي توجه سليم نحو المستقبل، كذلك فإن القول بهزيمة فريق دون الآخر يؤدي الى النتيجة نفسها.
- 2 -
لقد عانينا الكثير، لكننا أيضاً تعلمنا الكثير.
لقد دفعنا غالياً ثمن الدرس: 144240 قتيلاً، و 197506 جرحى، و17415 مفقوداً.. الى خراب دولتنا والاقتصاد، وتدمير مدننا والقرى، وتهجير مئات الألوف، وهجرة أبنائنا، وانحدار الطبقة المتوسطة في مجتمعنا الى خط الفقر...
لقد بتنا ندرك الآن ان اللجوء الى العنف، في مجتمعنا، أياً تكن الأسباب، لا ينجم عنه سوى تدمير الذات والآخر.
لقد بتنا ندرك الآن، أكثر من أي وقت مضى، أننا نحن اللبنانيين، مرتبطون بمصير واحد:
- بإمكاننا أن نجعله مصير خير لجميعنا:
إذا عرفنا كيف نصون نموذج العيش المشترك الذي اخترناه لأنفسنا؛ وهو نموذج قام أصلاً على قبول الآخر شريكاً مختلفاً، كامل الشراكة، وجزءاً من الذات، ولم يقم على مجرّد المجاورة والمهادنة.
إذا عرفنا كيف ندير الاختلاف بالحوار الدائم، وبالتسويات الحضارية النبيلة.
إذا عرفنا كيف نحصّن أسلوب عيشنا بثقافة الانفتاح والتوسّط والاعتدال، وبقيم الديمقراطية وحقوق الانسان في مختلف الأحوال.
إذا عرفنا كيف نكبح جماح التطرف في بيئتنا، أكانت هذه البيئة سياسية أو مناطقية أو طائفية، فنقطع بذلك الطريق على استنفار عصبيتها ضد البيئات الأخرى، ونحمي بيئتنا من خطر المصادرة الفئوية أو خطر التقوقع، ونؤهلها تالياً لأن تكون جزءاً من المشروع الوطني المشترك.
- وبإمكاننا أن نجعله مصير شؤم وانحلال لجميعنا أيضاً:
إذا بقينا عاجزين عن تخطي مفاهيم الحرب بين اللبنانيين، وعن اعتبار ضحاياها جميعاً، شهداء لبنان.
إذا استمرينا في خلافاتنا حول أهدافنا وأولوياتنا الوطنية، وانقسمنا بين من يرى أن استعادة السيادة الوطنية هي المدخل الوحيد لإخراج البلاد من محنتها، وبين من يعتبر أن الاصلاح أولوية لا يمكن تأجيلها لإنقاذ الناس من خطر الجوع والحد من النزيف البشري الذي تعاني منه البلاد، وبين من يعمل على إبقاء الأولوية للمقاومة باعتبار أن الخطر الأول والأكبر على لبنان يأتي من اسرائيل. في حين أن الخيارات الثلاثة متكاملة ومتداخلة وملحّة بحيث لا مجال للفصل بينها.
إذا عدنا الى تجربة الماضي في "التآمر" على الشريك، إن من خلال استحضار الخارج لتحسين شروط التعامل مع الشريك في الداخل، أو من خلال تجديد منطق "الثنائيات الطائفية" التي تؤسس دائماً لصراعات أهلية.
لقد بتنا نعرف، بالاختبار، أن استقلالنا وسيادتنا يتوقفان قبل أي شيء على وحدتنا، وعلى إرادتنا في أن نظل متّحدين. وقد أثبتت تجربة مقاومة الاحتلال الاسرائيلي وتحرير الجنوب أهمية وحدتنا الداخلية في استعادة سيادتنا الوطنية.
لقد بتنا نعرف مدى حاجتنا المصيرية الى دولة مستقرّة، غير مرتهنة للتغيرات الاقليمية، وغير مقيّدة بالتجاذب الطائفي. دولةٌ لجميع مواطنيها دون تفرقة أو تمييز.
