الداخل هو من استدرج الخارج

الداخل هو من استدرج الخارج
الأربعاء 29 يوليو, 2020

د. فارس سعيد لموقع (أجيال قرن ال21): ”إن الداخل هو من استدرج الخارج ولو لم يكن هناك مَن يعمل في الداخل على استدراجِ الخارج، لما وجد الخارج اي علاقة مع الداخل منذ اتفاق القاهرة الى الاجتياح الاسرائيلي الى يومنا هذا “

يعيشُ اللبنانيونَ اليومِ أقسىَ فترات القلقِ والضياعِ. كلهم قلقونَ، وكلهم خائفونَ، وكلهم يتساءلون : وماذا بعدُ؟ ،،، وإلى أين؟

لقد عاشَ  لبنانُ مئةً وثمانونَ عاماً من الحروبِ والمواجهة ِ منذ عام  1840 الى يومَنا هذا ولم يكن يومٍ من الايام ِ موضعِ  حيادٍ ، إذ كان لبنانَ دائماً محطّ انقسامٍ عموديٍ في  علاقتِه مع الآخر حيث ضاعت هويته بين  مؤيد للعروبة  وآخر مؤيدٍ  للغرب ، مثلما  هو حالُنا اليوم في ظل الكباش الامريكي-الايراني. نحن اليوم اكثر قلقاً واستنفاراً وانقساما ً لسبب واضحُ وهو: أن الخيارات التي كانوا يظنونَ أنَّها قادرة على إخراجهم من قلقهم وأنها مأساتهم قد جربت كلها،  قد فشلت في تحقيق  نظامٍ  جديدٍ  قادرٍ على حماية ابنائِه من الإنهيار والإفلاس والإذلال.

من هنا  يرى موقع أجيال قرن ال21 أهمية إثارة الأسئلة الكبرى  التي يعجز البعض عن طرحها، وهي لماذا فشل لبنان  في تحديدٍ كيانٍ وصيغةٍ جامعة تضمن كرامة واستقرار  أبنائِه بعيداً عن المواجهة وصراع المحاور؟  وهل كانت  دعوة غبطة البطريرك مار بشارة الراعي حول” استراتيجية  الحياد”، بمثابة إجماع مسيحي متفق عليه بين المسيحيين جميعاً؟  وهل أن الحلّ في لبنان هو في أن يكون طرف معنيِّ  بالصراع الوجودي وآخر غير معني فيطالب بالحيادِ ؟؟ ... أسئلة كبرى ومصيرية نطرحها ونعالجها مع الدكتور والنائب السابق ومنسق الأمانة العامة السابق لقوى 14 أذار ورئيس المركزِ اللبنانيِ للبحوثِ والدراساتِ (بوليتيكا)، فارس سعيد .

محاورة: أورنيلاّ سكّر

أهلاً بك د. فارس سعيد في موقع أجيال قرن ال21، أستاذي، إن ثوب لبنان العتيق لم يعد يحتمل الترقيع. ما هي رؤيتكم لمشكلة لبنان؟ هل لا تزال حرب الآخرين عليه ام  اصبح لديكم قناعة حقيقية بأن المشكلة  في بنائه السياسي؟ كيف؟

لا اعتقد أن هناك مشكلة تكوينية أو حرب الاخرين على لبنان.  فما حصل أن أطراف  النزاع في الداخل  يقومون بمقايضة أعتبِرها  “غبية “. فهم يقدمون جزء من السيادة اللبنانية الى للخارج مقابل نفوذ على حساب الشريك الداخلي.  أولاً أنا أعتقد ان السيادة لا تتجزأ، ولا اعتقد ان هناك مكاسب حقيقية  مسجلة على حساب الشريك.  وقد تناوب على هذه الفكر جميع الطوائف وكل الاحزاب السياسية في لبنان . واذا عدنا إلى الأسباب المُوجبة بكل طرف باستقوائِه بالخارج فليقدم لنا الأسباب الموجبة التي هو مقتنع بها. فالطرف المسلم قبل حرب عام 1975 اضافة الى الطرف الدرزي  واليساري آنذاك استقوى بمنظمة التحرير للانقلاب على الجمهورية الأولى،  معتبراً أن هذه الجمهورية غير متساوية  بالحقوق بين كل اللبنانيين لانها تجعل من الطائفة المارونية على سبيل المثال  طائفة مميزة على حساب الطوائف الأخرى. ولم يستمع الموارنة بشكل  كافٍ الى شكوى المسلمين  آنذاك ، فذهب المسلمون  بهذه الحجة الى التحالف مع منظمة التحرير الفلسطينية  والانقلاب على الجمهورية الأولى. وقد اعتبر المسيحيون أن خصمهم تجاوز قدرتهم على  المواجهة ومن أجل التصدي لهذا الواقع،  ذهبوا هم أيضا إلى الخارج بداية إلى حافظ الاسد عام  1976 ومن ثم الى آريل شارون عام 1982 من أجل  التصدّي الى هذه الهجمة والانقلاب على امتيازاتهم من خلال الجمهورية الأولى.  واليوم هناك طرف ثالث، يذهب أيضا ً إلى هذه المقايضة حيث يعطي جزء من السيادة لإيران  مقابل ان تعطيه ايران جزءً من النفوذ لحسم معركته في الشراكة الداخلية على  حساب الشريك الداخلي .

