*هذه الثورة طويلة الأمد وعميقة التعقيد وأصبحت سلطة رديفة
*الثورة ستخسر اذا خسرت سلميتها
*لا نريد أن يجر أحد الثورة الى لعبة الدم والعنف
*من قطع الطرق وأحرق الدواليب ليلة 17 تشرين الأول/ اكتوبر هم أتباع التيار الوطني الحر وحزب الله وأمل
*قد نذهب الى حكومة يشكلها حزب الله والتيار الوطني الحر
يعتبر النائب السابق الدكتور فارس سعيد ان هذه الثورة ستكون طويلة الأمد وعميقة التعقيد وانها أصبحت سلطة رديفة لها وقعها وصوتها وتأثيرها. ويؤكد بدوره ان هذه الثورة لن تصل الى حدود الحرب الأهلية الا اذا خسرت سلميتها وهذا سيكون لصالح من في السلطة، ويرى بأن هذه الثورة هي ثورة تصحيحية لـ 14 آذار/ مارس.
اما فيما يتعلق بتشكيل الحكومة، فيرى سعيد انه قد يتم اللجوء الى تشكيل حكومة من حزب الله والتيار الوطني الحر وهذا ما لن يقبله الشارع.
هذه المواضيع وسواها تحدث عنها سعيد في هذا الحوار:
#كيف تقرأ ما يحصل في الشارع اللبناني من ثورة او حراك او انتفاضة؟
-لتحديد التوصيف فإن ما يحصل هو ثورة بكل ما للكلمة من معنى.
وهي أولاً: ثورة على مقايضة قام بها اللبنانيون مع النظام الحاكم في لبنان وبأنهم يضعون جانباً كل الأمور الخلافية السلاح، النظام الطائفي، الفساد، سوء الادارة التردي في الحياة اليومية مقابل ان تقدم لهم السلطة الماء، الكهرباء، المدرسة والجامعة.
ما على الناس سددوه في انتخابات 2018 وضعوا جانباً الأمور الخلافية مثل موضوع السلاح وذهبوا الى انتاج ادارات سياسية طائفية في كل طائفة تتساكن مع بعضها من اجل انتاج سلطة معينة. هذه السلطة لم تحقق ما عليها أي لم تؤمن للفرد ما يتطلبه في العيش بحياة طبيعية.
ثانياً: انها ثورة لأن الجيل الذي يثور هو جيل الهواتف الذكية وجيل تجاوز الطائفية وجيل العبور من منطقة الى أخرى. هو جيل مصالحة النبطية مع جل الديب مع بعلبك الهرمل. هذا الجيل أسقط كل المقولات التي كانت تتركز عليها الحياة الوطنية.
ثالثاً: غاب مفهوم الرئيس القوي، حققت هذه الثورة أهدافاً عديدة والهدف الأول انها أسقطت الحكومة في الشارع والهدف الثاني انها أقفلت مجلس النواب والهدف الثالث انها أربكت حزب الله والهدف الرابع انها انتزعت شرعية دولية ليأتي اليوم الموفد الفرنسي الى لبنان للقاء الرؤساء الثلاثة وسيلتقي ايضاً هذه الثورة ورموزها وبالتالي فإنها انتصرت من خلال انتزاع شرعية دولية لها واعتراف العالم بها.
كما انها حققت أهدافاً داخلية بمعنى ان صورة الرئيس القوي الذي هو وسيط بين طائفته والجمهورية اللبنانية سقطت. اليوم يتكلم الشارع عن الدولة القوية وسقط مفهوم حقوق الطوائف من مسلمين ومسيحيين. ويتكلم الناس اليوم بحقوق المواطنين. سقطت مقولة بأن هناك قبائل طائفية تتساكن مع بعضها البعض. بعد ان ظهر بشكل واضح ما يجري في طرابلس وما يجري في النبطية وكفر رمان وبعلبك وفي المناطق المسيحية، بأن كل الجدران التي بنيت من قبل بعض الأطراف السياسية، وخصوصاً الأحزاب الطائفية التي حاولت ان تزرع الخوف داخل الطائف وان تقدم نفسها حامياً لهذه الطائفة. هذا الوضع سقط.
انها ثورة ومن يريد ان يختزل بعدها فقط بالوضع المعيشي او الاعتراضي او الشبابي فهو لا يريد ان يرى الحقيقة. هذه الثورة فتحت المجال لطرح كل المشاكل في لبنان وانها طويلة الأمد وعميقة التعقيد وبالتالي اعتقد انها ثورة.