لقد بتنا مقتنعين ومدركين أن صيغتنا الميثاقية التوافقية، في وطن نهائي لجميع أبنائه، هي المنطلق الأفضل لتطور وطننا وتفاعله مع مستجدات العصر في إطار الحرية والديموقراطية، وأن الاحترام العميق لموجباتها يضمن تطوراً آمناً بعيداً عن منطق موازين القوى المتغيرة.
- 3 -
لا نريد الاستمرار في هذا الخجل:
الخجل من سلطة انقلبت على وثيقة الوفاق الوطني التي انهت الحرب.
الخجل من سلطة أفسدت الدولة وتمادت في مخالفة القوانين.
الخجل من سلطة ضعيفة الانتماء الى طبيعة مجتمعنا وتجربته التاريخية، ولا تكفُّ عن تحقير تاريخنا الوطني.
الخجل من سلطة تجاهر بأننا غير قادرين على إدارة شؤوننا بأنفسنا، لتبرير الوصاية المفروضة علينا وعليها.
الخجل من سلطة تستقوي على شعبها بالخارج وتضع المصلحة اللبنانية العليا في آخر اهتماماتها.
الخجل من سلطة تقوم على نظرية الخوف والتخويف: خوف اللبنانيين من أنفسهم، وتخويفهم من الآخرين، كل الآخرين.
- 4 -
نحن اللبنانيين، من مختلف المناطق والطوائف والشرائح الاجتماعية، نريد التغيير.
والتغيير ممكن، لأن مجتمعنا يمتلك عناصر قوّة حقيقية، وهو اليوم أقوى منه بالأمس.
نحن أقوى لأننا استخلصنا العبَر والدروس ولأننا بتنا ندرك أن التساوي أمام القانون هو الذي يجعلنا قادرين على تحويل التنوع في مجتمعنا الى عامل غنى بدل أن يكون عامل فرقة وانقسام.
نحن أقوى لأننا بتنا ندرك أهمية احلال الانسجام بين قضايا جوهرية اعتبرناها لوقت طويل متعارضة، وتعاملنا معها على هذا الأساس الخاطئ:
الانسجام بين الدين والدولة بدلاً من اختزال الدين في السياسة أو تأسيس السياسة على منطلقات دينية لها صفة المطلق.
الانسجام بين الحرية التي هي في أساس فكرة لبنان والعدالة التي من دونها لا يقوم عيش مشترك.
الانسجام بين حق المواطن-الفرد في تقرير مصيره وإدارة شؤونه ورسم مستقبله وبين حق الجماعات في الحضور والحياة الآمنة.
الانسجام بين استقلال لبنان ونهائية كيانه وبين انتمائه العربي وانفتاحه على العالم.
نحن أقوياء لأننا نمتلك التجربة العملية للديمقراطية، ولأن مجتمعنا خاض تجربة قاسية ومكلفة، في مواجهة كل محاولات التدجين والتهميش.
نحن أقوياء لأننا نمتلك واقع التنوّع وتقاليد التنوّع، ولأننا نمتلك تجربة الانفتاح الثقافي والحضاري، ولأننا نملك مدارسنا وجامعاتنا ودور نشرنا وصحفنا ومستشفاياتنا وبنوكنا...
نحن أقوياء لأننا منتشرون في العالم أجمع عبر المهاجرين اللبنانيين.
نحن أقوى اليوم لأن العالم العربي أصبح أكثر إدراكاً لأهمية النموذج اللبناني، ولحاجته إليه.
أخيراً نحن أقوى، لأن المجتمع الدولي، الذي انتقص طويلاً من قيمة التجربة اللبنانية ودعم الأنظمة "القوية" في المنطقة، بدأ يدرك اليوم أهمية النموذج التوافقي اللبناني في العيش معاً وفي حوار الثقافات.
- 5 -
نريد أن نقول للدولة السورية: نحن لا نرغب في مواجهتها، لا مباشرةً ولا مداورةً عبر دولة أخرى. نحن نريد أن نمارس حقنا في إدارة شؤوننا بأنفسنا.
