في هذه الحلقة الرابعة من الحلقات التي تنشرها "النهار" بناء معطيات شخصية سياسية لبنانية بارزة، هي تعيش حاليا في الخارج بعيدة عن الاضواء، سيتم سرد معلومات خاصة بنائب الرئيس الاسبق عبد الحليم خدام الذي فارق الحياة نهاية الشهر الماضي في منفاه الباريسي. وإذا كانت الحلقات الثلاث السابقة تمحورت حول ما له صلة بين خدام وبين الرئيس رفيق الحريري، فإن حلقة اليوم تتناول خدام مباشرة في عدد من المحطات التي رافقت مسيرته في النظام السوري منذ تسلم حافظ الاسد مقاليد السلطة عام 1970 ولغاية انشقاق خدام عن هذا النظام عام 2005 أبان حكم بشار الاسد.
تروي الشخصية اللبنانية لـ"النهار"، أن الموقع الذي إحتلّه خدام على رأس الهرم أبان حكم حافظ الاسد، لم يكن ليحميه من الاعداء في داخل النظام نفسه إلا الرئيس الاسد نفسه. ومن أهم الشخصيات في النظام الذي كانت تكنّ كراهية لخدام لفترة طويلة، كان شقيق رأس النظام رفعت الاسد. والسبب وراء هذا العداء من أحد أركان هذا النظام الذي يخضع لسيطرة الاقليّة العلوية المطلقة، ان رفعت أصغر أشقاء الرئيس الاسد وشريكه في الانقلاب عام 1970 والذي كان يحتل منصب قائد سرايا الدفاع التي كانت خط الدفاع الاول عن النظام، لم يكن مرتاحا لإلتصاق خدام بشقيقه الى درجة ان خدام كان يتحاشى الاقتراب من رفعت الاسد على رغم أن الاخير كان مرشحا ليخلف حافظ الاسد في السلطة. ووصل الامر الى حد محاولة إغتيال دبّرها رفعت الاسد لخدام في منطقة الديماس على الطريق بين دمشق وبين مصيف بلودان الذي كان يرتاده خدام، لكن الاخير نجا من هذه المحاولة.
تضيف الشخصية اللبنانية ان الرئيس حافظ الاسد كان يدرك الخطر الذي كان يحيط بوزير خارجيته، فقرر حمايته بترفيعه الى منصب نائب الرئيس عام 1984 في وقت واحد مع ترفيع شقيقه الى منصب نائب الرئيس لشؤون الامن القومي، كي يوصد الباب أمام رفض رفعت أن يكون أدنى رتبة من خدام.
وتلفت الشخصية اللبنانية الى ان رفعت كان يتميّز بعادة الكرم الشديد الذي هو نقيض لصفة البخل الشديد الذي كان يميّز شقيقه الرئيس الاسد. ولهذا إستطاع رفعت ان يجتذب كثيرين الى جانبه ليس في سوريا وحدها وإنما في لبنان أيضا. لكن خدام بقيّ منحازا الى رأس النظام متجنّبا الانزلاق الى دوائر شقيق الرئيس السوري، الى ان جرى إبعاد رفعت عن سوريا نهائيا عام 1998 بتسوية بلغت كلفتها 200 مليون دولار أميركي وفّرها الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي. وكان إبتعاد رفعت عن سوريا خطوة مهمة على طريق وصول بشار الاسد الى منصب الرئاسة بعد عامين من إقصاء رفعت عن الحكم السوري.
وفي سياق الحديث عن عادة البخل التي كان الرئيس الاسد يتصف بها، تقول الشخصية اللبنانية أن من أحد أهم أسباب إقصاء اللواء غازي كنعان عن منصبه في لبنان كحاكم عسكري له وتكليف العقيد رستم غزالي بديلا منه عام 2002 عندما صار بشار الاسد رئيسا، هو ان الاول أي كنعان كان يحتفظ بما يتمتع به من عوائد في لبنان لنفسه، في حين ان الثاني (رستم غزالة ) كان يحوّل هذه العطاءات الى الرئيس السوري الجديد.
ماذا عن قول خدام انه سيحكم لبنان، كما ورد في عنوان هذا المقال؟ تجيب الشخصية اللبنانية قائلة: خلال زيارة رسمية قام بها خدام لموسكو عام 1990، إلتقى على هامشها المراسلين العرب العاملين في العاصمة الروسية. وفي ذلك الوقت كان لبنان يخطو أولى خطواته بعد إتفاق الطائف وسط معارضة من رئيس الحكومة العسكرية العماد ميشال عون.
في هذا اللقاء قال نائب الرئيس السوري" ان لبنان بأربعة من أقضيته هو جزء من سوريا الطبيعية قبل أن يسلخها عنها الانتداب الفرنسي عام 1920. ومن الطبيعي ان يكون هناك تنسيق بين البلديّن. فإذا لم يرض الجنرال عون فليعلم أنني سأحكم عندئذ لبنان. "
وتعتقد هذه الشخصية أن خدام كان يريد من وراء ما قاله أن يصل الى إسماع الجنرال عون كي يسلّم بحكم الطائف وبسلطة الرئيس الياس الهراوي الذي كان يتطلّع في ذلك العام الى الانتقال الى قصر بعبدا كي يحكم، لكن عون بقيّ في القصر حتى خريف عام 1991 عندما تمت إزاحته بعملية عسكرية سورية.
