بيروت
مقدمة:
• في اثر نكبة فلسطين عام 1948، لجأ قسرا الى لبنان حوالى مئة الف فلسطيني شهدت حياتهم سلسلة متصلة من الصعوبات بفعل النزوح الثاني عام 1967 عن الضفة الغربية وقطاع غزة، ثم جراء اجتماع معظم المقاومة الفلسطينية على ارض لبنان في غضون بضع سنوات: من اتفاق القاهرة 1969 الذي شرع قواعد التمركز والانطلاق في جنوب لبنان، الى حرب تشرين 1973 التي افضت الى اقفال جميع الجبهات العربية مع اسرائيل باستثناء الجبهة اللبنانية، و ما بين هذين التاريخين ما وقع من احداث دامية في الاردن 1970 – 1971.
• لا فائدة الآن من استعادة السجال السياسي الذي حكم تلك الفترات. ولكن الانصاف يقتضي القول ان ذلك الوجود الفلسطيني في لبنان، بحجمه البشري والسياسي والعسكري، قد اثقل كثيرا على هذا البلد الشقيق ورتب عليه اعباء فوق طاقته واحتماله، وبالتأكيد فوق نصيبه المعلوم من واجب المساهمة في نصرة القضية الفلسطينة (دولة مساندة) الامر الذي اصاب دولته واقتصاده واجتماعه الانساني وصيغة عيشه اصابات بالغة ما عادت خافية على احد. كذلك من الانصاف القول ان التورط الفلسطيني في لبنان، على نحو ما شهدنا، وبخاصة في اثناء حروب 1975 – 1982، انما كان في مجمله قسريا بفعل ظروف داخلية وخارجية اشبه ما تكون بالظروف القاهرة.
لا نقول هذا تنصلا، ولا من قبيل نسبة ما جرى الى "المؤامرة"، بل رفقا بالضحيتين، وفتحا لباب المراجعة، ومساعدة لأنفسنا جميعا على تنقية الذاكرة. وايا ما كان الامر، فاننا من جانبنا نبادر الى الاعتذار عن اي ضرر الحقناه بلبنان العزيز، بوعي او من غير وعي. وهذا الاعتذار غير مشروط باعتذار مقابل.
• في المجال الانساني، ظلت اوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان متردية على الدوام، حتى في عقد السبعينات حيث بلغ الفلسطيني اقصى درجات انتعاشه واستقوائه بالمقاومة. فقد تخلت الدولة اللبنانية منذ البداية عن مسؤوليتها عن رعاية اللاجئين، واوكلت هذا الامر برمته الى وكالة "الاونروا" التي قصرت مهمتها على الحد الادنى من "الغوث" من دون "تشغيل" وانتاج، مع تناقص موازنتها وتقديماتها على نحو مستمر، على الرغم من التزايد الطبيعي لاحتياجات اللاجئين. وقد تفاقم الغبن بما سنته الدولة اللبنانية من قوانين مجحفة بحق اللاجئين، تتعلق بالاقامة والتملك والتنقل والعمل، متذرعة بقاعدة "المعاملة بالمثل" بين الدول. وهذه قضية لا تزال عالقة وتحتاج الى معالجة سريعة، بصرف النظر عن اي بعد سياسي او امني.
• شهدت اواخر الثمانينات توافر عوامل ذاتية ودولية ساعدت القيادة اللبنانية والفلسطينية على انضاج خيارات تاريخية كبرى لمصلحة الشعبين. فقد تمكن اللبنانيون من وضع حد للحرب الداخلية باقرارهم "وثيقة الوفاق الوطني" في الطائف 1989، فيما كان الفلسطينيون ينقلون مركز نضالهم الوطني الى الارض المحتلة، من خلال الانتفاضة الشعبية عام 1987 في فلسطين، ثم قرار المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988 بتبني خيار الدولتين، وما اعقب ذلك من قيام السلطة الوطنية الفلسطينية على ارضها بموجب اتفاقات اوسلو 1993. بذلك اكد الجانب الفلسطيني عمليا انه ما عاد يفكر، لا اختيارا ولا اضطرارا، في اي مشروع سياسي او امني في لبنان او انطلاقا منه.