وقد تناوب الجميع على هذه المقولة وبالتالي، إن الداخل هو من استدرج الخارج ولو لم يكن هناك من عمل في الداخل على استدراج الخارج،  لما وجد الخارج اي علاقة مع الداخل، ومن اجل ان يدخل الى المسرح  الداخلي ويحدث ما حدث.  وأنا أعتقد ان اخر طائفة او فريق  يذهب بهذا الاتجاه هو حزب الله  الذي يختزن  الطائفة الشيعية  باستثناء  بعضٌ من الطائفة الشيعية المتمردة على هذا الإختزال والذي يقدم  لهذه الطائفة من خلال هذه المقايضات  تقديمات اجتماعية ومالية وسياسية ومزيد من النفوذ ويقول لهم بأن من خلال شراكتي مع الخارج ، أنا أقدم لكم  ما لم يقدمه أحد. لذلك، فإن الحياد الذي أنا أفهمه هو حياد لكل الطوائف ولكل الأحزاب من هذا الاستقواء الغبي بالخارج. وأنا اعتقد انه إذا وضعنا الموضوع في هذا الإتجاه،  اي حياد ميثاقي فوق دستوري، فقد نساهم بتأمين العيش المشترك والاستقرار ولا نفسدهما والشراكة الوطنية ولا نفسدها.

لماذا فشل لبنان في تشكيل هوية وطنية تجمع ابنائِه وتوحدهم؟  

مخطئ من يظن أن الهوية الواحدة لم تشكل بعد في لبنان. ففي عام 1943، كان هناك اقلية مسيحية  تنادي بالاستقلال وغالبية مسيحية كانت تطالب ببقاء الانتداب الفرنسي  وكانت هناك اقلية مسلمة تطالب بالإستقلال وغالبية مسلمة كانت تطالب بالوحدة مع سورية وبالتالي، إن اقلية مسيحية واقلية مسلمة  ساهمتا بتشكيل اكثرية نسبية،  وحققتا انجاز الاستقلال. وبعد اربعة سنوات،  كتب جورج نقاش  مقالة  قال فيها أنا “اعرف ماذا لا يريد المسيحيون” ، اي أنهم لا يريدون الوحدة مع سورية و انا “اعرف ماذا لا يريده المسلمون ” اي،  لا يريدون بقاء الانتداب الفرنسي  ولكن،  لا نعرف “ماذا يريد المسيحيون والمسلمون معاً ً” وبالتالي ، إن  النقيضين لا يجعلان وطن . وفي العام 1989 ، قمنا بحسم  هذه المعادلة، عندما وقّع المسلمون كتابةً على نهائية  الكيان اللبناني  ووقع المسيحيون كتابةً على عروبة لبنان. فمن غير الصحيح أن  اللبنانيون لم يحسموا هذا الجدل أو هذه المعادلة، أي الهوية والكيان، وذلك بإقرار مسيحي واسلامي بهذه المعادلة .

