الحدث السياسي الاستثنائي والمفصلي في الراهن اللبناني هو اطلاق الكنيسة على لسان البطريرك مار بشارة بطرس الراعي ما يمكن تسميته "الشرعة البطريركية" او "ميثاق الكنيسة" لانقاذ لبنان، بعد ان قادته الطبقة السياسية والميليشيات التابعة لايران الى جهنم حقيقية؛ حيث انهار الاقتصاد والعملة الوطنية وتبخرت الرواتب والمدخرات وارتفع مستوى الفقر الى مستويات لم يشهدها اي بلد آخر، ومع ذلك تستمر الطبقة السياسية في صراعاتها على الحصص والمنافع الشخصية كما تستمر عائقاً ومانعاً لأي حل انقاذي اضافة الى تماديها في عزل لبنان عن محيطه العربي والدولي وافساح المجال امام الغطرسة والتبجج الايراني الذي يكرر سيطرته على اربع دول عربية اولها لبنان، حيث السيطرة كاملة وتحول البلد كله الى قاعدة ايرانية على المتوسط.
لقد جاءت كلمة البطريرك والتضامن والتأييد من كل الاوساط اللبنانية والدولية لها لتضع اساسات صلبة لانقاذ لبنان من خلال مؤتمر دولي مهمته الاساسية منع تذويب الكيان والحدود واستعادة السيادة والاستقلال، اي استعادة الدولة من الارتهان ومنع العبث والخروقات لميثاق العيش المشترك والدستور واعتبار ان ميثاق العيش المشترك يرتكز على تكريس حياد لبنان وتكريس انتمائه وهويته العربية وتضامنه مع العالم العربي ضد كل ما يهدد دوله من مخاطر الاطماع والاوهام الاقليمية.
واضح جداً ان المبادرات البطريركية أمنت الجانب السياسي او البرنامج السياسي لمبادرة الانقاذ الاقتصادي – المالي التي طرحها الرئيس الفرنسي ويحشد لها التأييد العربي والدولي. هذا البرنامج السياسي هو الضمانة للنجاح في عملية الانقاذ الاقتصادي والمؤسساتي ومنع البلد من الانهيار والحفاظ على الشعب اللبناني من ارتفاع معدلات الهجرة وخاصة هجرة الكفاءات والطبقة الوسطى ليس فقط من البيئة المسيحية التي تتعرض لآلام الافقار والجوع ومخاطر الميليشيات الايرانية على مستقبل البلد وابنائه.
لدى لبنان اليوم فرصة هامة وقد تكون الاخيرة حيث يتكامل الطرح السياسي للكنيسة المارونية مع الطرح الفرنسي بالاصلاحات الهيكلية والمؤسسية للدولة والاقتصاد وحيث طريق قيامة البلد تبدو جلية وواضحة وتقوم على تطبيق هذا البرنامج – الفرصة بشقيه، وبالتحديد استعادة الدولة من الميليشيات واسقاط المحاصصة برموزه التي قادت البلد الى اكبر واعمق الازمات.
إن "الشرعة البطريركية" التي اطلقها البطريرك الراعي السبت الماضي والتفاف اللبنانيين حولها تمثل النقيض الفعلي للعونية السياسية التي راهنت وارتهنت من اجل المصالح الخاصة على الميليشيات والسلاح الايراني تحت عناوين "تحالف الاقليات" و"استعادة الحقوق". فالعونية السياسية متحالفة مع ثنائي الميليشيات والوصاية الايرانية التي جلبت على البلد كل انواع الويلات وأفقدت الثقة التي جعلت تجربتها في الرئاسة من اسوأ ما تعرض له لبنان من تعطيل لحياته السياسية ووضع اليد على مؤسساته بدءاً من القضاء اضافة الى تبنيه لما تمثله الميليشيات وسلاحها من نقيض للعيش المشترك ومن زرع لبذور الفتن والحروب الاهلية.
ان كلمة البطريرك ومشروع الكنيسة يمثل ادانة لكل الطبقة السياسية ودعوة واضحة وصريحة للرئاسات للاستقالة او التنحي بعد ان عجزت هذه الرئاسات مع كتلها النيابية عن فهم حاجات الشعب اللبناني وعن التجاوب مع متطلبات الارادة اللبنانية بل ان هذه الرئاسات تعاملت وتتعامل مع الشعب اللبناني كعدو لها وبالاخص قبلت بتعطيل النظام الديموقراطي وكل آلياته لأجل فرض ارادة الميليشيات واسقاط الدستور.
لهذا كله فإن انضمام الكنيسة وعلى رأسها البطريرك الراعي الى صفوف المعارضة والانتفاضة يمثل املاً كبيراً كونه يعطي زخماً كبيراً لبرنامجها ويؤمن القدرة على توحيد قيادتها. ان انهيار الطبقة الوسطى وانتشار وباء كورونا لا يجب ان يتحول الى فرصة لرموز الطبقة الحاكمة وسلاحها الحامي للفساد والجريمة بل يجب الانطلاق بزخم جديد يعيد للشعب اللبناني جوهر ثورته: انهاء السلاح غير الشرعي والمحاسبة عن كل جرائم الطاقم الحاكم.