الاستماع الى الطبقة السياسية اللبنانية التقليدية بقضها وقضيضها مشقة فعلية . يتحدث أركان هذه الطبقة بشيء من الدلع الاقتصادي ، بينما لبنان ينهار سريعاً . والأسوء هو تنطح من لم يُعرف عنه ألمعية اقتصادية لإعلان رفض التعاون مع صندوق النقد الدولي كمثل نائب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم . فجأة انتقل الرجل من الحديث عن السلاح لينصب نفسه حاكماً اقتصادياً . حتى انه لم يُكلف نفسه عناء تقديم مبررات الرفض . كما لم يطرح بدائل على اللبنانيين . والأرجح انه لم يفعل ذلك معتقداً أن اللبنانيين اقتنعوا بنظرية امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله لجهة الانفتاح على الصين .
بدا قاسم في تصريحه وكأنه يتحدث عن بلدٍ آخر : بلد يعيش فيه ناس لا يعرف حقيقة وجعهم . بلد ما زال يملك ترف الوقت . ما قاله مستخفاً بواقع لبنان وأهله هو جريمة موصوفة . وصدر عن رجل محظور عليه الإنخراط في أي نظام مصرفي . والأنكى أنه يريد إخراج لبنان من النظام المصرفي العالمي . وأكثر ما يبعث على القلق في كلامه أنه قفز فوق كل نداءات "الاستغاثة" التي أطلقها الناس وخبراء وأكاديميون عن وجوب الاستنجاد بصندوق النقد الدولي كحل وحيد أوحد . وهذه الاستغاثة ما كانت لتنطلق لو أنه ومعه حزبه تواضعوا بحدود القدرات اللبنانية ولو لم يغامروا بعلاقات لبنان مع محيطه وعمقه العربي ومع الشرعية الدولية.
ما يعرفه قاسم حق المعرفة انه لا مفر للبنان من دون خطة انقاذية عاجلة سمتها الدقة والعلم ولا شيئاً آخر . ومثل هكذا خطة لن يقدمها إلا صندوق النقد الدولي وحده . وليس من بين اللبنانيين ـ حكاماً ـ من هو قادر على انتشال البلد . فعلى مدى السنوات المتعاقبة لم يكن هناك غير التبديد للموارد والقدرات . ولم نرَ إلا ارتفاع جنوني لمعدلات التوظيف السياسي . ولم نلمس إلا تلزيمات غب الطلب . وأحدٌ لم يسمع بخطة تطويرية . لا بل كانت النكبات تتوالى بفعل السلطة السياسية المسؤولة مسؤولية كاملة عن الانهيار المأساوي .
الآن ، صار لبنان في عنق الزجاجة . وليس أمامه غير السعي ـ حُكاماً ومحكومين ـ إلى استعادة الاستقرار على مستوى الاقتصاد برمته. أما في حال العكس ، فإن ما ينتظرنا هو الكارثة وبالمعنى الحرفي للكلمة .وهذا ما يقوله مواربة حلفاء حزب الله ، وأبرزه ما جاء على لسان النائب آلان عون من أنه "ما تبقى لدينا من عملة صعبة لا يكفي لسداد الدين وتأمين حاجاتنا" .
أول الطريق إلى الحل هو التخلص من الهوس الارتيابي ومن عقدة "المؤامرة" ، فالمجتمع الدولي اشترط الاصلاح لمساعدتنا ولم يطلب الغاءً لأحد ، ولا إطاحةً بنظام أو طبقة سياسية. ببساطة شديدة نحن أمام وضع كارثي سببه تضخم مفرط ، وتآكل للقوة الشرائية مع تراجع لقيمة الليرة . أضف إلى ذلك ، البطالة والفقر والهجرة وفقدان الثقة العارم والواضح اللذين اجتاحا اللبنانيين، وهو ما ظهر بأفقع صوره في ثورة 17 تشرين الأول التي كشفت السلطة وارتكاباتها.
كمال الأسمر – كاتب سياسي