يأتي ادراج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأميركية النائبين محمد رعد وأمين شرّي ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا، على لائحة العقوبات في إطار سياسة اتخذتها الإدارة الأميركية الجديدة في حربها على ايران وضغوطها لتحجيم نفوذها في المنطقة العربية كما في تحجيم المنظومة المالية التي أنشأتها ايران في العالم منذ انطلاق الثورة الإسلامية في ايران؛ والجديد أن القرار الأميركي الأخير "طالب المجتمع الدولي بإدراج الحزب على قوائم الإرهاب، وأكد أنه يجب عدم التمييز بين جناحيه العسكري والسياسي، كما شدد على أنه يجب على الحكومة اللبنانية قطع اتصالاتها بأعضاء الحزب المدرجين على لائحة العقوبات، لافتاً إلى أن حزب الله يعمل على تقويض الإقتصاد اللبناني".
وكانت الولايات المتحدة فرضت عقوبات على 50 شخصاً وكياناً من الحزب. فقد فرضت في العام الماضي عقوبات على أمين عام الحزب حسن نصرالله، ونائبه نعيم قاسم، وأشخاص على صلة به. كما شملت العقوبات الأميركية وقتها القياديين في الحزب حسين الخليل، وهو المعاون السياسي لنصرالله، وإبراهيم أمين السيد وهاشم صفي الدين. لكن ما يميّز قرار اليوم عن قرار البارحة أنه جاء هذه المرة ليطال شخصيات "حزب اللهية" من داخل المؤسسات الدستورية اللبنانية وهو ما أزعج الحزب وحلفاءه لدرجة استدعت الضغط على الرئاسات الثلاث لإصدار بيانات تنديد بالعقوبات.
ذلك مع العلم أن الولايات المتحدة تردد دائماً على لسان مسؤوليها أنها تدعم الحكومة اللبنانية. ويتمثّل هذا الدعم على سبيل المثال لا الحصر، في دعم وزارة الدفاع الاميركية للجيش اللبناني الذي، وبحسب تقرير الوزارة المذكورة الاخير، استفاد بمبلغ 2,4 مليار دولار منذ العام 2005 عتاداً وتدريباً. وهذه الخطوة الأخيرة لا تتناقض مع تلك السياسة بل تأتي للتوكيد عليها من جهة دعم الشرعية اللبنانية ومحاربة الارهاب التي تقودها الولايات المتحدة منذ العام 2001. وكانت الولايات المتحدة أدرجت في أكتوبر 1997 حزب الله على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية واتهمت أعضاءه بتهديد عملية السلام في الشرق الأوسط.
هذا من الجانب الاميركي، أما من الجانب اللبناني فقد أتت ردود الإدانة ومن أكثر من جهة، رسمية وغير رسمية، لتضع علامات استفهام قد ترتّب على الدولة اللبنانية أعباءً جديدة في علاقاتها مع العالم ومع الولايات المتحدة الأميركية بالتحديد. لقد أصبح واضحاً انه على لبنان أن يتّخذ القرار الصريح بكيفية الفصل بين الدولة ومصالحها وبين حزب الله ومصالحه. إن سياسة النعامة لم تعد تجدي نفعاً إذا ما كان قرار المسؤولين اللبنانيين إنقاذ لبنان فعلاً.
كما أنه لا يمكن الفصل بين قرار وزارة الخزانة الأميركية الأخير وبين سياسة الدعم الدولي الاقتصادي للبنان، حيث أن هذا القرار الاخير يندرج ضمن المطالبات الدولية للدولة اللبنانية بالشفافية والنأي بالنفس من أجل الحصول على المساعدات المطلوبة للخروج من الأزمات الاقتصادية التي يتخبط فيها لبنان في هذه المرحلة. فالشفافية المالية المطالب بها لبنان من خلال مؤتمر CEDRE تندرج ضمناً في هذا الإطار، حيث يجب محاربة الفساد المستشري في الإدارة اللبنانية وحيث حزب الله يشكّل عنصراً أساسياً في حلقة هذا الفساد؛ من سيطرته على المعابر الحدودية إلى المطار الدولي في بيروت والمرفأ، ناهيك عن عمليات التهريب اليومية من سوريا إلى لبنان.
يبقى أن ننتظر ردود الفعل السياسية في لبنان والعالم لتحديد حجم الخسائر التي يمكن للبنان أن يتكبّدها، وباعتقادنا لن يطول هذا الانتظار كثيراً.