اذا افهم منك انك مؤيد لخيار الحياد الذي أطلقه غبطة البطريرك مار بشارة الراعي ؟

الكل يستطيع أن يفسر الحياد كما يريد.  وأنا اعتقد ان فكرة الحياد الاقرب الى اطروحة البطريرك  لم يتكلم  فيها فقط عن الحياد بل أيضا تكلم عن النقاط المتعلقة بتحرير الشرعية اللبنانية من الحصار وما تلاها من  تنفيذ  قرارات  الشرعية الدولية  بمعنى ان طرح البطريرك  كان مبادرة من ثلاث نقاط مترابطة ومتلازمة مع  بعضها البعض حيث  قال فيها  أنه علينا اولا ً:  فك الحصار عن الشرعية اللبنانية، وطالب رئيس الجمهورية ميشال عون المساهمة بفك هذا الحصار لاننا نريد الحياد للبنان،  وكيف نصل الى هذا الحياد -  بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية. وهذا الكلام لا يقبل التأويل ولا يقبل النظريات لأن الحياد الذي نطالب به هو الحياد الذي يوفر العدالة لجميع اللبنانيين والحرية لجميع اللبنانيين، اي مبدأ العيش المشرك، ولن يستقيم العيش المشترك في ظل وجود فريق يهيمن بقوة السلاح وآخر لا يحمل السلاح  .

 

الا تعتقد ان هذا الموقف الذي تفضل به غبطة البطريرك كان أولى أن يطلقه فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كونه هو المعني بأطراف النزاع وباتفاقية مار مخايل؟ كما أن هذه المبادرة لم تأتي من فراغ،  فالبعض يعوِّل على فكرة أنه تلقى اتصالاً هاتفياً من السفيرة الامريكية لإطلاق هذه المبادرة. ما تعليقكم وما هي المعلومات انلتي تملكونها؟

أولاً، إن الطبيعة تكره الفراغ ولو كان هناك امتلاكاً في بعبدا او امتناءاً  لما تقدّم البطريرك بأطروحة سياسية، وأنا اعتقد أن دوافع هذه المبادرة تأتي في سياق دوافع داخلية وليس خارجية  نتيجة  معرفة البطريرك عدد الشباب الذين يهاجرون من لبنان ويستعدون اقله الى هذا الخيار،  ظنا ً منه اذا تم طرح هذه المبادرة سيساهم بتحريك السكوت الموجود في الوسط السياسي. وعندما ذكرت  في بداية حديثي، بأن الطبيعة تكره الفراغ، فهذا يعني ان البطريرك نفسه تراجع لكي يقدم اربعة زعماء موارنة  على المسرح السياسي، وقال لمليون ماروني  بما معناه، أن هويتكم  السياسية ناقصة والهوية مع هؤلاء الاربعة هي  كاملة.  لذلك هم يقدّمون العشيرة المارونية، واذا وصل احدهم الى سدّة الرئاسة  هو الذي يؤمن مصالح   المسيحيين لدى الجمهورية اللبنانية. ومنذ عام 2012 الى يومنا هذا،  استمعنا الى  التوتر العالي في المنصورية، الحوض الخامس  وإلى زحمة السير الخانقة  وصولاً إلى حريق الأحراش  ثم إلى المناصفة، ولم نستمع إلى سياسة هؤلاء اي القيادات المارونية. وبالتالي، إن انكفائهم عن الحياة الوطنية وانكفائهم عن ادارة الشأن الداخلي اليومي، أدى إلى تقدّم البطريرك بأطروحة  لا تعني فقط المسيحيين  بل تعني جميع اللبنانيين وقد لاقت ترحيبا ً واسعاً لدى مراكز القرار العربية والخارجية .

برأيكم لماذا هناك طرف يرفض استراتيجية الحياد ويعترض عليها وما هي مبرراته؟

 إن حزب الله  يربط موضوع الحياد بالإجماع، واذا افترضنا أن الحياد يتطلب اجماع، اذا ً فالقتال في سوريا ايضاً يتطلب اجماعاً  كذلك الامر في العراق واليمن. واذا كان الحياد يتطلب الاجماع  كذلك يتطلب موضوع الانحياز ايضا الاجماع. إن هذا الكلام غير منطقي وأن يعترض فريقٍ على الحيادِ  لانه يربطه، فإن الأمر يستدعي عليه أن  يطبّق هذا الإجماع على ما يقوم به هو، لكي نقتنع ان ما يقوم به يكون موضع  اتزان ومنطق.

وهل هناك إجماع مسيحي حول استراتيجية الحياد؟

لقد عبّر الوزير جبران باسيل عن موقفه  بشكل صريح  حول مسألة الحياد انما وضعه بالخارج  وحدد خمسة نقاط  التي  تحول دون تحقيق مبدأ الحياد في لبنان. إن احتلال اسرائيل لاجزاء من الأراضي  اللبنانية، وعدم ترسيم الحدود،  وخطر توطين الفلسطينين،  وخطر بقاء المهجّرين السوريين في لبنان،  وخطر الارهاب. اعتبر هذه العوامل ملحة من اجل ان نكون شركاء مع حزب الله بهدف التصدي لكل هذه التحديات والعوامل.

