بين إعفاء محمد علي جعفري من قيادة «الحرس الثوري»، وإنهاء الولايات المتحدة العمل بالإعفاءات التي كانت قد منحتها لثماني دول تستورد النفط والغاز من إيران، وما بينهما من تسريبات صحافية عن احتمال اندلاع حرب إسرائيلية ضد لبنان هذا الصيف، يرفع الطرفان من احتمالات المواجهة المباشرة أو غير المباشرة بينهما، ولم يعد مستبعداً أن يقوم أحدهما بتحديد ساعة الصفر، بعدما دخل الطرفان في مرحلة التهيئة لها، حيث أوكلت طهران المهمة للرجل الذي يتبنى مشروع المواجهة عسكرياً وعقائدياً ويروج له، فيما رفعت واشنطن من قسوة حصارها الاقتصادي مستخدمة سلاح العقوبات وسيلة إلى لَيِّ ذراع طهران بعد قرار تصفير صادراتها النفطية، الذي سبقه بأسابيع قرار وضع «الحرس الثوري» على قائمة الإرهاب الأميركية، إضافة إلى تشديد العقوبات المالية على «حزب الله».
قبل 3 مايو (أيار) المقبل؛ موعد دخول القرار الأميركي حيّز التنفيذ، أجرت طهران تغييرات في رأس هرم «الحرس الثوري» دون المساس بمواقع الأقطاب الذين يشكلون مراكز القوة شبه المستقلة ضمن الهيكلية التنظيمية لـ«الحرس الثوري»؛ وفي مقدمتهم قائد «فيلق القدس» الجنرال قاسم سليماني، وقائد جهاز استخبارات «الحرس» الجنرال حسين طائب... فعلى المستوى الداخلي؛ كان قرار مرشد الجمهورية السيد علي خامنئي بإعفاء قائد «الحرس» الجنرال محمد علي جعفري من منصبه الذي استمر فيه مدة 12 سنة، وتسليم قيادة «الحرس» للجنرال حسين سلامي الذي شغل منصب نائب القائد العام وخدم في أغلب القطاعات العسكرية التابعة لـ«الحرس»، يشكل الانتقال إلى مرحلة أكثر تشدداً يلجأ فيها النظام إلى تحصين الجبهة الداخلية على مستويين:
المستوى الأول داخل هيكلية «الحرس» من خلال تسليمه لأحد رموز التيار الأكثر تشدداً والأكثر انسجاماً مع مواقف القيادة، التي تفضل لغة التصعيد وتعتمد على أسلوب التهديد المباشر في تعاملها مع مَن تعدّهم أعداء الثورة في الداخل والخارج. ومن هنا يأتي اختيار الجنرال حسين سلامي لهذا المنصب، حيث يعدّ الأقرب إلى الجناح الراديكالي داخل تيار المحافظين الذي وجّه اللوم الدائم إلى فريق الرئيس حسن روحاني المفاوض، واتهمه في بعض الأحيان بأنه تجاوز الخطوط الحمر التي وضعتها القيادة أثناء المفاوضات النووية.
ميزت لهجةُ التشدد والتهديد لغةَ سلامي، والتي أتقنها حتى أكثر من الجنرال قاسم سليماني، الذي من النادر أن يطلق تصريحات نارية ولم يقم حتى الآن بانتقاد علني للرئيس روحاني أو لفريقه، حتى إن بعض أوساط التيار المحافظ رأت أن سليماني قد اتبع نهجاً براغماتياً في علاقته مع التيار المعتدل، خصوصاً في مرحلة المفاوضات النووية.
وقد حافظ سليماني على منصبه في هذه المرحلة لسببين؛ الأول لأنه رأس الحربة في مواجهة الولايات المتحدة ومهندس نفوذ إيران الخارجي. والثاني أن سليماني يعدّ الشخصية العسكرية الأكثر شعبية بين جمهور التيار المحافظ ويملك تأثيراً كبيراً وسط النخبة.
أما المستوى الثاني؛ فعلى صعيد النظام يعدّ اختيار سلامي لقيادة «الحرس» استكمالاً لمشروع القيادة وضع الشخصيات الأكثر ثقة وولاء في المواقع الحساسة، وهو استكمال لتعيين السيد إبراهيم رئيسي في موقع رئيس مجلس القضاء الأعلى ونائباً لرئيس مجلس الخبراء؛ الأمر الذي يؤهل رئيسي ليكون أحد أقوى المرشحين لخلافة خامنئي؛ فبوجود رئيسي وسلامي في أقوى المواقع المؤثرة يضمن النظام عملية انتقال سلسة للسلطة بعد المرشد والرئيس، حيث أنظار التيار المحافظ تتجه مجدداً نحو استعادة السيطرة على موقع رئاسة الجمهورية في المرحلة المقبلة، ومن الممكن أن يكون الجنرال محمد علي جعفري أحد أبرز المنافسين، خصوصاً إذا قام «الحرس» بهندسة الانتخابات كما جرى في نسخة انتخاب محمود أحمدي نجاد.
بين نفي الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله ما نقلته صحيفة «الرأي» الكويتية من كلام منسوب إليه يتوقع فيه اندلاع حرب مع الكيان العبري، وتهديد قائد القوات البحرية في «الحرس» بإغلاق مضيق هرمز إذا حرمت إيران من استخدامه، والحديث عن إعادة تموضع روسي في سوريا مرتبطة بأولويات موسكو الإسرائيلية، واستمرار تل أبيب في ضرب أهداف إيرانية في سوريا، ورفض الجامعة العربية في اجتماعها الطارئ أي خطة سلام لا تلتزم بقرارات الشرعية الدولية ومعادلة «الأرض مقابل السلام» ومشروع حل الدولتين، واعتبار الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن «الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ»... يبدو أن المنطقة أمام خيار حرب استباقية باتت الوسيلة الوحيدة للخروج من حالة المراوحة بين اللاحرب واللاسلام، والاتجاه نحو اتخاذ قرار الحسم الذي ينتظر أن يحدد أحد الأطراف فيه موعد ساعة الصفر.
الشرق الاوسط
مصطفى فحص