#هل ستمتد هذه الثورة لسنوات؟
-نعم ستمتد لسنوات، بعدها ليس كما قبلها سيطرح النظام الطائفي والدستور اللبناني والعلاقات العربية وسلاح حزب الله وموضوع النفط وموضوع الاشكالية مع اسرائيل.. كل هذه المسائل ستطرح، من يظن ان هذه الثورة تنتهي من خلال تدبير تأخذه السلطة من خلال تشكيل حكومة، أو عدم تشكيل حكومة يترأسها سعد الحريري او لا يترأسها هو خاطىء.
هذه الثورة تجاوزت كل هذه الأمور. وكل ما أعطينا لها شيئاً ستطلب شيئاً أكثر.
في العام 1975 لم يظن من كانوا في السلطة بأن الحركة الوطنية واليسار ومنظمة التحرير ستقوم بعملية انقلاب على هذه السلطة، حاول الرئيس سليمان فرنجية آنذاك ان يقدم ورقة اصلاحات دستورية في شباط/ فبراير 1976 ظناً منه انه اذا اعترف بأن النظام يجب ان ندخل اليه بعض التعديلات الدستورية ستنتهي الثورة ويعود الجميع الى منازلهم وستزور قيادة هذه الثورة قصر بعبدا للقول للرئيس فرنجية انه رجل اصلاح وانه أنقذ لبنان.
عندما قدم الورقة الدستورية زادت المطالب في بيروت وقدموا ورقة مقابلة اسمها برنامج مرحلي للحركة الوطنية ودامت الثورة 15 عاماً. التاريخ لا يعيد نفسه وأنا لا أبشر بثورة دموية في لبنان ولكن أريد ان أقول ان ما يجري هو ثورة.
#هل نحن أمام ربيع لبنان؟
-نحن امام تغيير جذري في لبنان.
#يشبه الربيع العربي؟
-علينا ان ننظر اليه بعين الأمل وليس بعين القلق، بأن الشباب الثائر هم أولادنا تصالحوا مجدداً مع فكرة لبنان. يدبكون، يرقصون ويقدمون لوحات للحياة ويخاطبون المستقبل. وعلينا ان نضع كل الخبرة التي هي بين يدينا من أجل حماية هذه الثورة واعطائها كل العناصر لانجاحها.
#هناك من لا يستبشر خيراً بهذا الحراك ويعتبره مقدمة لحرب أهلية. ما رأيك؟
-اعتقد بأن كل تغيير هو شيء جديد وتخسر هذه الثورة اذا خسرت سلميتها وتربح السلطة اذا أخذت هذه الثورة باتجاه العنف. اذا تفحصنا ما جرى في سورية عندما كانت الثورة هناك سلمية كانت تحظى بتعاطف العالم كله وعندما انتقلت من ثورة سلمية الى دموية ومسلحة بين حرية الشعب السوري وأمن اوروبا اختار العالم الأمن ولم يختر حرية الشعب السوري.
لا نريد ان يجر احد الثورة الى لعبة الدم والعنف حيث ستخسر محورها في الداخل اللبناني ودوائر القرار العربية والخارجية.
وأريد ان أنوه بموقف الجيش اللبناني والقوى الأمنية التي تعاملت مع هذه الثورة حتى هذه اللحظة بكثير من الدراية والحكمة حتى لا تتحول من ثورة سلمية الى ثورة عنفية.
#هل هناك رعاية خارجية لها او مظلة ما من شعارات وما شابه؟
-انا برأيي هذا كلام مفهوم في السياسة ولكنه مغلوط. مفهوم ممن يريد ان يسوق بأنها ثورة مركبة ومفتعلة وممولة وبأنها تخدم أهدافاً، وقد قالها الامام خامنئي منذ شهر عندما رأى ان الثورة في بيروت والعراق هي مؤامرة اميركية على النفوذ الايراني في المنطقة وقالها أمس السيد حسن نصرالله بشكل مختلف بعد ان قالها قبل بشكل بأنها مؤامرة اميركية وبأن هناك تمويلاً للثورة. قال بالأمس اننا نخضع لعقوبات اميركية بسبب سلاحه وعلينا ان ننتفض ضد المظلومية الاميركية والاوروبية واذا لم ننتفض فهو بمنأى عما يحصل لأن ماليته مستقلة عن مالية الدولة، اما الدولة اللبنانية فلتذهب الى الصين.