برأيكم هل نجحت استراتيجية الحياد في الماضي لكي تراهنون عليها اليوم؟ أين؟ وكيف على الأقل من وجهة نظركم ؟

زمن  عبد الناصر 1966، عقدت قمة عربية في القاهرة وكان لبنان دولة مساندة في الصراع العربي-الاسرائيلي  وليس دولة مواجهة. كما أنه في عام 1958، عندما كانت هناك الوحدة العربية  بين سوريا ومصر، كان الرئيس جمال عبد الناصر  اللاعب الأكبر آنذاك  في العالم العربي  واراد ان يحيد لبنان عن الدخول كجزء لا يتجزأ من الوحدة العربية التي بدأت في مصر وانتهت في سوريا. وكان هناك الخيمة الرمزية التي كرّسها الرئيس السابق فؤاد شهاب في الجهة اللبنانية، وكذلك الرئيس عبد الناصر في الجهة السورية. حيث نصبت هذه الخيمة على الحدود اللبنانية – السورية. وبالتالي،  فقد بقي لبنان على الحياد وبقي على هذا النهج منذ ذلك الحين. وليس صحيحاً أن  لبنان هو ضد الحياد ومن ساهم بتوريط لبنان في مواجهة الحياد هي الطوائف وبخاصة الطوائف المغبونة التي تبحث عن  مزيد من الحقوق الداخلية والتي قامت بمقايضات الخارج  للحصول على قوة ونفوذ وقدرة في فرض وجهة نظرها على الداخل  اللبناني.  نحن  مَن أدرجنا الخارج الى الداخل . كما أنني لا اعتقد ان أبو عمّار رغم كل  ترسانته كان يمكن ان يحكم لبنان أو ان يتحكم فيه لولا وجود فريقاً  لبنانيا ً متعاون معه. إن تعامل فريق من اللبنانيين مع جيش الاحتلال الاسرائيلي كان بفعل تعاون فريق اخر مع الخارج واستدراجه إلى الداخل، وبذلك يكون قد نسف الحياد. فمهما كانت الاسباب موجبة لدى كل من كمال جنبلاط وبشير جميل لا يلغي فكرة أنهم هم من ساهموا باستدراج الخارج الى المسرح السياسي اللبناني الداخلي. واليوم، اذا كانت هناك أسباب يقدّمها حزب الله،   قد تكون موجبة لفريق من اللبنانيين  من أجل استدعاء ايران الى المسرح السياسي في لبنان  فهو ينسف الحياد ويعطله .

نحن تعلّمنا مسلمين كنّا أم مسيحيين من التجارب السابقة، أن لا خيار للبنان سوى خيار الحياد غير ان حزب الله لم يتعلم من دروس الماضي وبذلك، فهو ينسف الحياد ويعطل البلاد ويقودنا الى المواجهة والتدخل الخارجي.

وهل تجد أن استراتيجية الحياد هو الحل الأنسب لمشكلة لبنان في ظل هذه التحديات الصعبة ؟كيف؟

طبعاً إن الحياد هو الحل لمشكلة لبنان.  فالحياد يكمن من خلال تنفيذ بنود الدستور اللبناني. من خلال خارطة الطريق التي ينصّ عليها اتفاق الطائف والدستور اللبناني. واذا خرجنا عنهما نكون بذلك، قد خرجنا عن الحياد، فكفى تنظيرأ وتفلسف، فالدستور واضح من خلال بنوده السيادية والاصلاحية. إن البنود السيادية هي بأهمية البنود الاصلاحية التي  تنصّ على حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية ولا يمكن أن نعتبر أن الحياد قائماً اذا لم يكن قرار السلم والحرب محصوراً بيد الدولة اللبنانية فقط.

لماذا برأيكم يتعذر على لبنان تحقيق تغيير واصلاح حقيقي يحمي ابنائه من كل هذه الهواجس التي تقلقهم  وتجعلهم يستنجدون بأعوانهم في الخارج  كما هي حالُ حزب الله ؟

لقد توصل لبنان إلى هذا النظام السياسي من خلال التراكم وليس من خلال التنظير والفلسفات. ففي عام 2020 ، رفضنا  فكرة لبنان المسيحي وذهبنا الى فكرة العيش المشترك ولبنان الكبير، وعندما تكلم البطريرك الحويك امام كليمنصو، قال اريد بناء دولة ينتسب اليها المواطن بوصفه مواطناً اكان مسلماً ام مسيحياً. وهذا كان طرح متقدم جدا ً في العالم العربي منذ ذلك الوقت. وفي عام 1943، كنا لا شرق ولا غرب. وفي عام 1989  كنا نهائية الكيان اللبناني وعروبته، ولا اعتقد ان هناك مجال لتعديل ما اتفقنا عليه .

