إنّها المرّة الأولى التي يخوض فيها حزب الله الإنتخابات النيابية لا لإيصال مرشحيه الحزبيين وحسب بل أيضاً لتأمين فوز أكبر عدد ممكن من مرشحي حلفائه. وهو ما يطرح سؤالاً عن الأسباب التي تدفع الحزب إلى مثل هذا الإنغماس الإنتخابي لدرجة أنّ خسارة أي حليف من حلفائه ستعدّ خسارة مباشرة له.
في الواقع إنّ معركة الحزب هي للاحتفاظ بالغالبية النيابية وإن أوحى قبلاً بإمكان أن يكون معنياً بالدرجة الاولى بتأمين كامل المقاعد الشيعية، باعتبار أنّه مهما كانت النتائج فهي لن تؤمن فوزاً كاسحاً لخصومه.
بيد أنّ الحزب ما لبث أن أظهر تصميماً على الفوز بالأكثرية البرلمانية بعدما رأى تضعضع خصومه وإمكان إن يعمل في المقابل على توحيد حلفائه. وهو ما بدأه فعلاً وحقّق فيه حتّى الآن مبتغاه وتحديداً في دائرة الشوف.
إنّ الحزب بتصرّف بوصفه عرّاب حلفائه إلى درجة أنّه جعلهم ملحقين به يتصرّفون وفق مشيئته إن لم يكن في كلّ شيء ففي الأمور التي يعتبرها الحزب استراتيجية، وفي مقدمتها الآن الإحتفاظ بالاكثرية البرلمانية كإحدث دليل على النفوذ الإيران في لبنان، ولاسيّما في لحظة تحوّلات إقليمية ودولية كبرى تبدأ من الحرب الروسية في أوكرانيا ولا تنتهي بالتوقيع الوشيك على الإتفاق النووي بين واشنطن وطهران في فيينا.
وضع الحزب إذاً نفسه في الميزان فإذا فاز حلفاؤه بالحصّة اللازمة يكون قد فاز وإذا خسروا يكون قد خسر. وهو لم يكن ليقدم على مثل هذا التحدّي لو لم يكن متاكّداً من الفوز. مع الأخذ في الاعتبار أنّ إجراء الانتخابات حتّى اللحظة ليس حتمياً. فالإنتخابات تحصل لأسباب سياسية كما يمكن تأجيلها لأسباب سياسية، وكلّ ذلك وفقاً لأولويات الحزب المتحكّم بالداخل اللبناني.
ولا شكّ أنّ الحزب هو أكثر الأطراف تسييساً للإنتخابات. أي أنّه ينظر إلى الإنتخابات بوصفها محطّة سياسيّة تمكنّه من تأكيد نفوذه وينطلق منها لمزيد من السيطرة وبسط النفوذ في لبنان. بمعنى أنّ رؤية الحزب للإنتخابات ليست رؤية سلطوية، فهو حاصل على السلطة أصلاً، وإنّما هي رؤية سياسية – استراتيجية تتعلّق بمرحلة ما بعد الإنتخابات بوصفها مرحلة ستنعكس فيها التطورات الدولية والإقليمية على الساحة اللبنانية.
وهذا فارق أساسي بين الحزب وأكثرية خصومه الذين يخوضون الإنتخابات وفق حسابات سلطوية تتعلّق بحصصهم البرلمانية بمعزل عن هوية الأكثرية البرلمانية. وهذا كان سبب أساسي من أسباب إنتاج القانون الإنتخابي المعمول به والذي فرّق خصوم الحزب من دون أن يستطيع أحد جمعهم بينما استطاع الحزب أن يوحّد حلفاءه وإن جرّدهم من أي صدقية سياسية، كحالة التيار الوطني الحرّ الذي كان لأسابيع خلت يهاجم حركة أمل ويطالب الحزب بمراجعة تفاهم مار مخايل، وإذا به يتحالف مع الحركة وتصبح تبايناته مع الحزب كأنّها لم تكن، والحجّة أنّ لا خلط بين الإنتخابات والسياسة. وهذه من عجائب السياسة اللبنانية التي تدنّت بالمعيار العقلاني إلى أدنى مستوى.
فإذا كانت هذه الإنتخابات منصّة للحزب للإنطلاق منها إلى ترتيب المرحلة المقبلة بدءاً من الحكومة وصولاً إلى الإنتخابات الرئاسية، فإنّه من المفترض أن تكون هذه الإنتخابات بالنسبة إلى معارضي الحزب الحقيقيين محطّة أيضاً لا لإحداث تغيير في تركيبة البرلمان ما دام الواقع الانتخابي كما هو، بل لتأكيد استمرارية المواجهة مع الحزب حول رفض تحويل لبنان حديقة خلفية لإيران تستخدمه ساحة ومنطلقاً لتنفيذ أجندتها الإقليمية من دمشق إلى صنعاء.
واقع الحال إنّ الأكثرية بيد حزب الله ليست أكثرية عادية بل أكثرية مدعومة من سلاحه وتؤمن غطاء برلمانياً له في الوقت نفسه. ولذلك فإنّ أي معارضة للحزب لا تستوي إن هي لم ترفض بشكل جذري هذه المعادلة ولو حازت نوعاً من الغطاء الدولي في حال تمّ التوصّل إلى اتفاق بين طهران وواشنطن في فيينا. ولذلك لا مستقبل للسياسة في لبنان خارج رفض هذه المعادلة، وهو رفض يبدأ في الإنتخابات ولا ينتهي بانتهائها!