اعتقد ان هذه السردية ليست صحيحة ولا تمثل او تعبر عن حقيقة الوضع.
اذا تكلمنا عن تسلسل أحداث فإن السيد نصرالله اجتمع بالوزير جبران باسيل لمدة 6 ساعات وأعلن عن هكذا اجتماع. الاعلان عنه وبأن مدة الاجتماع كانت 6 ساعات هي لبعث رسالة الى الرأي العام اللبناني بأن هناك قرارات كبيرة اتخذت بين الرجلين بعدما ظهر باسيل في الحديث قائلاً بأنه سيقلب الطاولة. ثالث مرحلة كانت بالحديث عن فرض 6 دولار على ((الواتس آب)).
في هذه الليلة من قطع الطرق وأحرق الدواليب في كل مناطق لبنان في طلعة يسوع الملك وجبيل والحدث والجديدة والذوق هم التيار الوطني الحر وبعض شباب أمل وحزب الله. بعدها أي ابتداء من 18 و19 عندما خرج اللبنانيون بتظاهرات عفوية تجاوزوا هذه المؤامرة التي كانت مدبرة وأصبحت اليوم الثورة ليست بيد أحد انما بيد اللبنانيين وأثبتت انها تحولت الى سلطة رديفة يزورها الفرنسي وتؤخذ بعين الاعتبار. وعلى اي حكومة جديدة ان تأخذ الثقة مرتين مرة داخل مجلس النواب ومرة داخل ساحة الشهداء. اصبحت هذه الثورة سلطة فعلية موجودة في البلد وهذا هو النجاح الحقيقي وفي الوقت نفسه يشكل خطورة لأن هذه السلطة الرديفة هي سلطة شعبية أهلية وهي سلطة قد يستثمر فيها الجميع.
#لماذا تحركت هذه الثورة مع العلم انها على الحال نفسه منذ ثلاثين عاماً ولكن تحت عناوين مختلفة؟
-طفح الكيل وأتصور ان هناك مناخاً عاماً في المنطقة. شجاعة العراق أثرت والخرطوم أثر والجزائر ايضاً. ايضاًَ تعلم الجيل الجديد من الجيل الجديد وتعلموا ان تجربة سورية كانت فاشلة لأنها ذهبت باتجاه العنف والتسلح والتسليح ووضع العنف بوجه العنف. هذه الثورة مثل الثورات الأخرى على مساحة العالم العربي هي سلمية ولبنانية اذا حافظت على سلميتها ستسلم ويسلم معها لبنان.
#الى أي مدى هذه الثورة تحقق تطلعات او فكر 14 آذار/ مارس وتشبهها؟
-في بداياتها كثيراً وفي رموزها وشكلها. لكن لسوء الحظ كبيرهم عملهم السحر، حزب الله بعد 2005 قام بعملية انتفاضة مضادة اذ اقنع الطوائف ان العودة الى الحدود الطائفية أفضل من الوحدة الداخلية. هذه الثورة هي ثورة تصحيحية لـ 14 آذار/ مارس وهي تقول للبنانيين ان وحدتكم أقوى من وحدة الطوائف. وأكبر دليل ان وحدة اللبنانيين عام 2005 أخرجت السوري من لبنان ووحدة 2019 حققت انجازات سريعة.
#هل نحن أمام حكومة تكنوقراط أم تكنو-سياسية في ظل تمسك الحريري بتشكيل حكومة تكنوقراط بعيداً عن حزب الله والتيار الوطني الحر وبالتالي يدور الحديث انه قد يتم تكليف شخصية اخرى بتشكيل الحكومة؟
-مفهوم ماذا يريد الرئيس الحريري عندما يقول تكنوقراط يعني من دون حزب الله والتيار الوطني الحر. وحزب الله لا يقبل بحكومة لا يتمثل فيها وبالتالي نحن امام وضع مستحيل. قد نذهب باتجاه حكومة يشكلها حزب الله والتيار الوطني الحر وحلفاؤهم في كل المناطق. والأسماء المتداولة تبدأ بوليد سكرية ولا تنتهي بنواف سلام. المروحة واسعة بهذا الاتجاه.
أرجح ان الرئيس عون سيدعو الى استشارات نيابية هذا الاسبوع.