يكثر في الاونة الاخيرة كلام حول تعديل اتفاقية الطائف. هل انت مع هذا التوجه ؟

مطلاقا ً لا نؤيد تعديل اتفاق الطائف.

من أين يبدأ برأيكم الاصلاح السياسي والاقتصادي على الاقل من وجهة نظركم ؟

إن التغيير يبدأ من خلال تنفيذ الدستور اللبناني.

كيف وهذا النص يحمل النقيض من حيث انه يدعو من جهة إلى إلغاء الطائفية، ومن جهة أخرى يحرص على المناصفة والمحسوبيات والمُحاصصة الطائفية التي هي جزء اساسي من منظومة الفساد في لبنان ؟

أنا لست ضد الغاء الطائفية السياسية  فهذا بند لا يتجزأ من  بنود اتفاق الطائف والسير به لديه آلية يجب الاحتكام اليها. أولاً: يجب انشاء هيئة وطنية لالغاء الطائفية السياسية . ثانيا ً: اقرار قانون انتخاب محرر من القيد الطائفي ، ثالثاً: انتخاب مجلس نواب محرر من القيد الطائفي، رابعاً: انتخاب مجلس شيوخ منتخب على قاعدة طائفية، ووظيفته وضع حدّ لكل قانون يصدر عن مجلس النواب  قد يصطدم مع مبدأ  العيش المشترك. وهذه ليست أفكار وضعت في الدستور فحسب انّما هي بنود دستورية . وبالتالي، إن اي قانون يصدر عن مجلس النواب  محرر من القيد الطائفي  ويصطدم مع العيش المشترك من حق مجلس الشيوخ  استرجاعه إلى مجلس النواب.  وأريد أن أعطي مثلاً ، فقد كان هناك ضيعة فرنسية، اكتشف اهلها عن وجود صليب برونزي، فأرادوا وضعه في الضيعة، فاعترض العلمانيون على  ذلك وقالوا ليعلق الصليب في الاراضي المسيحية وليس في الاراضي العلمانية  فقرّروا وضعه في الضيعة التي  تملكها البلدية لأنهم  في جمهورية علمانية والارض التي تملكها الضيعة هي ارض علمانية.  تصوري لو طبّق هذا القانون في لبنان كم كابيلا مثلا ستبقى على الطريق  العامة؟!

نحن في لبنان ليس لدينا هذه الثقافة والقدرة لنكون مدنيين وفي نفس الوقت نحن نرغب في الحفاظ على تراثنا وعلى ثقافتنا وعاداتنا من جميع الطوائف.

ما هي حقيقة الاستنفار والهجوم الذي حدث في الامس في الجنوب اللبناني. ما هي الرسالة؟ وماذا لديكم  من معلومات او معطيات تفسرون ما حدث بالامس ؟  وفي أي سياق تضعه؟

ان الدوائر العربية والدولية تقول بأنه طالما ان حزب الله مهيمن وواضع قبضتِه على مفاصل الدولة اللبنانية  وبيده قرار الحرب والسلم في ادارة الشأن الداخلي وهو ينفذ سياسة ايران،  نحن لن نقدم اي مساعدة الى لبنان. وهذا الامر كان واضحاً عندما جاء على كلام  وزير خارجية الولايات المتحدة الامريكية إلى لبنان حيث وضعنا أمام خيارين لا ثالث لهما: إما ان نموت جوعا وافقاراً أو تسليم رأس حزب الله. وبالتالي إن لبنان دون دعم الخارج سيموت جوعاً كما تشاهدون. وحجة حزب الله حول محاصرة الولايات المحتدة له تجعل من لبنان عرضة لتدخلات اجنبية سواء من جهة ايران او امريكا.  وهذا ما يعقد الوضع ويساهم بجرف كل شيء وإلى تخريب لبنان  وتحويله الى ساحة حرب من جديد، خرب تجرف من امامها كل شيء بما فيه الصالح والطالح.