وماذا عن قول خدام انه يتطلع الى حكم سوريا؟ تجيب الشخصية اللبنانية قائلة: في نهاية العام 2005، عندما دبّر خدام خطة رحيله عن سوريا بعدما تذرع أمام الرئيس بشار الاسد أنه سيمضي الى باريس في زيارة خاصة كعادته منذ أعوام طويلة، سأل الاسد ماذا يريد منه ان يبلغه للمسؤولين الفرنسيين على هامش هذه الزيارة؟ وهكذا، وبعدما نال موافقة الاسد على الزيارة، ذهب الى فرنسا ليعلن إنشقاقه عن النظام السوري. ثم كانت هناك ترتيبات من بينها قيام تنسيق بين خدام وبين الاخوان المسلمين في سوريا الموجودين في المنفى بزعامة علي صدر الدين البيانوني. ثم كانت المقابلة التلفزيونية الشهيرة التي أجرتها قناة "العربية" عام 2006 والتي سبقها كلام لخدام في الاوساط المحيطة به، يفيد بأن النظام السوري آيل الى السقوط في وقت ليس ببعيد، وإنه عائد الى دمشق ليكون حاكما لسوريا.
وتضيف الشخصية اللبنانية: جرت إتصالات مع خدام قبل إطلالته التلفزيونية. وقام بها أصدقاء له ممن كانت لا تزال لهم صلات بنظام الاسد. وحاول هؤلاء ثنيّه عن الذهاب بعيدا في معارضته للاسد. ونقل هؤلاء الاصدقاء الى خدام نصائح بعدم المضي في إنشقاقه، من رفاقه السابقين في الحكم السوري وفي مقدمهم اللواء حكمت الشهابي رئيس الاركان للجيش السوري الذي إبتعد عن السلطة لكنه بقيّ حتى نهاية حياته في سوريا. لكن خدام أبلغ هؤلاء الاصدقاء أنه يخالفهم الرأي وهو مقتنع بأن أيام نظام الاسد قد شارفت على الانتهاء. وتروي الشخصية اللبنانية ان أحد هؤلاء الاصدقاء الذين التقوا خدام للمرة الاخيرة عام 2006، وبعدما تبيّن له ان الاخير مصمم على إنشقاقه، بادر بحكم صلاته بعائلة خدام الى مخاطبتهم بود قبل أن يغادر مسكنهم الباريسي: "أرجو أن تقولوا لوالدكم وجدّكم أنه لن يرى سوريا مرّة أخرى"!
في إعتقاد الشخصية اللبنانية، أن خدام كان مؤمنا فعلا ان نظام بشار الاسد آيل الى السقوط لإسباب داخلية وخارجية. ومن المفيد هنا إستعادة ما قاله خدام في مقابلة "العربية" التي قالت هذه الشخصية ان نائب الرئيس السوري السابق تلقى قبلها إتصالات مفادها ان سقوط النظام لن يتأخر كثيرا بعد المقابلة.
يقول خدام: "أشعر بأنني سعيد جدا لتحرري من عبء الاستمرار في المشاركة في هذا النظام... فكّرت في هذا القرار (الانشقاق) منذ السبعينيات (في مستهل عهد حافظ الاسد) فقد كانت تحدث أمور في سوريا لا تصدّق. كنت أرى ان هناك مساعدات تأتينا ولكن أين كانت تذهب؟ مشروع كان يكلّف 100 مليون دولار فيما كانت كلفته الحقيقية 20 مليون دولار، والـ 80 مليون كانت تذهب بالفساد. البلد منهوب، فمن كان ينهبه؟ انها الدائرة الضيّقة حول الرئيس". وسمىّ خدام احمد عبّود مدير مكتب اللواء علي دوبا بالوقوف وراء ملف النفايات السامة الذي إنطوى على سمسرات بمبالغ طائلة.
وسئل خدام: هل تحلم بالعودة الى سوريا؟ فاجاب: "سأعود قريبا وسيسقط النظام. الان دور الشباب وعلى جيلي أن يساعد هؤلاء الشباب في قيادة البلاد."
هذه المقابلة التي أجرتها قناة العربية مع خدام في منفاه الباريسي تمت في الرابع من كانون الاول عام 2011. لكن وبعد 9 أعوام على إجرائها لم يعد خدام الى وطنه.
اليوم بعد رحيل خدام، هل بقيت هناك أسرار إحتفظ بها؟ تجيب الشخصية اللبنانية قائلة انها تعلم ان المذكرات التي قيل ان خدام قد تركها قد تحتوي على أسرار نظرا لضخامة حجمها. لكنها تقول انها إطلعت على هذه المذكرات بطلب من خدام الذي سألها عن رأيها فيما كتبه. وبعد مراجعة الاف الاوراق التي إحتفظ بها خدام، أبلغت هذه الشخصية خدام ان الاوراق تتميّز بتكرار، وبالامكان إختصارها لتصبح صالحة للنشر في جزئين فقط. وما يؤكد ملاحظة الشخصية اللبنانية ان الكتاب الوحيد الذي أصدره خدام في حياته عام 2010 والذي حمل عنوان ”التحالف السوري الايراني والمنطقة" عن دار "الشروق" المصرية، حافلا بالتكرار كما يلاحظ أي قارئ له. لكن ومع ذلك، يستطيع المرء ان يجد في قراءة الكتاب شهادات من رجل كان جزءا من تاريخ سوريا منذ بدء مسيرة نظام الاسد عام 1970 .
لماذا لم يحالف خدام الحظ في أن يكون له شأن في حكم سوريا؟ في الحلقة المقبلة سيتبيّن ان الجواب على هذا السؤال يكشف لماذا جرى إلغاء رفيق الحريري جسديا ومن بعد ذلك إلغاء إبنه سعد سياسيا عام 2011 ومن ثم في عام 2019 .
احمد عياش - النهار