#وهذه الحكومة هل ستكون تكنو-سياسية؟
-عليها ان تسلك طريق البوكمال حتى تصل الى الصين. يبدو ان السيد أقفل وجهة البحر الابيض المتوسط تجاه الغرب وقال ان هذا الغرب عدو لأنه يفرض علينا عقوبات ويدعم اسرائيل والخليج ولا يأخذ بعين الاعتبار النضال والمقاومة للتيارات الممانعة. وبالتالي علينا ان نلحق بما يسمى اقتصاد المقاومة ومستشفى المقاومة وجامعة المقاومة ومدرسة المقاومة وسلطة المقاومة. هذا ما يريده الحزب وقاله بالفم الملآن البارحة. أمس تكلم بشكل واضح لكن بطريقة سلسة.
#هل الشارع يمكن ان يقبل بهذه الحكومة؟
-لا، لذلك أقول ان هذه الثورة طويلة الأمد.
#سيتم التمسك بالوزير باسيل لآخر نفس؟
-يمثل جبران باسيل رمزاً من الرموز. هذه السلطة ارتكزت على فكرة ان يقوم ببناء الدولة حول صداقة حزب الله، باسيل يمثل رمزاً من رموز الصداقة السياسية. التخلي عنه هو اشارة من قبل الحزب انهم يتخلون عمن يمشي معهم ولا اعتقد ان هناك تخلياً عنه. ربما اذا خرج سعد الحريري من السلطة يخرج باسيل من السلطة، اما ان يكون الحريري في السلطة وباسيل خارج السلطة وحزب الله ايضاً خارج السلطة لا اعتقد ان هذا الأمر سيحصل.
#ما رأيك بالوضع الأمني، بالأمس السيد حسن نصرالله اعتبر ان لبنان أكثر أمناً من اي ولاية في اميركا؟
-كل حاكم يريد ان يطمئن المجتمع ان الأمن مستتب ولكنه يدرك ان هذا الكلام غير صحيح وانه مستعد للذهاب الى حدود العنف من أجل الامساك بالوضع الداخلي في لبنان وارباك اي انقلاب شعبي وسياسي على المنظومة التي قادها والتي بناها في لبنان. لذلك نحن في خطورة أمنية واعتقد انه سيقوم بكل ما لديه من قوة من أجل انتقال هذه الثورة من سلميتها الى ثورة عنفية وعندها يربح هو ونخسر نحن.
#بالعودة الى الوضع الاقتصادي هل يمكن ان يصل لبنان الى مرحلة الافلاس؟
-اصبحنا في مرحلة الافلاس بدليل ان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أعلن عن هذا الافلاس في مؤتمره الصحافي ولكن أسجل للرجل انه كان له الجرأة بالقول ان الأزمة في السياسة وليست في سوء الادارة.
#ما رأيك بإقرار قانون العفو العام؟
-ليس بتوقيته. استرضاء المخالفين للقانون في الوقت الذي يطالب فيه مليون لبناني بتنفيذ القانون فيه شيء من الجنون. يريدون ان يسترضوا تجار المخدرات والارعاب هذا يدل على ان الرئيس بري ومن حوله لم يلمسوا ما تعنيه هذه الثورة بأبعادها. يظنون ان المسألة هي Business as usual.
#دافعت عن الوزير السابق شربل نحاس في الكلام الذي سرب عنه حول كلامه المسيء عن الشيعة وأهل الجنوب، في الوقت الذي انتقده الكثير من اللبنانيين. لماذا؟
-شربل نحاس تكلم عن موضوع سلاح حزب الله وتم انتقاده لأنه تكلم عن هذا الموضوع وبمكان ما أجبر نفسه على التراجع عن كلامه لأنه قدر ان ملامسة هذا العنوان قد يعرضه لخطر ما. لذلك تكلمت عنه وقلت ان من يتعرض له يتحمل مسؤولية هذا الوضع.
انا أعرف الرجل جيداً ولست من مدرسته السياسية ولكني احترم استقامته وشجاعته وما قاله في موضوع الحزب لا يستحق هذه الحملة، وتراجعه أكد ان في هذا البلد هناك أناس لا يسمحون لأناس بأن يتجاوزوا حدوداً معينة وهو لا يريد ان يعرض نفسه للبهدلة فاضطر ان يعتذر.
حوار: فاطمة فصاعي
مجلة الشراع 15 تشرين الثاني 2019 العدد 1925