لقد شهدنا في اليومين الماضين زيارة لوزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان الى لبنان حيث استدعى ذلك تعليق وزير الداخلية اللبناني ، محمد فهمي الذي قال انه كان بإمكانه ان يقوم باتصالٍ هاتفي ولا داعي لهذه الزيارة. ماذا تعني زيارة وزير الخارجية  الفرنسية الى لبنان في ظل هذه الظروف والاحداث التي تشهدها المنطقة؟ وهل فرنسا قادرة على حل الازمة اللبنانية؟ كيف ؟

اولاً إن ايّ زيارة الى لبنان لتقديم المساعدة له هو أمر مرحب به وطبعاً نحن نقدر جدا ًهذه المبادرة من جانب فرنسا، فهناك علاقات تاريخية بين فرنسا ولبنان، لكن نفوذها اصبح متقلصاً وضعيفاً. فهي لم تعد كما كانت عليه في السابق ذات دور فاعل ومؤثر في المنطقة. ففي عام 2004، ساهمت فرنسا بإصدار قرار 1959 الذي ساهم الى جانب انتفاضة ثورة الارز بخروج الجيش السوري من لبنان. وفي عام 2008، ساهمت بانتزاع التفسير الديبلوماسي بين لبنان وسوريا الذي كان اعترافاً من الدولة السورية  بالدولة اللبنانية لاول مرة.  كما أن لفرنسا علاقات ثقافية تربطها بلبنان من خلال مساهماتها بدعم مدارس وجامعات كاتوليكية. فهي ساهمت بمبلغ قيمته 15 مليون يورو الى الجامعة اليسوعية، وقد دفعت أيضاً 20 مليون دولار الى المدارس الكاثوليكية. طبعا ً مع الشكر الكبير لها، انما هذا لا يلغي ان فرنسا تراجع تأثيرها ولم تعد في لبنان كما كانت عليه في السابق. 

اين اصبح الصراع بين واشنطن وايران وما هي السيناريوهات المحتملة على لبنان ؟

لا حلّ ولا تفاوض ولا تسوية  امريكية –ايرانية  قبل الانتخابات الامريكية اي، قبل شهر كانون الاول. فإن ايران تفضل الحوار مع  دونالد ترامب الرئيس وليس مع  دونالد ترامب المرشح ، لانها تعتبر ان هناك إمكانية ان لا يربح. فهي تنتظر نتائج الانتخابات الرئاسية لكي تفاوض الرئيس المنتخب. كما إن الولايات المتحدة لن تفاوض ايران قبل الانتخابات الامريكية كي لا تخسر نقاط. نحن سنبقى حتى شهر 11 في حالة من الكباش القائم  بين أمريكا وايران ليس فقط  في لبنان انما ايضا في سوريا والعراق واليمن وداخل ايران.

هل تتوقعون حرباً في لبنان قبل الانتخابات الامريكية  يمكن أن تسجل فوزاً لترامب؟

كل شيئ محتمل لكنني لا اعتقد أن هناك اتجاه قد يسير نحو حربٍ ما في لبنان لان الولايات المتحدة قادرة على تحصيل مكاسب دون الإنخراط في جبهة هي غير مستعدة لها في هذا التوقيت الذي تمّر به داخليا ً بفعل الازمة الاقتصادية التي خلفتها كورونا وأزمة العنصرية.

ما هو موقفكم من سياسة الخناق الاقتصادي الذي تمارسه الولايات المتحدة على لبنان؟

إن هذه السياسة المتبعة من قبل الولايات المتحدة كانت واضحة منذ اللحظة الاولى عندما زار وزير خارجية أمريكا، عام 2018، وزير خارجية لبنان وقام بتصريح  حول الصراع  الامريكي- الايراني سائلاً علينا ان نختار من هي الجهة التي ننوي تأييدُها،  فأجابه وزير خارجية لبنان آنذاك جبران باسيل،  انه  يريد ايران. فمن الطبيعي  ان يكون الرد الامريكي عليهم بهذه القساوة والعنف التي عبرت عنها الإدارة الامريكية على قاعدةchapeau valise au revoir Aziz.

لقد كنتم تمثلون شريحة وازنة من الللبنانين . ماذا كانت رؤيتكم السياسية والاقتصادية آنذاك ؟

على الصعيد  السياسي: كانت رؤيتنا تتمحور حول تنفيذ اتفاق الطائف وقرارات الشرعية الدولية وقرارات الشرعية العربية بينما على الصعيد الاقتصادي  فكان مشروعنا هو بتطبيق اقتصاد حرّ، وليس أي نظام آخر او مشرقية  اقتصادية يقودنا نحو الصين.  نحن  لدينا حدود على البحر وعلاقاتنا تمتد نحو الغرب وأمريكا ولا نريد الدخول في الاقصاد المشرقي. المشكلة مع "الشباب" أنهم يعرفون من اين يبدؤون لكن لا يعرفون  إلى أين سينتهون .

