»القاتل/القتيل«

»القاتل/القتيل«
السبت 2 أغسطس, 2025

سناء الجاك

مقال رأي -  Skynews عربية

أطل نائب "حزب الله" حسن فضل الله على شاشة محلية لبنانية، غاضبا ومنفعلا ومطالبا الدولة والمؤسسات الأمنية اللبنانية بمحاسبة الذين تسببوا باشتباكات أثناء تشييع علي شبلي، العضو في الحزب، الذي قتله مساء السبت الماضي شخص من عشائر العرب، ثأرا لمقتل أخيه... وإلا "نحن قادرون على اجتثاث هذه الفئة من الناس في 5 دقائق، لكننا نفضل اعتماد طريق الدولة وعليها التصرف، وإلا فلن نستطيع أن نضبط شارعنا".

كلام فضل الله فتح صفحات وسائل التواصل الاجتماعي على ردود تنتقد تقاعس الدولة وعجزها عن إلقاء القبض على "القاتل/القتيل" المحمي من الحزب، قبل عام، ليتابع حياته كالمعتاد، تماما كما غيره من محميين ارتكبوا جرائمهم من دون أي اكتراث بالعقاب المنتظر لأي قاتل في أي دولة.

كذلك تتالت التعليقات على الـ"خمس دقائق لاجتثاث العصابة" مذكرين بكلام مسؤولين إيرانيين يتباهون بقدرتهم على "إزالة إسرائيل عن الخارطة خلال سبع دقائق".

إلا أن المفارقة في الأحداث التي تجاوزت "جريمة الثأر" هي في السعي لتحويلها مشروع فتنة بين السنة والشيعة في لبنان. فقد سارع إعلام المحور الإيراني في لبنان إلى توسيع "البيكار"، ونسج سيناريو غب الطلب على قياس الاستراتيجية المطلوبة في هذه المرحلة الإقليمية، متهما الشيطان الأكبر وشياطينه الأصغر بالتخطيط لهذه الفتنة، ليصنف مرتكبي جريمة الثأر داعشيين عملاء وأدوات تستهدف المقاومة والجنوب اللبناني الصامد.

وحجر هذا السيناريو يصيب عدة عصافير في آن معا. فهو يستثمر الواقعة للتحريض على "أعداء المحور"، ويحاول تهدئة جمهور الحزب بتصويره أن الأمر أكبر بكثير من عملية ثأر "علَّم" أصحابها عليه فيها واخترقوه وأسقطوا منه قتلى وجرحى، ولم يستطع في هذه الواقعة التغلب عليهم وتلقينهم درسا، كما حصل في محطات سابقة كثيرة.

فالحزب وغداة جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وهو يصول ويجول تحت أنظار الدولة والمؤسسات الأمنية، التي يفضل اليوم اعتماد طريقها بعد أن كان ينتهك سيادتها ابتداء من مطار بيروت ومرفأ بيروت وشبكة الاتصالات الخاصة به واحتلاله عاصمة لبنان في السابع من أيار 2008، وتحويل مناطق وجوده إلى جزر أمنية ممنوع على مؤسسات الدولة التدخل بها حتى عندما يقصفها او يفجرها العدو الإسرائيلي. ويتباهى بصواريخه وبانتمائه بالتمويل والعقيدة إلى جمهورية "ولاية الفقيه".

وعندما حسب أن الأمور استوت لصالحه، فضل التظاهر بالبقاء على حياد الملفات الداخلية والتفرج على الأفرقاء السياسيين الذين يخوضون حروبهم الصغيرة ويشعلون الغرائز الطائفية فيما بينهم في سبيل السلطة ضمن خطوطه الحمر، فيدعوهم إلى تحكيم العقل والحوار، ويستدعيهم ليضبط إيقاعهم بما لا يخرب أجندته.

إلا أمس، فقد فلتت الأمور من بين أيديه، وفلت الأمن، وهدرت الدماء على خلفية جريمة الثأر لجريمة بقيت معلقة، تماما كما بقيت معلقة الجرائم الكبيرة والاغتيالات التي استدعت محاكم دولية، وكذلك الجرائم الفردية خدمة للقضية، أو الجرائم العابرة في بيئة الحزب، لتتولى "محاكمه الشرعية" البت بها بمعزل عن القضاء اللبناني والمؤسسات الأمنية، أو ترك الشارع يفلت من الانضباط عندما يتعلق الأمر بالتعرض لقوات اليونيفيل في الجنوب، أو في رد فعل على برنامج تلفزيوني تناول حسن نصر الله كاريكاتوريا.

إلا أمس، فالحزب لم يتحمل أن "تنكسر هيبته" على يد عصابة يؤكد أنه قادر على اجتثاثها في خمس دقائق، لكنه يتعفف تجنبا للفتنة الكونية التي تستهدفه، ليحوِّل جريمة الثأر التي لم تعالج أسبابها الدولة القاصرة في حينه إلى مؤامرة لا تختلف عن اغتيال قاسم سليماني أو عماد مغنية أو مصطفى بدر الدين أو محسن فخري زادة في طهران، أو.. أو.. وليس أقل.

وفي الأمر حسابات كثيرة تتعلق بدور الحزب في المحور الإيراني. فهو عندما ينكسر في لبنان تهتز أركانه في الإقليم. وإذا ما تكرر الاهتزاز، سواء في بيئته، أو في البيئات اللبنانية الأخرى، حينها يترهل كما ترهل غيره من الأحزاب والميليشيات المنبوذة خلال الحرب الأهلية.

ولا تزال ماثلة في التاريخ تجربة منظمة التحرير الفلسطينية التي أصابتها حرب لبنان باهتراء مهَّد لخروجها إلى تونس، ومن ثم انخراطها في عملية مدريد ومن بعدها اتفاق أوسلو.

وكأن التاريخ يعيد نفسه. الحزب داخل بيئته مأزوم بسبب الانهيار الاقتصادي، ويصبح وضعه مأزوما أكثر عندما تصبح قوته الخارقة موضع تساؤل بفعل جريمة ثأر، لأنها تؤثر مباشرة على المعادلات السياسية الداخلية التي يمسك خيوطها ويحركها كما تقتضي وظيفته المحلية والإقليمية خدمة للمشروع الإيراني المأزوم أصلا.

وحينها، قد يخسر رأس المحور أوراقا لا يستهان بها للضغط خلال المفاوضات. بالتالي سوف يبحث عن البديل، خدمة لمصلحته التي قضت بأن ينشئ هذا الذراع الذي فرَّخ أذرعا في سوريا والعراق واليمن، وحاول التسلل الى الدول الخليجية بخلايا إرهابية بإشراف الحزب وتدريبه.

هذه المصلحة تبقى فوق الأذرع التي يمكن التضحية بها على مذبح المشروع، فيتحول "القاتل قتيلا" ليس فقط بسبب جريمة ثأر ولكن بسبب استراتيجيات جديدة لزوم المرحلة.