لن نكون أداة ضغط خارجي على سوريا، بل علينا واجب التضامن معها في مواجهة كل من يريد النيل منها. وهذا الواجب ليس شرطاً يملى علينا، وليس هو وليد قرار السلطة اللبنانية التي تدين بوجودها للسلطة السورية، إنما هو اختيار حرّ نابع من واقع لبنان ومصالحه. وقد أجمع اللبنانيون على هذا الأمر عندما اعتبروا أن العلاقة الجيدة مع سوريا هي من الثوابت الوطنية التي ينبغي التقيّد بها في كل ظرف.
لا يمكننا ضمان استقرارننا والتضامن مع الآخر اذا استمر التعامل مع بلدنا على أنه مجرد "ورقة" تستخدم للضغط أو المساومة. فمن حقنا على الجميع، وعلى الأقربين قبل غيرهم، الكف عن التعامل مع لبنان بوصفه "ساحة"، أو "ملفاً"، أو "ورقة"، والاقرار بحقنا في تشكيل السلطة التي نراها مناسبة لتحقيق طموحاتنا والدفاع عن مصالحنا الوطنية.
يحتاج هذا الأمر الى تسوية تاريخية بين البلدين تحترم سيادة لبنان واستقلال قراره، وتضع حداً لكل المخاوف وكل المآخذ، وتمكن تالياً اللبنانيين من التضامن مع سوريا في مواجهة كل الأخطار.
نريد السيادة والاستقلال ليس لأنهما حق طبيعي لنا فحسب، وإنما لأنهما شرط ضروري لسلامة ميثاقنا الوطني وعيشنا المشترك.
- 6 -
نريد أن نقول لأشقائنا الفلسطينيين: لقد طوينا نهائياً صفحة الحرب المشؤومة، التي كنا، نحن وأنتم، من ضحاياها، على اختلاف المواقع والتصوّرات والرهانات والأوهام.
من الدروس الأساسية التي استفدناها معاً، ودفعنا ثمنها معاً، أن خلاص لبنان لا يكتمل إلا باستقرار الشعب الفلسطيني في دولة سيّدة مستقلة، بالشروط التي يرتضيها الشعب الفلسطيني لنفسه: فليس لنا أن نعلّمكم أو أن نملي عليكم أي خيار.
ومن الدروس الأساسية التي استفدناها معاً، ودفعنا ثمنها معاً، أن لبنان المعافى داخلياً هو خير عونٍ لقضية فلسطين ولكل القضايا العربية: وليس لكم أن تحدّدوا لنا مواصفات موقفنا القومي.
بإمكانكم التأكد من حقيقة هذه الخلاصة حين ترون اليوم هذا الاجماع اللبناني، من مختلف الطوائف والاحزاب، على تأييد قضيتكم بعد انتقال مركز نضالكم الى داخل فلسطين، وبعد إعلانكم، قولاً وعملاً، أنه لم يعد لديكم أي مشروع سياسي أو أمني في لبنان، أو عبر لبنان: لم تعد القضية الفلسطينية مسألة خلافية بين اللبنانيين.
وعليه فإننا نرفض معكم الاستغلال السياسي الذي يتعرّض له وجود اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، كما نتضامن معكم للحصول على كامل حقوقكم الانسانية. كذلك ينبغي أن نعمل معاً على بسط سيادة الدولة اللبنانية على جميع المخيمات. وهذا الأمر يتحقق عبر اتفاق مباشر بين الحكومة اللبنانية والقيادة الفلسطينية الشرعية.
نحن نؤمن، أخيراً، بأن قيام دولة فلسطينية مستقلّة في حدود العام 1967 وعاصمتها القدس ، تكون مسؤولة عن الفلسطينيين في الداخل كما في بلدان الشتات، سيساهم إلى حدٍ بعيد في حلّ مشكلة اللاجئين، وسيطرد عملياً شبح التوطين الذي نرفضه وإياكم على السواء.
