رسم الحراك العربي تجاه لبنان خريطة الطريق للخروج من الأزمة وذلك بالارتكاز إلى الدستور واتفاق الطائف. وهو ما عبّر عنه تباعاً السفير السعودي وليد البخاري ثمّ وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ووزير الخارجية المصري سامح شكري وأخيراً الأمين المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي الذي تحدّث عن تلازم الأزمتين السياسية والاقتصادية.
إذاً هناك تمسّك عربي واضح بالدستور ووثيقة الوفاق الوطني كمرجعين لحلّ الأزمة. وهذا موقف يعني أنّ العرب الذين لا يمكن توقّع تعافي اقتصادي للبنان من دون مساعدتهم لا يقبلون أي حلّ سياسي للأزمة من خارج الدستور واتفاق الطائف كما حصل في الدوحة في العام 2008.
فكما لا يمكن توقّع اعادة إعمار في سوريا قبل الحلّ السياسي المقبول عربياً وغربياً، لأنّ هذا الحلّ هو شرط مساهمة العرب والغرب في إعادة إعمار سوريا، فإنّ كبح جماح الإنهيار في لبنان غير ممكن من دون التزام سلطته السياسية بتطبيق اتفاق الطائف لأنّ هذا الالتزام هو شرط الدول العربية لمساعدة لبنان.
في لبنان لا حاجة لتسوية سياسية كبرى تعيد انتاج النظام السياسي كما هو مطلوب عربياً وغربياً في سوريا. لقد حصلت هذه التسوية اللبنانية الكبرى بدعم عربي وغربي في مدينة الطائف السعودية في العام 1990. بالتالي فإنّ المطلوب عربياً الآن من السلطة اللبنانية، وتحديداً من رئاسة الجمهورية، تطبيق هذا الاتفاق لا اعلان الالتزام به شفهياً والتصرّف عكس ذلك في ممارسة الحكم.
وإذا كان العرب ينادون باتفاق الطائف فهذا لا يعني أنّ هذا الاتفاق مصلحة عربية لا لبنانية. بل هو مصلحة عربية لأنّه مصلحة لبنانية باعتبار أنّه ضامن لاستقرار لبنان وسلمه الأهلي على حدّ تعبير السفير البخاري من بعبدا. أي أنّ العرب يتمسّكون بالطائف لأنّ عدم تطبيقه ومحاولات اسقاطه هي طريق إلى زعزعة الاستقرار في لبنان، وهو الأمر الذي لا يرغب به العرب، وفي مقدّمتهم السعودية ومصر، اللتان تحاولان وضع حدّ لعدم الاستقرار في المنطقة سواء في اليمن او العراق أو سوريا أو لبنان.
لذلك فإنّ الانقسام حول اتفاق الطائف في لبنان هو ارتداد للانقسام في المنطقة بين توجّهين: توجّه العرب لاستعادة الاستقرار الإقليمي وتوجّه إيران لزعزعة هذا الاستقرار كهدف استراتيجي لها يمكنّها من توسيع نفوذها في المناطق المضطربة.
بالتالي فإذا كانت الأزمة سياسية واقتصادية في آن معاً، فإنّ الالتزام اللبناني باتفاق الطائف هو جواب اقتصادي وسياسي على هذه الأزمة. لأنّه بات من الواضح أنّ لا مساعدة عربية للبنان إذا خرجت السلطة فيه على هذا الاتفاق؛ ولأنّ لبنان بالتزامه هذا الاتفاق ينحاز إلى توجّه العرب نحو الاستقرار والتقدّم لا إلى توجّه الممانعة من نحو الاضطراب والتقهقر.
هذا مع العلم أنّ اتفاق الطائف ينصّ صراحة على "بسط سيادة الدولة على جميع أراضيها". أي أنّه يدعو ليكون السلاح الوحيد على الأراضي اللبناني هو سلاح الجيش والقوى الأمنية. وهذه الجملة الواردة في الاتفاق أساسية في انتقال لبنان من مرحلة الحرب (عدم الاستقرار) إلى مرحلة السلم. لكنّها لم تطبّق حتّى الآن في ظلّ تمسكّ حزب الله بسلاحه. ولذلك فإنّ لبنان لم يخرج تماماً بعد من مرحلة الحرب، ولن يخرج قبل وضع الحزب سلاحه بيد الدولة كما فعلت سائر الميليشيات بعد الحرب.
وللتذكير فإن وزير الخارجية السعودي كان قد عبّر، في 4 نيسان، عن رؤية بلاده للوضع اللبناني والتي تتلخص باتجاهين متلازمين، الأوّل تبني الطبقة السياسية إصلاحات سياسية واقتصادية جوهرية، والثاني انتهاء سيطرة حزب الله على البنى التحتية الرئيسية في لبنان. أي أنّه من دون تحقيق هذين الشرطين فإنّه لا إمكان لدعم عربي مستدام للبنان، وذلك في وقت لا يمكن توقّع حلّ للأزمة من دون هذا الدعم.
كلّ ذلك يعيد التأكيد على أهميّة اتفاق الطائف بالنسبة للبنان أمس واليوم وغداً، لأنّ هذا الاتفاق يضع لبنان في قلب نظام المصلحة العربية الموعود اليوم بآفاق جديدة مع المشاريع الضخمة التي تطلقها المملكة العربية السعودية ومع عودة مصر إلى الساحة الإقليمية بعد تمكنّها من تجاوز الخطر الإرهابي والتحدّي الإقتصادي.
فالمصلحة الإستراتيجية والاقتصادية للبنان اليوم تتمثّل في أن يكون جزءاً من العالم العربي لا مخطوفاً من قبل إيران، وقد بات أكيداً أنّ لا شيء سوى التزام غالبية اللبنانيين باتفاق الطائف يمكن أن يضمن هذه المصلحة !