عندما كنتم في سُدّة الحكم لم تنجزوا اي اصلاح معتبر فكيف تعولون على حزب الله ان يحقق ما عجزتم عن تحقيقه؟

  ليس مبرراً اذا أخفق فريقٌ أن يخفق فريق آخر. نحن ضعفاء لا نستطيع تحقيق اي انجاز بينما حزب الله مستقوي بإيران ويختزل الطائفة الشيعية ولديه القوة التي تمكنه من تحصيل كل هذه الاصلاحات لماذا لا يقوم بها،  لماذا لا يعيد الليرة  اللبنانية الى 1.500 مثلاً، لماذا لا يحكم وحده دون  الحاجة الي وجودنا،  لماذا لا تعود العلاقات اللبنانية –السعودية الى ما كانت عليه في السابق، وكذلك العلاقات اللبنانية –الغربية؟ أنا اعتقد ان قوى 14 آذار استطاعت ان تؤمن هذه الشراكة مع حزب الله  وكان عليهم المسؤولية انه حين وقعت الاغتيالات،  كان  يجب عليهم ان ينكفئوا عن السلطة، وليحكم حزب الله وننتقل الى المعارضة. المشكلة عندنا أننا لا نتعلم من اخطائنا ولا من تجاربنا القديمة .

اذا برأيكم ما هو الحل  لمشكلة لبنان ؟

الحل يكمن في  حل الصراع الايراني -الامريكي الذي ينعكس على لبنان وهذا الحل  ليس في الداخل. انظري  جاؤوا بالرئيس حسان دياب واساتذة من جامعة الروح القدس الكسليك ماذا فعلوا او ماذا غيروا؟ لا شيئ، سوى تصدير البيانات. هم ليسوا فاسدين بل  نخبة متخصّصة من اهل الاختصاص اي تنوقراطيين. الحل في لبنان  ليس بالتقنية بل في السياسة  .

ما مفهوم السيادة والاستقلال في ظل صراع المحاور اليوم في المنطقة ؟

 من يحكم في لبنان هما شخصيتان، السيد حسن نصرالله والسفيرة الامريكية دوروثي ك. شيا. الاول، يريد فرض شروطه من خلال احتكار قرار السلم والحرب، وتعيين الرئيس وتحديد قانون الإنتخاب. والثاني، يريد تهريب عامر الفاخوري وبقاء محمد العسيري وحماية رياض سلامة. إن هذا النهج هو الذي اعتدنا على سماعه من قبل الاطراف التي تريد حماية لبنان. وكل من يدّعي من الطبقة السياسية الحاكمة انه قادر ويعي ويعرف في شؤون لبنان ، فهو لا يعرف وغير قادر على ان يفعل شيئاً. ما فعله البطريرك مار بشارة الراعي كانت محاولة هدفها لم الشمل وتكريس وحماية مبدأ العيش المشترك واعادة تثبيت المصلحة اللبنانية  من خلال ثلاثة نقاط التي أسلفنا ذكرها في البداية. غير ان هذه المبادرة لا تزال في بداياتها وننتظر أن تزهر ثمارها قريباً. وانا بصراحة لا اجد سلطة سياسية اليوم غير حزب الله  قادرة على حكم البلاد وحلّ الخلافات وتغيير واجهتها .

هل تجدون أن انتفاضة 17 تشرين حققت أهدافها أو على الاقل مطالبها؟

نعم  لقد حققت ثورة 17 تشرين عدّة أمور منها جرأة اللبنانيين وتمرّدهم على زعمائهم. لكن كان همّ حزب الله منذ اللحظة الاولى عدم توجّه هذه الانتفاضة ضده، وأن تتوجه ضد الدستور والمصارف والفساد  وضد حاكم مصرف لبنان  وضد رؤساء احزاب أمثال سعد الحريري.  وقد استخدم  كل الاسلحة والقوة التي بحوزته لكي لا تتوجه الانتفاضة ضده.  وأستطيع أن اقول انه نجح، وان كل مكّونات  الثورة  لم تعد تتحدث بسلاح حزب الله ، وتفاوتت حجة الجميع بشكل متفاوت حيث نادت جهة بالحفاظ على ثوار كفر رمان  وجهة  أخرى أرادت  الحفاظ على ثوار بعلبك والإبقاء على المحلي والبلدي.  وجهة ارادت ان تكون هذه الثورة موضع خدمة في تصرف سياستها وتحقيقاً لأهدافها.  انا اتصور أن الاحزاب قد فشلت في تحقيق أهدافها وكذلك ايضا الثورة التي لم تنجح في تحقيق واقع مختلف جديد يلبّي المطامح وألاهداف التي نشأت على اساسها. 

