عملياً دخل لبنان مع صدور قرار "العجلة" بـ "منْع أي وسيلةٍ إعلاميةٍ من إجراء أي مقابلةٍ مع السفيرةِ الأميركية"، مرحلة جديدة عنوانها المواجهة المباشرة بين "حزب الله" بالوكالة والأصالة عن إيران وبين الولايات المتحدة الأميركية.
اذ لا يمكن فصل قرار قاضي الأمور المستعجلة في صور في مضمونه وتوقيته عن تطورّين مهميّن حصلا في الأيام القليلة الماضية. أمّا التطور الأول فلبناني يتعلّق بمطالبة السفيرة دورثي شيّا بحكومة اختصاصيين في لبنان ما فسّر في أوساط "حزب الله" على أنّه دفع أميركي باتجاه اسقاط حكومة حسان دياب. ثمّ اتهام شيّا للحزب ببناء دولة داخل الدولة استنزفت لبنان، وكلّفت الدولة اللبنانية مليارات الدولارات. وهو كلام قاله أيضاً مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر قبل أيام، وكذلك وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو الذي رهن مساعدة لبنان بإجراء حكومته الاصلاحات المطلوبة واثبات عدم تبعيتها لـ "حزب الله". ومعروفة حساسيّة الحزب المفرطة تجاه تحميله مسؤولية الأزمة المالية والنقدية والاقتصادية في الوقت الذي يسعى فيه لتكريس نفسه منقذاً للبنان ومانعاً من تجويع شعبه. وأمّا التطوّر الثاني فعراقي يتصّل باعتقال "جهاز مكافحة الإرهاب" في العراق والذي يعدّ ذراعا أساسيا لرئيس الحكومة الجديد مصطفى الكاظمي 14 منتسباً إلى "الحشد الشعبي"، وهو الأمر الذي عدّه الموالون لإيران إمتثالاً من الكاظمي لإملاءات واشنطن، خصوصاً أنّ عملية الاعتقال تأتي بالتزامن مع انطلاق الحوار الأميركي – العراقي حول مستقبل العلاقة بين البلدين.
يأتي هذا التصعيد الجديد من قِبل "حزب الله" بوجه الولايات المتحدة الأميركية والذي يعدّ بمثابة تعديل في "قواعد الاشتباك" بين طهران وواشنطن في لبنان، بعد أقلّ من أسبوعين على دخول قانون "قيصر" حيّز التنفيذ والذي يعدّ أداة تنفيذية جديدة بيد الإدارة الأميركية للضغط على إيران و"تقليم أظافرها" على امتداد المنطقة وخصوصاً في سوريا ولبنان، وذلك في إطار استراتيجية "الضغوط القصوى" التي تتبعها واشطن ضدّ طهران. هذا تطوّر لا شكّ أنّه أخرج النظامين الإيراني والسوري من عقليهما وإن كانا يحاولان التخفيف من وطأته وانعكاساته عليهما. فـ "قيصر" الذي أقرّه الكونغرس الأميركي بغالبية ديموقراطية وجمهورية بات منذ لحظة دخوله حيّز التنفيذ سيفاً مسلطاً على هذين النظامين اللذين يروجان لانتصارهما العسكري في الحرب السورية، فإذا بالقانون الأميركي الجديد يحرمهما من تثمير هذا الانتصار المزعوم سياسياً واقتصادياً، لاسيما أنّه جزء من استراتيجية الولايات المتحدة الأميركية لإخراج القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها من سوريا.
هذا الضيق الإيراني - السوري استدعى موقف وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم الثلاثاء الماضي والذي رفض فيه ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا كما نشر أي قوات دولية على هذه الحدود باعتبار أنّ البلدين ليسا عدوين، داعياً الحكومة اللبنانية للتنسيق مع دمشق لمواجهة قانون "قيصر". أي أنّ المعلم يريد إعادة انتاج نظرية "وحدة المسار والمصير" بين لبنان وسوريا في مواجهة ضغوط واشنطن على نظامه، وهو ما سيجعل لبنان عرضة لمزيد من الأعباء السياسيّة والاقتصادية، في وقت ترزح فيه الجمهورية اللبنانية تحت أثقال أزمة اقتصادية ومالية هي الأسوأ في تاريخها، ما يجعلها في أمسّ الحاجة لمساعدة المجتمعين الدولي والعربي لتوفير مسالك آمنة للخروج من مأزقها المتفاقم، فإذا بالملّعم يلاقي "حزب الله" في جرّ لبنان إلى مواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية.
كلّ ذلك يؤكد بما لا يحتمل الشكّ أنّ لبنان دولةً وشعباً بات مسترهناً لمصالح إيران في المنطقة. فطهران تستخدمه كورقة لتحسين شروط مفاوضاتها مع واشنطن أيّا تكن تداعيات هذا الاستخدام على الشعب اللبناني ومستقبل دولته التي تواجه اليوم خطر الانهيار المالي. والسؤال هل تتآزر القوى السياسية والاقتصادية الرافضة لوضع طهران يدها على لبنان لاستنهاض جبهة سياسية/اقتصادية عريضة يكون عنوانها الوحيد: رفع وصاية إيران عن لبنان؟