رئيس الجمهورية، المؤتمَن على مصير البلاد، وسيادتها، واستقلالها، ووحدة أرضها وشعبها ومؤسساتها، يتخذ مبادرةً حكيمة، قوامها الاتصال الفوري برئيس الحكومة المكلّف، داعياً إياه إلى مشاورات عاجلة للغاية، في القصر الجمهوري، أو في مكانٍ "حياديّ" (فندق، منتجع، قبرص أو سواها). على أن تكون الخلوة على انفراد، tete a tete، بدون شخص ثالث بينهما، وبلا وسيط، وبلا رقيب، وبلا مستشار، وأيضاً وخصوصاً بلا وصيّ من هنا ومن هناك ومن هنالك، لإعادة النظر في ما آل إليه تأليف الحكومة.
على أنه، إذا اقتضى الأمر، أن تطول الخلوة بين الرجلين، لتلامس المشاوراتُ العمقَ الجوهري المطلوب، وتكون دستورية، تاريخية، وطنية، كيانية، مصيرية، عقلانية، هادئة، طبيعية، رائقة، راقية، وخالية من المكر، ومن الحسابات الدنيئة والمصالح الفئوية العابرة، ومن أجل الحفاظ على الجمهورية، يبقى الرئيس المكلّف في القصر الجمهوري، معزَّزاً مكرّماً، كامل الصلاحيات الدستورية، في ضيافة الرئاسة الأولى، حيث يصرف الرئيس والرئيس المكلّف، كلٌّ من جهته، النظر عن الحكومة الثلاثينية، وعن حكومة الـ32، وعن كلّ الحكومات الأخرى المقترحة من الأوصياء والمستشارين ومن أطراف "أكلة الجبنة"، ويروحان يعكفان على نحت الصخر الخلاّق، إلى أن يتوصلا إلى رؤية خلاصية إنقاذية، أولية، مشتركة، ويتوافقا على تأليف "حكومة تطبيق الدستور"، من شخصياتٍ معنوية متخصصة، ذات رمزيةٍ عالية في الوجدان الجمعي الوطني، على أن يقتصر عدد هؤلاء على القليل الممكن، بما يتناسب ولزوم التوازنات الطائفية. آنذاك، يُسأل رئيس مجلس النواب التكرّم بالصعود إلى القصر، للاستئناس برأيه، تهيئةً لتصعيد الدخان الأبيض، الذي هو المطلب الوحيد للجمهورية وأهلها الأوادم.
هذا هو اقتراحي، مستنبَتاً من القرف الهائل الذي يعتري الناس العاديين، ومن اليأس الوطني العارم الذي يجتاح البلاد، ومن حال الفقر التي تعصف بطبقة الفقراء والمعوزين والمحتاجين، وهؤلاءٌ كثرٌ للغاية.
الطبقة السياسية، الأحزاب، التيارات، القوى، الأطراف، زعماء السلاح، أهل المذاهب والطوائف، وسلاطين المال، هؤلاء، في غالبيتهم العظمى، لا يمكنهم أن يستشعروا أوجاع الناس، وهمومهم، وكوابيسهم، ودموعهم، وتأوهاتهم، ومشاعر الذلّ والمهانة التي تستولي عليهم.
من واجبي كمواطنٍ عاديّ، أن أقول لهؤلاء الأصنام، إن الحياة تموت في لبنان. إن الحياة تُنتحَر في لبنان. وإن هذه الحياة لم يعد لها معنى في لبنان.
أخشى ما أخشاه، إذ تطاولت الأزمة، أياماً وأسابيع، وربّما أشهراً، على ما هو محتمَلٌ ومرجَّحٌ، أن يُعاد النظر في لبنان ذاته، وأن يتقوّض الدستور والقانون، وأن يُستولى على الأرض والكيان، وأن لا يعود في مقدور أحد أن يمنع "اليوم الأخير".
التفريط بلبنان آخِذٌ مجراه، كالانهيارات الثلجية التي لا يوقف جموحها الماجن شيء. فلنمنع هذا التفريط. فلنمنع هذا الانهيار. وإنْ بعصيانٍ مدني سلمي.
عقل العويط
النهار 11 كانون الأول 2018