انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي في الأيّام الماضية مقطع فيديو قديم يظهرُ فيه النائب محمد رعد يقول إن "الوجه الطبيعي للبنان هو الوجه المقاوم"، و"إنّنا نعمل لقيام لبنان جديد ينسجم مع وجود مقاومة فيه".
عندما قيل هذا الكلام ما كان بوسع أحد أن يتوقّع أنّ لبنان مقبل على أزمة كبيرة كتلك التي يمرّ بها اليوم، وإن كانت المؤشرات الاقتصادية منذ العام 2011 سلبية ولا تبشّر بالخير. لكن سماع كلام رعد اليوم، وقد أصبح الجميع يدرك حجم الأزمة ويترقّب بلوغها حدوداً أصعب وأقسى، يدفع إلى السؤال عن أي لبنان جديد كان يتحدّث رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة"؟ هل لبنان المنهار إقتصادياً واجتماعياً والمهدّد بانهيار أمني؟ وإذا كان ثمن صيرورة لبنان ذا وجه مقاوم كما يريده "حزب الله"، هو إفلاس دولته وتدني مستوى معيشة شعبه إلى حدود العوز، فهل تقبل غالبية اللبنانيين بدفع هذا الثمن؟
ما بات معلوماً أنّ "حزب الله" يظهر حساسيّة شديدة حيال كلّ من/ما يحمّله المسؤولية عن الأزمة الحالية عبر الربط بين تنفيذه سياسات إيران في المنطقة وبين الإنهيار الإقتصادي والمالي في لبنان؛ وذلك باعتبار أنّ سياسة "الضغوط القصوى" التي تتبعها الولايات المتحدة الأميركية ضدّ إيران تنعكس حصاراً وضغوطاً مالية وسياسيّة على لبنان، وبالتالي تتسبّب بتردّي أوضاعه الاقتصادية.
إذّاك يرسم "حزب الله" خطّاً أحمر أمام أي اتهام لسلاحه بالتسبّب بالأزمة الراهنة، خشية أن تثمر بذور هذا الاتهام وعياً شعبياً وسياسياً يلقي الضوء مجدّداً على تبعات سياساته على لبنان، ويجعل وعده بلبنان جديد مثل وعد إبليس بالجنّة، طالما أنّ لبنان ذا الوجه المقاوم يهدّد الجوع أهله. وهذا ما يفسّر الاستنفار السياسي والاعلامي والميداني للحزب لإسقاط خطاب "ثورة 6/6" التي طالبت بنزع سلاحه المسؤول عمّا آلت إليه أوضاع البلاد.
لقد استطاع "حزب الله" طيلة السنوات الماضية وخصوصاً منذ التسوية الرئاسية في العام 2016، أنّ يطوّع "الجماعة السياسية" إلى حدّ بعيد. فما عاد أي من الأحزاب السياسية الرئيسية، حتّى تلك التي كانت تخاصمه منذ العام 2005، يربط على نحو منهجيّ بين سياسات الحزب والانهيار المالي في لبنان. والآن يحاول "حزب الله"، وقد ضمن بقاء الطبقة السياسية تحت السقف الذي وضعه للعبة السياسية، أن يطوّع الحركة الثورية في الشارع أو بالحد الأدنى أن يرسم لها سقفاً سياسياً ومطلبياً يبقيها دون اتهامه بالتسبّب بالأزمة. وهو ما جعله يدفع باتجاه تحفيز "ثورة مضادة" نهاية الأسبوع الماضي في محاولة لإعادة ضبط خطاب الثورة بالحد الأدنى، ما دام إجهاضها صعباً، أو ذات كلفة عالية ليس مستعداً الآن لتحملّها.
والحال يسعى "حزب الله" وبموازاة محاولته تكريس مظلّة سياسية وشعبية فوق سلاحه إلى قضم ما أمكنه من مواقع النفوذ الأمنية والسياسية والمالية في الدولة، وذلك في إطار سعيه الأساسي لـ "بناء لبنان الجديد". وهو سعي يترجم في الراهن بمواجهة تداعيات "قانون قيصر" على لبنان وسوريا معاً من خلال ضمان ولاء و/أو "تواطؤ" الإدارات الحيوية والمؤثّرة في الدولة، ومن خلال اصطناع موقف سياسي لبناني "جامع" يرفض التضييق على كلا البلدين.
يستفيد "حزب الله" في تنفيذ خطّته تلك من وجود سلطة سياسيّة موالية له إلى أبعد الحدود. حتّى الأحزاب المعارضة فهي تلتزم سقفاً سياسياً لا يضطره إلى تبديل أولوياته. أي أنّ الحزب يتحرّك في ظلّ ظرف سياسي مؤات له بالرغم من تفاقم الأزمة. وهذه نقطة لصالحه، بمعنى أنّ الأزمة لم تقيّد حركته ولم تجبره للتراجع ولو خطوة إلى الوراء، ما دام أيّاً من القوى السياسيّة لم يتّهمه بالمسؤولية عن الانهيار الاقتصادي الحاصل. وما دام قادراً حتّى الآن على إجهاض أو بالحد الأدنى الضغط على أي مبادرة ثورية تضع سلاحه في موضع اتّهام.
لكن وبالرغم من ذلك كلّه يبقى السؤال الأساسي: إلى أي حدّ يستطيع "حزب الله"، وقد عرف لبنان في "عهده" أسوأ أيّامه، أن يقنع غالبية اللبنانين بلبنان الجديد الذي بشرّهم به النائب رعد؟