إن الاحزاب التقليدية لم تعد قادرة على الاستجابة لتحديات  التي يعصف بها لبنان من سياسة خناق وتجويع وافقار وهجرة الشباب والادمغة إلى الخارج  او أن تقدّم أطروحة مقنعة الى هذا الجيل الجديد . كما أن هذه الثورة فشلت أيضا في تقديم رؤية  أو إطار جديد  مقنع تستقطب فيها  الجميع حولها،  فدخلنا بذلك في منعطف  حيث اصبحت فيها  المرحلة القديمة تشارف الانتهاء مقابل مرحلة جديدة لم تتواجد بعد.  وهذا لا يعني انه ليس هناك من وجود للاحزاب التقليدية  التي كانت ( القوات ، التيار الوطني الحر، حزب الله ،، او مستقبل وتقدم الاشتراكي،،) لكنّ تلك  الاحزاب ستبقى  موجودة في الساحة اللبنانية  اذا ساهمت بتقديم رؤية  جديدة  لكن، عدم خروجهم من ذاكرة الحرب ومحاولتهم توظيف هذه الذاكرة  لتحقيق مكاسب  سياسية كما هي الحال عليه ، فإنهم سوف يذوبون وينتهي أمرهم عاجلاً.  اما الجديد الذي صدر مع الثورة فهو غير مقنع .

وبالتالي،  نحن أمام هاتين المرحلتين وكما اسلفت الطبيعة تكره الفراغ  حيث سيتم خرق جدار لبنان  واحداث تخريب وفوضى أمنية وارهاب و تطرف، يكون  لبنان في الغنى عنها كتعبير عن مرحلة انتقالية صعبة وخطيرة .

برأيكم لو لم تنكفئ الثورة ماذا كان عليها ان تفعل لتفادي هذه الانتكاسة  ؟

 كان ينبغي على هذه الثورة القيام بما قاله البطريرك بعد ثمانية اشهر من الثورة، حيث وضع خارطة طريق للثورة، اي فك الحصار عن الشرعية اللبنانية وحياد لبنان وتنفيذ  قرارات الشرعية الدولية.  إن ثورة 17 تشرين اخفقت بين مع وضد، وضاعت تم تشتّت بوصلتها بفعل أنها لم تكن منظّمة ومنضبطة في مطالبها. لذلك، انحرفت عن مسارها الاول التي انطلقت منه وحدث ما حدث.  هي كانت ثورة ولا تزال ثورة، تملك الجرأة والشجاعة، انهت القديم  لكنها عجزت عن تقديم مشروع جديد أو رؤية مستنيرة واضحة يتخلّلها مرحلة انتقالية ضمن اطار جديد.

بالختام ، ما هي نصيحتكم ألى اجيال قرن ال21؟

 إن نصيحتي هي أن يرفع  هؤلاء الثوار الذين يمثلون هذا الجيل الجديد ورقة سياسية واحدة وهي ورقة الدستور اللبناني، وأن يتحولوا الى الحزب الدستوري الجديد الذي يدافع عن الدستور وعن  قيمة الجمهورية اللبنانية.  نحن دفعنا مئة وعشرون الف شهيد  مقابل أن نصل إلى اتفاق الطائف وأي  خروج عن اتفاق الطائف والدستور اللبناني هو بمثابة خطوة باتجاه المجهول.

إلى هنا نختم مقابلتنا مع  الدكتور فارس سعيد  رئيس  مركز بوليتيكا للابحاثِ والدراساتِ ومنسقُ الأمانة العامة لقوى 14 آذار سابقاً.

يا قومي لا تتكلموا إن الكلام محرم ُ، ناموا ولا تستيقظوا ما فاز الاّ النومُ. والجميل في هذه الرواية أنهم  استيقظوا لكنّهم متأخرين والمبكي أن شكواهم لامست أسماعهم ولكنّها لم تُلامس نخوة المعتصم .

عن موقع أجيال قرن الـ21