استقالة عون أو لا تعديل كبير في موازين القوى! - ايلي القصيفي

استقالة عون أو لا تعديل كبير في موازين القوى! - ايلي القصيفي
الأربعاء 12 أغسطس, 2020

كثيرة هي الأسئلة السياسية المطروحة عقب الإنفجار الهائل في مرفأ بيروت. وليست تعقيدات المشهد السياسي الداخلي ما يفرض هذه الأسئلة وحسب، بل أيضاً المشهد الإقليمي والدولي المفتوح على احتمالات شتّى قبل نحو ثلاثة أشهر عن الانتخابات الرئاسية الأميركية مع ما يعنيه ذلك من إمكان خلط الأوراق في ملفات أساسية في المنطقة منها الملف اللبناني.

الاهتمام الآن لتلمّس الاحتمالات السياسية لمرحلة ما بعد سقوط حكومة حسّان دياب. وهي احتمالات لا تعكس بطبيعة الحال معطيات لبنانية بحت بل إقلمية ودولية أيضاً  لاسيما بعدما بات في الإمكان الحديث عن تدويل للملف اللبناني بعد زيارة الرئيس الفرنسي بيروت وتنظميه بعدها بخمسة أيام مؤتمراً دولياً لتقديم الدعم الاغاثي والإنساني لبيروت المنكوبة.

المؤتمر المذكور وإن بقيت أرقامه في حدود متواضعة فهو يعكس وجود دينامية دولية جديدة تجاه لبنان بقيادة فرنسية. وهي دينامية لم تتبلور ملامحها كلّها بعد، وهذا أمر طبيعي في ظلّ وضع إقليمي ما يزال محكوماً بسياسة الضغوط القصوى التي تتبعها واشنطن ضدّ طهران. لكن لنقل إنّ المعطى الأكثر وضوحاً فيها هو أنّ قيادتها فرنسية وهو ما قاله نتنياهو صراحة في اتصاله مع الرئيس ماكرون الثلاثاء.

هذا يعكس إمكان تبلور مسار تهدئة بحدود معينة في لبنان. لكنّها تهدئة لا يمكن أن تكون في ظلّ موازين القوى القديمة. أي أنّ شرط نجاحها هو تعديل ميزان قوى ما قبل الانفجار بحيث لا يعود لبنان محكوماً بالكامل من حزب الله وحلفائه في مقدمّتهم الرئيس ميشال عون.

وهو ما يطرح الأسئلة التالية: ما حدود وإمكانات الحركة الفرنسية تجاه حزب الله؟ ما هي محفّزاتها الإقليمية والدولية في اللحظة الراهنة؟ هل تحظى بغطاء أميركي كامل أو "على القطعة"؟ إلى أي حد يمكن فصل الملف اللبناني عن ملفّات المنطقة لجهة معادلات الصراع بين أميركا وايران؟

لقد كان هناك لاعبان رئيسيان على الساحة اللبنانية طيلة الفترة الماضية هما حزب الله والسفارة الأميركية في بيروت. الآن يمكن الحديث عن لاعب ثالث هو فرنسا، فما هي قواعد اللعبة الجديدة؟

ثمّ هناك سؤال قديم/جديد يطرح نفسه بعد الانفجار الذي فجّر سخطاً شعبياً غير مسبوق على السلطة السياسية: ما هي حظوظ وإمكانيات تحوّل الاحتجاج الشعبي إلى لاعب سياسي في مقابل الإئتلاف الحاكم؟

وهو سؤال يحفّزه حديث الغرب منذ 17 تشرين 2019 عن تطلّعات "الشعب اللبناني". وهذه عبارة كرّرها ماكرون مرارا في بيروت كما وعد بتسليم المساعدات مباشرة إلى المتضررين. وهو ما تعهد به البيان الختامي لمؤتمر المانحين ايضا بالرغم من مشاركة الرئيس ميشال عون فيه!

 أي أنّ الغرب يتعامل مع "الشعب اللبناني" بوصفه لاعباً سياسياً لاسيما في ظلّ تشظّي المعارضة السياسية وضعف مبادرتها.   

هذه كلّها أسئلة لا إجابات واضحة عليها بعد، لكن ربما ستحمل زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى واشنطن في 20 الجاري بعضاً منها.