• كان مأمولا ان يشكل هذا التحول الكبير فرصة تاريخية لتصحيح العلاقات اللبنانية الفلسطينية اعتبارا من العام 1990، بما يليق بتضحيات الشعبين وكرامة كل منهما، وبقيادة الشرعيتين: الدولة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية. بيد ان ظروفا وتطورات حالت دون ذلك؛ اذ بقيت منظمة التحرير مقصية عن شؤون الفلسطينيين في لبنان، وتحول الشأن الفلسطيني الى ملف امني الامر الذي راكم تعقيدات وفاقم مشكلات كان من نتائجها المأسوية احداث مخيم نهر البارد الاخيرة. وهنا لا بد من الاشارة الى نجاح الموقف الفلسطيني في هذا الاختبار الصعب لجهة الصدقية وحسن النيات تجاه الدولة اللبنانية.
• ان منظمة التحرير الفلسطينية تنظر بأمل كبير الى استئناف العلاقات الرسمية مع الدولة اللبنانية بعد 15 ايار 2006، كما تشهد على الاستعدادات الطيبة التي اظهرتها الحكومة اللبنانية مؤخرا في غير مناسبة. وهذا ما يجعل جميع المشكلات العالقة قابلة للمعالجة السليمة.
استنادا الى ما تقدم نعلن ما يلي:
اولا: اننا ندعو انفسنا واخوتنا اللبنانيين بلا استثناء الى تجاوز الماضي بأخطائه وخطاياه، والانفتاح الصادق على مصالحة في العمق تليق بأصالة شعبينا. كما نشعر بامتنان عظيم للشعب اللبناني الشقيق على ما قدم من تضحيات جسام لقضيتنا الفلسطينية على مدى عقود، بالاصالة عن نفسه دائما، وبالنيابة عن جميع العرب في كثير من الاحيان.
ثانيا: نعلن التزامنا الكامل، بلا تحفظ، سيادة لبنان واستقلاله، في ظل الشرعية اللبنانية بجميع مكوناتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومن دون اي تدخل في شؤونه الداخلية.
ثالثا: نعلن تمسكنا بحقنا في العودة الى وطننا فلسطين، رافضين بحزم وثبات جميع اشكال التوطين والتهجير. والى ان نعود من حقنا ان نعيش بكرامة.
رابعا: نعلن ان السلاح الفلسطيني في لبنان، ينبغي ان يخضع لسيادة الدولة اللبنانية وقوانينها، وفقا لمقتضيات الامن الوطني اللبناني الذي تعرفه وترعاه السلطات الشرعية. وفي هذا السبيل نعلن استعدادنا الكامل والفوري للتفاهم مع الحكومة اللبنانية، على قاعدة ان امن الانسان الفلسطيني في لبنان هو جزء من امن المواطن اللبناني. في هذا السياق جاء الموقف الفلسطيني من نتائج مؤتمر الحوار اللبناني برهانا اكيدا على قولنا وصدق النيات.
خامسا: نعلن تمسكنا بحقوقنا الاساسية، كلاجئين مقيمين قسرا ومؤقتا في لبنان، وكجزء من شعب فلسطيني يكافح من اجل حريته واستقلاله على ارضه. ان حقوقنا هذه غير مشروطة بقضية السلاح، ولا نفكر في اي معالجة بأسلوب المبادلة.
سادسا: نعلن تمسكنا بحقنا في مواصلة النضال السلمي الديموقراطي على جميع المستويات، وضمن القوانين اللبنانية المرعية الاجراء. كما ان نضالنا يتطلب دعما من جميع القوى والعائلات الروحية في لبنان من دون انحيازات او اصطفاف لان فلسطين على مسافة واحدة من الجميع. والمعيار الرئيس هنا هو الموقف من قضية فلسطين.
سابعا: ان الحل الجذري والآمن لمشكلتنا في لبنان مرتبط بانتصار قضيتنا في فلسطين وفقا لما قرره شعبنا من خلال ممثله الشرعي والوحيد، منظمة التحرير، وما عاد يساورنا اي شك في ان استقرار لبنان يشكل دعما اساسيا لقضتينا، كما ان خلاص شعبنا يزيح عن كاهل اخواننا اللبنانيين عبئا ثقيلا. لذلك نحن حقا شركاء في مشروع السلام العربي الذي سيؤدي، باذن الله وتضامننا، الى الحل المنشود الدائم والعادل.
نتوجه بهذا الاعلان الى الدولة اللبنانية والشعب اللبناني بجميع عائلاته الروحية واتجاهاته السياسية آملين حوارا صريحا وفي العمق من شأنه ارساء العلاقات الفلسطينية – اللبنانية ولاسيما بين الشرعيتين: الدولة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية. "دولة فلسطين".
- المجد والخلود لشهدائنا الابرار
- الحرية لأسرانا ومعتقلينا الأبطال
- الشفاء العاجل لجرحانا البواسل.
وإنا لعائدون
وثورة حتى النصر