إعتبر المراقبون ان الانفجار الاخير في عين قانا خطير جدا، ويشير الى مرحلة هي الاخطر لاسيما في الجنوب والبقاع، ما يعني ان لبنان صار عمليا في دائرة خطر هائل الحجم بدأ بالانفجار الرهيب في مرفأ بيروت في الرابع من آب الماضي.
في خطابه بالامس الذي سجله في طهران، وجرى بثه في نيويورك ضمن الدورة السنوية الـ 75 للهيئة العامة للامم المتحدة، أعلن الرئيس الايراني حسن روحاني ان المنطقة تحولت الى "برميل بارود" بفعل مبيعات الاسلحة الاميركية في المنطقة. لكن هذا الوصف، أي "برميل البارود"، ينطبق فعليا على لبنان في ظل ما حدث ولا يزال منذ انفجار العاصمة اللبنانية نتيجة الترسانة الضخمة من الاسلحة من كل الانواع التي كدّسها "حزب الله" منذ اعوام سبقت حرب تموز عام 2006، وتصاعد هذا التكديس ولا يزال منذ ذلك التاريخ. ويشير احد التقارير الديبلوماسية الى ان هناك ما يفوق العشرة آلاف مركز لهذه الاسلحة على امتداد لبنان، وتحديداً في الجنوب والبقاع.
تقول اوساط شيعية معارضة لـ"النهار" ان معطياتها تفيد ان هناك ضحايا بين قتلى وجرحى في انفجار عين قانا، وقد بذل "حزب الله" جهدا إستثنائيا لكي يخفي هذه الخسائر عن طريق الطوق الامني الذي ضربه فورا بُعيد وقوع الانفجار، مانعا حتى الجيش من الوصول الى المكان إلا بعد ساعات ومثله وسائل الاعلام، وهي ساعات كانت كافية لتجهيز مسرح الانفجار لكي يبدو خاليا من الضحايا، علما ان قوة الانفجار كانت كفيلة بإلحاق دمار هائل في الابنية السكنية، وصولا الى اضرار في مناطق تبعد كيلومترات عن عين قانا، فيما وصل صدى الانفجار الى صيدا على مسافة عشرات الكيلومترات من البلدة.
مَن تابع وسائل اعلام "حزب الله" في الساعات الماضية، لاحظ ان هناك تعتيما كاملا قد فُرض على الحادث، وسط تبنّي رواية احد اجهزة الاسعاف حول "عدم سقوط ضحايا". وتعتبر الاوساط المشار اليها آنفا، ان الحزب يخشى ان يؤدي الاعلان عن الحقائق الى "انهيار معنويات البيئة الحاضنة". وتساءلت الاوساط: "إذا كان حزب الله حريصا على معنويات بيئته الى درجة طمس الحقائق، فما هي المبررات التي جعلت المسؤولين الامنيين الرسميين يقبلون بالامتثال لأوامر الحزب فلم يقتربوا من مكان الانفجار إلا بعدما سمح لهم الحزب بذلك؟". ورأت انه كان من واجب الجهات الامنية الرسمية الامتناع كليا عن ارسال عناصرها الى مكان الانفجار بعد ساعات على وقوعه، تاركة الحزب يتحمّل المسؤولية وحده عما حصل.
في المقابل، ذهب موقع "العهد" الالكتروني التابع لـ"حزب الله" الى شنّ حملة ضد وسائل الاعلام التي غطّت الحدث، فكتب تحت عنوان "أهل المقاومة... وجه يعجز الإعلام عن تشويهه" يقول: "اجتهد الإعلام في محاولة تشويه الصورة الناصعة التي تُظهر حقيقة أن المقاومة هي الناس، وأن وجوه الناس تضيء حبًّا ولهفة حين تلتف حول السلاح درعاً".
ما هي تداعيات الانفجار الاخير في الجنوب؟ في مقدم هذه التداعيات الخوف الذي انتشر بعد انفجار قانا والذي يفيد انه "لم يعد هناك من مكان آمن في كل المناطق التي يمارس فيها حزب الله نفوذه"، على ما قاله لـ"النهار" وزير سابق يمتلك صلات وثيقة ببيئة الحزب. ويشرح المصدر لماذا قدّر تداعيات الانفجار على هذا النحو، فأوضح ان الحزب عمد الى تخزين ترسانته من الاسلحة في آلاف الوحدات السكنية على امتداد لبنان، ما يعني ان السكان في هذه الوحدات والقريبين منها "هم الآن في دائرة الخطر".
قبل بضعة اسابيع، وبعد انفجار المرفأ، أصدر اعضاء مجلس بلدية بعبدا - اللويزة بيانا عبّر عن "مخاوف المجلس وأهالي المنطقة من انفجار يقع بالقرب من مستشفى السان شارل" حيث ارتكزوا في مخاوفهم على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومنها تغريدة له بعد الفاجعة جاء فيها "من أجل منع حدوث كوارث من نوع مرفأ بيروت، يجب إبعاد المتفجرات والصواريخ التي وضعها حزب الله عن كل تجمعات السكان المدنيين في لبنان". قامت "دنيا" الحزب وأدواته ولم "تقعد" بعد هذا البيان، وقد رافقت ردة فعل الحزب، ضغوط على اعضاء مجلس البلدية ومضايقات لهم بذريعة الوقوف على معطياتهم حول المخاوف التي ابدوها. فهل مَن يجرؤ بعد انفجار عين قانا ان ينبري لمساءلة المتسببين بالانفجار وكذلك مساءلة من غطّى ما حدث؟
في إيران صمت مماثل للصمت في الضاحية الجنوبية لبيروت. ففي اليوم التالي لانفجار عين قانا ورد في صحيفة "كيهان" المقربة من الحرس الثوري الذي يضم "فيلق القدس" الذي ينتمي اليه الحزب النبأ الآتي: "تجزم الإدارة المشتركة السورية - الإيرانية لمعمل زجاج "فيرست كلاس" الواقع في ريف دمشق أن التزامها بالتوريدات اليومية إلى لبنان والتي تغطي حوالى 90% من حاجة السوق اللبنانية من الزجاج بأسعار معقولة، قد ساهم إلى حد بعيد في ضبط سعر الزجاج في هذا البلد ومنعه من التفلت، وبخاصة بعد كارثة انفجار مرفأ بيروت وحاجة اللبنانيين إلى هذه المادة المهمة، فالعلاقة محكومة بأخلاق المهنة والتعاضد مع الأشقاء اللبنانيين، كما يقول القائمون على هذا المعمل".
هل على لبنان ان يطمئن الى ان إيران ستوفر الزجاج بـ"سعر مضبوط" بعد كل انفجار بدل الهلع من ترسانة اسلحة راكمتها طهران منذ عقود في هذا البلد؟
احمد عياش - النهار