في الانتظار، فإنّ حزب الله أقدم على تنازل/مكسب في استقالة الحكومة. تنازل عنها لكنّه أكّد في الوقت نفسه، ما كان معروفا، وهو أنه يملك مفتاح السرايا الحكومية!

وهذا أمر سيستفيد منه في المفاوضات لتشكيل حكومة جديدة. لكن السؤال هنا إلى أي حدّ يمكن لحزب الله أن يتنازل، وأي تنازل من قبله لا يقاس بالمقياس المحلي إنما الاقليمي في سياق المواجهة الاميركية الايرانية؟

فالرئيس الأميركي تحدّث في مؤتمر المانحين عن "تهدئة في لبنان" لكن كلامه لا يعكس بطبيعة الحال تبدلاً استراتيجيا في الموقف الاميركي من الحزب. بالحد الأقصى هو موقف تاكتيكي، ولذلك فإنه من الصعب التصوّر أنّ الحزب سيقدم على تنازلات كبيرة خارج أي "تسوية كبرى"، خصوصا أنه يمسك بورقة قوية هي الغالبية النيابية، ولذلك هو يرفض الانتخابات النيابية المبكرة.

ما يهمّ الحزب الآن عدم زيادة الضغط الدولي عليه بعد انفجار المرفأ خصوصاً عشية صدور الحكم في جريمة اغتيال رفيق الحريري، لكن في المقابل لا يريد أن يظهر بمظهر الخاسر او كأنه يدفع الثمن السياسي للانفجار. لذلك فإنه سيعمل لحكومة بين هذين الحدين: عدم زيادة الضغوط عليه وعدم التنازل إلى حد يظهره خاسراً.

أمر كهذا يعني أنّ المفاوضات لتشكيل الحكومة الجديدة لن تكون سهلة وقد تستغرق وقتاً غير قليل. لاسيّما أنّ الحزب بدأ بإطلاق النار على الحكومة "الحيادية" التي يقرأ فيها مطلباً أميركياً صافياً، ويشيع في الوقت نفسه رغبته في حكومة وحدة وطنية، لكن مثل هذه الحكومة تصطدم بعقبتين: داخلية لأنّ الاحتجاج الشعبي يرفضها ولأنها شبه مستحيلة بوجود جبران باسيل وشبه مستحيلة من دونه. وخارجية لأن من يفترض به ترؤسها أي الحريري نفسه يحتاج غطاء دولياً وعربياً لا يبدو متوفراً له حتّى الآن.  

أما بالنسبة للاحتجاج الشعبي الذي اظهر حضوره القوي السبت لناحية التوقيت والحشد، فإن اهميته الأساسية أنه شكّك في الشرعية الشعبية للسلطة. وهذا معطى يبني عليه ماكرون و"المجتمع الدولي"، بغض النظر عن وتيرة الاحتجاجات وقواها وشعاراتها.

حالياً فإنّ التأثير المباشر لهذه الاحتجاجات في عملية تشكيل الحكومة هي في كونها ورقة ضغط بيد باريس يمكن أن تلعبها. لأن الانتفاضة الشعبية من دون غطائها الدولي ليست بالنسبة لحزب الله الآن لاعباً سياسياً أساسياً. وهو استطاع في الفترة الماضية التعامل معها لا أمنياً من خلال الهجمات والغزوات المتكررة على مراكز الاحتجاج وحسب بل سياسياً أيضاً؛ أولا لأنّ جهات أساسية فيها كانت دائمة مهتمة لفتح قنوات معه، وثانياً لانّ شعار كمكافحة الفساد يجلب ماءً إلى طاحونته وهو الذي يرفع الشعار نفسه وينزّه نفسه عن أي إفادة من السلطة.  

خلاصة القول أنّ الحزب يخشى العدد والحشد والديمومة في الاحتجاج الشعبي خصوصاً أنه بدأ باستهدافه وعلى نحو مضطّرد، لكنّه في المقابل لا يخشى نخبه المؤهلة لدخول البازار الحكومي. وهذا تناقض ضمن الانتفاضة نفسها يستفيد منه الحزب، وقد يكون عنصر "تواطؤ" في أي تسوية حكومية جديدة.

في المحصلة لم تتضح بعد ملامح المرحلة المقبلة، لكن من غير المتوقع حصول تغييرات كبيرة في موازين القوى، إلا إذا قلب الشارع اللعبة ودفع عون إلى الإستقالة. ساعتئذن يمكن الحديث عن بداية تغيير حقيقي!