-7-
نريد أن نقول لأشقائنا العرب بأن عروبتنا ليست شرطاً أملي علينا، ولا درساً تعلمناه، وإنما هي اختيار نابع من واقعنا ومصالحنا.
لم يكن لبنان، في يوم من الأيام، بحاجة الى "تعريب"، لأنه لم يتخلف عن موجبات انتمائه الطبيعي، ولا عن المساهمة الفعالة في العمل العربي المشترك، بل نزعم أن ما قدّمه لبنان، في هذين المجالين، قد تجاوز في كثير من الأحيان، حصته من تحمّل الأعباء.
نحن لا نجد أي تعارض بين عروبتنا ولبنانيتنا، حين لا تكون العروبة مشروع إلغاء للكيانات، أو مشاريع محاور تتوزعها كيانات عربية كبيرة بدافع الهيمنة.
إننا نرى الى العروبة رابطة ثقافية متحققة فعلاً، وينبغي أن تكون مفتوحة على مختلف مستويات التعاون والتكامل، إجتماعياً واقتصادياً وتنموياً وسياسياً، على أسس أربعة:
الاعتراف بالتعدد والخصوصيات
الاحترام المتبادل
التدرج الطبيعي القائم على خطوات حرة من حق أي شعب أن يطمئن الى ضرورتها وجدواها
الانفتاح على قضايا العصر والمشترك الانساني العام
نحن نعتقد أن هذه الأسس من شأنها أن تساعد على اشتقاق طريق عربية نحو الحداثة تؤمن مصالحة المجتمعات العربية مع الذات ومع العصر وتجعل منها عنصراً فاعلاً في صنع الحضارة الانسانية، وذلك انطلاقاً من أصالة هويتها وفرادة تراثها. كما نعتقد أن لبنان المعافى، المحرر من الاكراهات القائمة، لديه ما يقوله ويقدمه في هذا السبيل.
-8-
نريد أن نقول للعالم بأننا لا نوافق على استراتيجيات التصادم والغلبة، ولا نؤمن بنظرياتها، سواء كانت قائمة على الثقافة أو القومية أو الأطماع الامبراطورية. ونحن نلتقي في هذا المجال مع حركة الاعتراض العالمية التي برزت قبل حرب العراق والتي ترفض منطق القوة وتعمل على ارساء قواعد نظام عالمي جديد اكثر عدلاً واستقرار.
كذلك نرفض الوصاية على مسار التطور لأي شعب من الشعوب، بدعاوى الديموقراطية وحقوق الإنسان والتحديث ...
نحن لا نوافق على النظرة الأصولية الى العالم، التي تجعل الحق والحقيقة حكراً على رؤية معينة، فتعتبر الذات خيراً مطلقاً والآخر المختلف شراً مطلقاً. كما ونرفض العنف النابع من هذه النظرة.
إننا ندعو الى التخلي عن عقلية الاختزال هذه، التي تتحكم بسلوك كثير من القوى والجماعات، والتي تسبب كثيراً من الآلام في غير مكان من هذا العالم: اختزال الحضارة في الثقافة، والثقافة في الدين، والدين في السياسة، والسياسة في العنف.
إننا نؤمن بعالم لجميع شعوبه، متساوين في الكرامة الانسانية وفرص التقدم، ومختلفين في هوياتهم والخصوصيات، عالم قائم على الحوار والتفاعل والمشاركة، في إطار من العدالة وحرية الاختيار. ونحن نرى أن للبنان مصلحة حقيقية ودوراً أصيلاً في هذا السبيل.
إن عالماً كهذا لا ينهض على الغلبة والاستئثار، وإنما على أساس الحقوق والواجبات التي يحددها ويرعاها القانون الدولي والمواثيق والشرعية الدولية ممثلة في الأمم المتحدة. هذا مع ضرورة العمل على تقوية هذا الأساس الثابت، بانفتاحه على مزيد من الإنصاف في العلاقات الدولية.
