بعدما توقف لبنان عن دفع حصته في تمويل المحكمة الدولية الخاصة واثر مرور ذكرى الحرب الأهلية وعدم محاكمة أياً من المرتكبين ينشر مركز اللبناني للبحوث والدراسات Politica مقالة كان كتبها الدكتور محمد عبد الحميد بيضون تتعلق بأهمية انضمام لبنان إلى المحكمة الجنائية الدولية.
البارحة مرت الذكرى الحادية والأربعون للحرب الأهلية اللبنانية من دون أن تحصل ولو صحوة ضمير على المستوى الرسمي، أو على المستوى السياسي، للقيام بمبادرات تدين مجرمي الحرب وأمراء الحرب كأساسٍ لإظهار قليلٍ من التضامن والتعاطف مع ضحايا هذه الحرب. الدولة ومؤسساتها لا تعير أدنى اهتمام: لا نصب تذكاري، لا اهتمام بعائلات الضحايا أو بالذين تعرضوا لإعاقات دائمة، والتستر على مصير عشرات آلاف المخطوفين والمفقودين. لم يتم تخصيص ولو يوم مدرسي أو حتى ساعة دراسية في المدارس أو الجامعات لإدانة جرائم الحرب، ولترميم الضمير الوطني وزرع السلام في القلوب والعقول.
صورة لبنان ودولته وطبقته السياسية كانت البارحة غير بعيدة عن المدنية وحسب بل بعيدة عن الإنسانية. والسبب بسيط، وهو أن أمراء الحرب ما زالوا يمسكون، بقوة السلاح وبقوة العصبيات المذهبية القاتلة، بكل مفاصل الدولة ومؤسساتها، ويمعنون في تفتيتها وشرذمتها، ويحوّلون البلد بكامله إلى مرتع وملعب للأخوين التوأمين "السلاح والفساد".
الشرط الأساسي لتحرير لبنان من الحرب وإعادة ترميم النسيج اللبناني هو محاسبة مجرمي الحرب والذين ارتكبوا كل أنواع الجرائم، بما فيها جرائم ضد الإنسانية وجرائم الاغتيال والتفجير وتدمير المدن والبلدات، والتهجير الجماعي والقصف العشوائي على المدنيين. مجرمو الحرب هؤلاء ارتكبوا بحق لبنان ممارسات تفوق في بشاعتها جرائم العدوان الإسرائيلي، وأعطوا لإسرائيل شهادات "حسن سلوك".
المهم اليوم إعلاء مبدأ المحاسبة، والنقطة الأولى هي انضمام لبنان إلى معاهدة المحكمة الجنائية الدولية، هذه المحكمة صارت تضم حتى الآن أكثر من مئة وعشرين دولة. والسنة الماضية اعتبر الفلسطينيون أنهم حققوا انتصاراً كبيراً بانضمامهم إليها. وعلى الرغم من ذلك لا نرى أي تحرك سياسي أو شعبي للضغط على مجلس النواب لإقرار هذه المعاهدة، مع أنها معروضة على هذا المجلس منذ أربع عشرة سنة. هذه المعاهدة صارت من أساسيات القانون الدولي لحماية الشعوب والبلدان من كوارث الحروب ومجرمي الحروب. والقانون الدولي هو الطريق الأول لحماية لبنان ودولته، ولترميم النسيج اللبناني.
إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تخاف مفاعيل المحكمة الجنائية الدولية... وكذلك أمراء الحرب اللبنانيون.
14 نيسان 2016
محمد عبد الحميد بيضون