في مرحلة السلطنة العثمانية خضع اللبنانيين كسائر أفراد السلطنة إلى النظام العقاري العثماني الذي حدّد الملكيات الفردية والعامة وفقاً لعلامات وإشارات جغرافية محليّة ويسمّيه القرويون الدفتر الشمسي. (يحدّ منزل فلان شجرة تين شمالاً وساقية مياه جنوباً...).
في العام 1926 أدخل الفرنسيون مفهوم السجل العقاري الحديث، أي انتقلنا من "الحدود التقريبية" للعقار إلى علم الطوبوغرافيا وتحديد مساحة العقارات وترقيمها ثم تسجيلها وتدوينها في سجلٍ عقاري.
نجح الفرنسيون في استكمال أعمال مسح وتحديد نسبة % 50 من الأراضي اللبنانية، من العام 1926 حتى العام 1946، بدءاً بالمدن الساحلية والعاصمة بيروت.
لم تستطع الجمهورية الأولى ولا الثانية استكمال أكثر من % 20 من أعمال المسح والتحديد للقسم الباقي من الأراضي.
ما يعني أنه لتاريخ اليوم لا يزال %30 من أراضي لبنان غير ممسوحة وغير محدّدة، ومنها ما هو متنازع على ملكيته بين القرى والبلدات أو في البلدة الواحدة بين الأهالي أو بين أهالي القرى والجمهورية اللبنانية.
نتكلّم هنا عن حوالي 3000 كلم مربّع من الأراضي في لبنان، والمتواجدة في غالبيتها في سفوح "جبل لبنان القديم" الممتدّة من القرنة السوداء شمالاً وصولاً إلى جزين جنوباً. هذه الأراضي غير الممسوحة وغير المحدّدة هي تحت إشراف وزارة المال بوصفها سلطة الوصاية على دوائر المساحة والتحديد والسجل العقاري.
لوزير المالية حقّ التقرير متى تُمسح الأراضي، وهو الذي يكلّف الدوائر المختصة باستكمال أعمال المساحة والتحديد والتسجيل.
لماذا لم يفعل بعد؟ وهو بذلك يترك المجال مفتوحاً لنزاعات قد تصل إلى حدود الاشتباك الطائفي والمناطقي في أكثر من منطقة.
هل هذا التباطؤ هو من طبيعة إدارية، أو أنه يخفي في طيّاته نوايا أخرى؟
نرى أن أسباب التباطؤ تعود إلى:
أي تعود ملكية مشاع بشري أو العاقورة أو بسكنتا أو المختارة إلى الأهالي وليس إلى البلديات أو الدولة؛ الملكية لأهالي القرى وحقّ الانتفاع والإدارة للبلديات.
فارس سعيد