نعتقد أن استقرار العالم وقدرته على احتواء مصادر العنف، الناجم أصلاً عن اختلال العدالة، بما فيها العدالة الدولية، إنما يتوقفان بالدرجة الأولى على قيام حل عادل ودائم لمسألة الصراع العربي-الأسرائيلي، وفي قلبها وجوهرها القضية الفلسطينية. ونحن في هذا المجال نؤيد مبادرة السلام العربية التي أقرتها القمة العربية في بيروت.
-9-
"لبنان الحرب" كان بلداً تنكّرنا فيه لميثاق عيشنا المشترك، وتخلينا عن قيم التسامح والاعتدال، فركبنا رؤوسنا، وارتكبنا حماقة تدمير الدولة على رؤوسنا جميعاً.. كان ملعب الحماقات التي اعترفنا ببعضها في بداية هذا الاعلان.
"لبنان اليوم" هو بلدٌ معلَّق بين حرب انتهت وسلم لم يكتمل، بلدٌ قلقٌ على المستقبل والمصير، وسط تشوّش القيم في أذهان الكثيرين من أبنائه.
"لبنان الآخر" الذي نريد، هو بيئةً ممّيزة للتفاعل الانساني، ولاستيعاب التنوّع، وإعادة صياغته، مقدماً بذلك مساهمة حقيقية في إغناء الحضارة الانسانية. هو أسلوب في العيش، قائم على أسس التسوية والتوافق والانفتاح، وعلى التأليف المتنوّع الذي يغتني بعناصره المكوّنة، فيسعى الى تجاوزها من دون إلغائها.
"لبنان الآخر" الذي نريد، هو لبنان الذي نعيش فيه متساوين ومختلفين، فيتوجّب علينا أن نوفق فيه بين الميثاقية والديموقراطية، بين ضمانات الطوائف وحقوق المواطن: ضمانات الطوائف باعتبارها، مجتمعةً، مرجعية القضايا الكبرى الميثاقية؛ وحقوق المواطن-الفرد، بصرف النظر عن طائفته، باعتباره أساس الممارسة الديموقراطية.
و"لبنان الآخر" الذي نريد، هو لبنان القادر على التواصل والمشاركة مع كل الذين يعملون على بناء عالم عربي أفضل.
-10-
يتوجه هذا الإعلان إلى جميع مواطنينا، من مختلف التيارات والاتجاهات السياسية، مسلمين ومسيحيين، رجالاً ونساءً، شباناً وشيوخاً، مقيمين ومغتربين، من أجل قيام تضامن لبناني جديد يجسّد إرادتنا المشتركة:
في الامساك بمصيرنا الوطني في هذه اللحظة المصيرية التي لا تقل أهمية وخطراً عن لحظات التأسيس وإعادة التأسيس كما حدث عام 1920 و1943 ...
في المساهمة في البحث عن الأسس والاجراءات السليمة لقيام "لبنان الآخر".
في المشاركة في بناء "عالم عربي أفضل"، وسلام عالمي قائم على الحوار والمشاركة، وعلى احترام الحقوق والتنوع.
من بين المدعوين الى التوقيع على هذا الإعلان أشخاص شاركوا في الحرب، ضمن هذا الفريق أو ذاك، لكنهم استخلصوا منها العبَر والدروس.
من بين المدعوين الى التوقيع على هذا الإعلان أيضاً أشخاص ألقت عليهم الحرب أوزارها من دون أن يشاركوا فيها. وهم الآن، بعدما انتظروا عودة الدولة طويلاً وطويلاً جداً، يشعرون بالخيبة العظيمة حيال الفرص الضائعة في مرحلة ما بعد الحرب.
من بين المدعوين الى التوقيع على هذا الإعلان شبان وشابات لم يعرفوا الحرب، لكنهم يدفعون أثمانها بمفعول رجعي، وهم يتألمون لأنهم غير مطمئنين إلى مستقبل لهم في وطنهم.