بعد ما عاد سعد الحريري، رئيس الحكومة اللبنانية، إلى بيروت، عقد مؤتمراً صحفياً للإجابة على التساؤلات، بشأن موقفه من هجمات الأمين العام لـ«حزب الله» ووزير الخارجية، جبران باسيل عليه. ومع أنّ ردة الفعل الأكبر في غياب الحريري، كانت على باسيل، فالواضح أنّ ما قاله نصر الله ضد الحريري وتمثيله للبنان في القمة العربية، كان الأفظع. الحريري قال في مؤتمره الصحفي: إنه يمثل لبنان دستورياً، وإنّ لبنان بلد عربي، ومن مؤسسي الجامعة العربية، ويلتزم دائماً بالإجماع العربي، ولا يقبل الانتماء إلى محورٍ آخر إقليمي أو دولي.
كان خطاب نصر الله، الذي ردّ الحريري علي هذه الجزئية فيه، مليئاً بالهجوم على المملكة. والواضح أنّ هناك توزيعاً للتكليفات من جانب الإيرانيين. فنصرالله هو الذي يقود الحملة على المملكة ودولة الإمارات، ومن يعتبرهم من أنصارهما، والميليشيات العراقية تعود للضغط على السنة هناك، وإلى التحشد على الحدود السعودية، وإلى الضغط على الحكومة العراقية ليظلَّ موقفها منحازاً لإيران، أما الحوثيون فيضربون الجوار اليمني بشتى الوسائل!
ويوم الخميس 13/6 هوجمت سفينتان في بحر عُمان، أي ضد الملاحة الدولية. وبذلك تحقق مجدداً ما كانت المملكة ودولة الإمارات قد حذرتا منه مراراً، وهو التهديد الخطير للملاحة الدولية في بحر عُمان وباب المندب والمحيط الهندي. وهو أمر أشار إليه نصرالله مراراً في خطاباته الهائجة.
لا يتورع الإيرانيون وحرسهم الثوري والميليشيات التابعة لهم عن القيام بأي شيء يعتبرون أنه يخدم صراعهم مع الولايات المتحدة والعرب.
لقد صار الصراع بين العرب والنظام الإيراني شاملاً. وحتى الآن فإنّ منصّات الإيرانيين في لبنان وسوريا والعراق واليمن، هي التي تتصدى لاستهداف العرب وتخترق إدارات الدول، وتنشر الفتنة الطائفية، وتجاهر باستهداف البلدان العربية، وتصرح باتباع أوامر الولي الفقيه. وما دام الأمر كذلك، فعلى كل دولة أو جهة سياسية في بلدان الاختراق أن تقوم بواجب الدفاع عن أمنها وسيادتها، وعن أمن العرب جميعاً الذين ترمي إيران إلى تفشيل دولهم وتمزيق مجتمعاتهم.
الحريري كان دائماً يعلن خشيته على التسوية التي أجراها مع الرئيس عون و«حزب الله»، لكنه في كلمته الأخيرة قال إن لبنان عربي، ولديه التزامات تجاه الإجماع العربي والأمن العربي. ولذا فنحن ننتظر أن يكون له موقفٌ واضحٌ من الهجوم على مطار أبها، موقفٌ أبعد من استيلاء الحزب على مرافق الدولة، والتي يجري منها استقبال الإيرانيين وسلاحهم، ويجري منها تصدير السلاح والخبراء والعسكر إلى سوريا واليمن وجهات أُخرى عديدة. وسيقول كثيرون: لكنْ ما بوسعه أن يفعل وقد فات الأوان، وأُحكمت السيطرة؟ يستطيع الحريري وحلفاؤه أن يكون لهم موقفٌ واضحٌ من سلاح الحزب ودويلته وتصرفاته.
وإن كان هذا واجباً على الحريري ورفاقه، فهو واجبٌ كذلك على الفريق السياسي المعارض للتسوية، حتى وإن قال بعضهم إنهم ضعفاء وغير فاعلين أيضاً. بالطبع ليس بالوسع مطالبة باسيل وفريقه لا بالاستنكار ولا بالحفاظ على السيادة أو المطالبة بذلك. وهذا الأمر مطلوبٌ كذلك من السياسيين اللبنانيين الأحرار أو الذين بقيت لديهم بقية من حرية. علينا جميعاً نحن اللبنانيين أن نرفع الصوت ضد استعباد لبنان واستخدامه في الإضرار بالعرب. نحن لا نقبل بولاية أحدٍ علينا، إيرانياً كان أم لبنانياً من حملة دعوات القومية المزورة أو اليسارية الفصامية. ما عاد من الممكن أن نسلك سلوك ذوي العقلية البعثية أو القومية السورية. نحن لبنانيون عربٌ وينبغي أن نكونَ كذلك بالتفكير والتدبير والسلوك.
لقد كنا نرفض الهيمنة السورية، وما كان لتلك الدعوة أصداء بارزة عندما صدر بيان البطاركة الكاثوليك عام 2000. ثم صارت لتلك الدعوة جماهيرية هائلة بعد مقتل رفيق الحريري عام 2005.. فهل ننتظر استئناف قتلنا حتى نثور ضد سيطرة الولي الفقيه وأتباعه؟!
نحن في خطر، والعرب في خطر، والخصم للسيادة والدستور والدولة والأمن حاضرٌ ومتصدر. فلنناضل عن وطننا وعروبتنا وبقاء دولنا وأنظمتنا اليوم قبل الغد.
*أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية -بيروت
د. رضوان السيد