بتاريخ 20 أيار 2022 وبعد خمسة أيام من إنتهاء العمليّة الإنتخابية في لبنان تقدّم أمين عام حزب الله السيّد حسن نصرالله بعرض صريح أمام اللبنانيين:
"علّقوا الكلام عن السلاح لمدة سنتين ولنهتم بتأمين حاجات المواطنين". وقصد من خلال كلامه القول:
أولاً : موضوع السلاح شأنٌ معقّد وشائك وهو مسألة "فوق" لبنانية يأتي حلّها من الخارج وليس من الداخل.
ثانياً : لا يظننّ أحد أن نتائج الإنتخابات لها تأثير على الضمانة التي أملكها - أي السلاح.
هذا فضلاً عن محاولة سماحته استمالة شريحة كبيرة من اللبنانيين، ومنهم من شارك في ثورة 17 تشرين، بأنَّ الأولوية اليوم هي لمكافحة الفساد وسوء الإدارة وسوء التدبير ومعالجة مسألة الدولار والمازوت والكهرباء...
وهو كلام يستهوي القوى السياسية التقليدية أيضاً لأنه يعفيها من مواجهة سلاح حزب الله حمايةً لأمنها ولمصالحها.
الحقيقة أن السيّد حسن نصرالله يبتعد عن الإبداع بُعد لبنان عن القمر. إذ أنَّ مثلَ هذا "العرض" كان في أساس التسويات التلفيقيّة (لا التسويات النبيلة) التي مرّت على لبنان منذ إتفاق القاهرة في العام 1969 والتي حاولت "مساكنة" الجمهورية اللبنانية مع السلاح غير الشرعي.
وتكرّر العرض في العام 1992 مع سلاح حافظ الأسد عندما دخل الرئيس الشهيد رفيق الحريري الى المسرح السياسي اللبناني، حيث انصاع لواقع الأمر السوري بفصل الإقتصاد عن الشأن السيادي محاولاً مزاوجة "هون كونج مع هانوي". ولما انحاز الحريري إلى رفض هذه المعادلة قُتل!.. بعد مقتله، ورغم انتصار الفكرة السيادية في 14 آذار 2005، وقع السياديون في الخطيئة ذاتها عندما وافقوا على الفصل بين سلاح حزب الله والقرار الدولي 1559. واليوم يكرّر السيّد حسن العرض نفسه للمرة الرابعة، متجاهلاً نصيحة آينشتاين بأنَّ "من يكرّر العمل نفسه متوقعاً نتائج مختلفة ليس من العقلاء"!
وفي التدقيق بين المراحل يبرز ما يلي :
وعندما اندلعت الحرب في 13 نيسان 1975 كانت قيمة الدولار الواحد ثلاث ليرات وربع ليرة وكانت الكهرباء متوفّرة 24 ساعة على 24، وكانت المياه جارية في منازل عين الرمانة والشياح، ومرفأ بيروت كان بمثابة قناة السويس، والقطاع المصرفي سليم و...
كل هذا الرخاء المالي والإقتصادي لم يقف مانعاً أمام دخول العنف إلى كل بيت من بيوتنا. فحصدت الحرب 120 ألف ضحيَّة ودامت 15 سنة لأننا "علّقنا" مسألة السلاح ولم يتجرّأ أحد على طرح موضوع السلاح الفلسطيني داخل المؤسسات فانتقلنا إلى العنف.
حاول الرجل بدعم عربي ودولي "تعليق" مسألة سلاح سوريا في لبنان، الذي أصبح احتلالاً موصوفاً ما بعد 1982، والاهتمام بقضايا الإعمار والبنى التحتية وإطلاق عجلة الإقتصاد.
تماشى غالبية اللبنانيين معه، وبنوا حياتهم المعيشية والإجتماعية على دولار ثابت ب 1500 ليرة واستقرار أمني واقتصادي، وانفتحوا مجددّاً على الخارج وسافروا وحصلوا على مكاسب...
دام هذا "الرخاء" المدعوم دولياً حتى اغتيال الحريري على يد سوريا وإيران وخروج الجيش السوري في 26 نيسان 2005.
اليوم يدعونا سماحة السيّد لتكرار التجربة بدولار يلامس ال 40000 ليرة وبعد انهيار المرفأ وانهيار القطاع المصرفي واختلال نظام القيم في لبنان.
سيّد لن ننتظر هذه المرّة 6 سنوات بعد اتفاق القاهرة ولن ننتظر 13 عاماً بعد 1992.
ما تطلبه منّا هو دعوة صريحة للدخول الى العنف ونرفضها بوضوح. لا خلاص إلا برفع الإحتلال الإيراني الذي تكرّسه من خلال سلاحك، وتزيّنه بديكور من الطوائف الخائفة والذميَّات.
لقد خضنا تجربة الاستقرار والنمو والإصلاح، في الطول والعرض، بقيادتك غير الحكيمة وبسياسات غير سيادية إلا كلاماً مُرسَلاً على عواصفة، فكان أن حصدنا ما نحن عليه اليوم من خرابٍ عميم، وأدركنا أن "مَنْ جرَّب المجرَّب، كان عقلُه مخرَّب"، وأنَّ "لا إصلاحَ ولا تعافيَ ولا استقرار من دون سيادة".
سيّد! لا تحاول إضاعة "الشنكاش" مرَّة ثالثة ورابعة!
ولا تراهنْ كثيراً على تشويش المعارضين وتشتُّتهم، مقابل تحصّنك داخل أسوارك!
تفضل واحكم لبنان بدون نواب وحكومات.
إنتقل الى بعبدا، وأرسل الشيخ نعيم قاسم الى الإتحاد الأوروبي والشيخ نبيل قاووق إلى شركة سيمنس...
نحن لا نريد الحرب إنما نتائج حكمك ظاهرة اليوم.
ولهذا سنعارضك بإرثنا وبأولادنا بكل ما نملك، وسنبقى صابرين في التاريخ وعلى التاريخ، لأننا أبناءُ الرجاء، مسيحيين ومسلمين، ولأنَّ مَنْ وثِقَ بماءٍ لا يظمأ.
* عن صحيفة النهار