الحديث عن القطاع المصرفي اللبناني صار نوعاً من التندر عن ماضٍ يستحيل أن يعود في القريب الراهن في ظل المعطيات السياسية أولاً والإقتصادية ثانياً. وإعادة بناء الثقة بهذا القطاع صارت من الصعوبة بمكان. وأن تنتهي الثقة بهذا القطاع فهذا يعني نهاية المصارف اللبنانية. هذا الواقع الرهيب يستدعي تبصراً بالجهة أو الجهات المستفيدة من هذا الإنهيار المروع الذي صاحب انهيارات كثيرة وفي كل القطاعات. لكنه يبقى الأهم لكون هذا القطاع هو حاضن القطاع الخاص ومموله. فالقطاع المصرفي، بما له وما عليه، يبقى أنه موًل القطاع الخاص بكتلة نقدية بلغت 55 مليار دولار عام 2018.
معاينة نتائج الإنهيار في هذا القطاع تحسم بوجهة وحيدة نحو مُستفيديَن إثنين هما: حزب الله وإسرائيل. وهذا لا يعني بحال من الأحوال إتهاماً لهذين الخصمين بأنهما تعاونا. لكن لكل طرف منهما أسبابه الخاصة والمصلحية لحصول هذا الإنهيار والإستفادة من نتائجه. فحزب الله يريد ذلك في سياق إستراتيجيته لتحقيق مشروعه المذهبي العميق وطبيعته الثأرية من سياقات تاريخية كانت فيها الجهة التي يمثلها وبإرادتها ـ منذ مؤتمر وادي الحجير ـ خارج الدولة اللبنانية وعليها، وزادت من مغامراتها مع المشروع الإيراني ونظام الملالي.
لقد حقق حزب الله نتائج لافتة في إحكامه بالإمساك على أعنة النظام السياسي برمته عبر محطات عسكرية وأمنية بدلت مسارات لبنان وحتى هويته وعلاقاته مع محيطه العربي. وتغلغل في القطاعات كلها وصار ذا وزن يشكل أرجحية في بلورة قرارات وسياسات في القطاعين العام والخاص. لكن ما شكل استعصاءً عليه كان القطاع المصرفي الذي التزم معايير الشفافية العالمية التي حالت دون دخول منظومة هذا الحزب إليه.
عليه، شن هذا الحزب هناك هجمات منظمة ومبرمجة ضد القطاع المصرفي في لبنان بشقيه: مصرف لبنان والمصارف التجارية بهدف تحميلهما مسؤولية التدهور، وإبعاد الشبهات عنه وعن منظومته السياسية التي تمسك بالسلطة في لبنان، خصوصا منذ نجاحه في فرض رئيس الجمهورية الذي يريد عام 2016 وما تبع ذلك من قانون للإنتخاب سمح له بوضع يده للمرة الأولى على الأكثرية في مجلس النواب.
لذلك فإن الحملات المتلاحقة التي يتعرض لها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف كانت ترجمة دقيقة لمخطط مُحكم وضعه حزب الله بهدف تدمير الاقتصاد اللبناني تمهيدا لتغيير هوية لبنان ووجهه الإقتصادي الحر، استكمالاً لمشروع إلحاق لبنان بالمشروع الإيراني من خلال تغيير هويته السياسية والحضارية والثقافية كجزءٍ أساسي من العالم العربي على المستوى الإقليمي وجزء من العالم الحر على المستوى الدولي.
وهذا التغيير في هوية لبنان وعلى كل المستويات عموماً والقطاع المصرفي والطبيعة الحرة للنظام الإقتصادي خصوصاً لا يفيد أحداً بقدر ما يفيد إسرائيل التي دخلت بقوة ومتانة على خط نظام المصلحة العربية الإقتصادية والتجارية والتكنولوجيا. فبالنسبة لإسرائيل فإن لبنان يشكل منافساً جدياً وحقيقياً في مجالات التجارة والخدمات والسياحة والنظام المصرفي الذي هو عملياً شريك مستتر في كل هذه القطاعات. وإنهيار النظام المصرفي متبوعاً بانفجار المرفأ وفر فرصة استثنائية لتل أبيب لتكون بديلاً عن بيروت وأدوارها في عالم الاقتصاد.
هكذا أصبح المشترك بين حزب الله وإسرائيل هو تدمير النظام المصرفي اللبناني، وإلى غير رجعة.