لقد أصبح رئيس الحكومة حسان دياب يشكل خطراً فعلياً على لبنان وعلى جوهر نظامه السياسي الجمهوري والبرلماني، وأيضاً على نظامه الاقتصادي الحر. دعك من سجاله مع سياسيين يتنافسون منه على قاعدة "قم لأجلس مكانك ". المسألة أبعد من ذلك بكثير، وتكمن في أدائه السياسي تبعاً لأهواء حزب الله ونزعاته العدوانية ضد المجتمعين العربي ـ الاسلامي، وضد المجتمع الدولي. وأسوء أنواع أدائه كانت في تحميل مسؤولية الانهيار لحاكمية مصرف لبنان وتغيير هوية الاقتصاد الحر، مع إعلان الحرب على الحريرية السياسية، وهذه خطيئة لا تحتمل في ظل اضطراي سُني عام يسود لبنان من اقصاه الى اقصاه ولم يتضح بعد وجهته، ولا الأوعية التي سيفرغ فيها احتقانه.
ما يفعله دياب لا مبرر له على الإطلاق. ولا أساس سياسي ولا قانوني له على أي وجه من الوجوه قُلبت الأمور. فكيف يسير حتى حافية الهاوية مُغامراً بلبنان كله عبر توجيه سهامه السياسية ـ والمتأتية عن عجزه على فعل شيء منذ جاء الى سدة الرئاسة الثالثة بزعم انقاذ لبنان ـ ضد حاكم المصرف المركزي الذي عليه ما عليه من مسؤولية أقله السكوت عن فساد المنظومة السياسية التي تحكمت بالبلاد والعباد. وكيف لرئيس حكومة أن يخاطب حاكم المصرف المركزي بعبارات من نوع "الغموض المريب في أدائه" حتى ليظن المراقب أن دياب يتحدث عن مختلس أو مرتشٍ؟
يعلم دياب قبل غيره ان الاطاحة بحاكم المصرف المركزي رياض سلامة تقارب المستحيل واقعياً وقانونياً. هذا إذا أغفلنا تداعيات كلامه على الاقتصاد وما أفضى إليه من انهيار مريع لليرة أمام الدولار. فعلى المستوى القانوني لا يمكن مساءلة سلامة لانتفاء أي شرط من شروط المساءلة التي نص عليها قانون النقد والتسليف. وعلى المستوى السياسي بدا أن حاكم المصرف المركزي يحوز إجماعاً سياسياً أكثر من ذاك الذي يحيط بدياب نفسه. وقد تجلى الأمر بوضوح من خلال مواقف صدرت عن شخصيات راجحة سياسياً وشعبياً مثل رئيس مجلس النواب نبيه بيري، ورئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، والزعيم وليد جنبلاط، وأولاً وأخيراً البطريرك الراعي.
ما يثير الغرابة ان دياب استسهل توجيه سهامه نحو حاكمية مصرف لبنان، صارفاً النظر نهائياً حتى عن السؤال حول ما شاع بقوة خلال الايام القليلة الماضية عن دور حزب الله في الضغط على الليرة والتلاعب بسوق الصيرفة من خلال "قوى مالية" تابعة له وتتستر برخص مصرفية، وذلك على الضد من تعاميم حاكم المصرف المركزي التي صدرت بهدف اجتذاب الـFRESH MONEY بالدولار، بما يؤدي إلى كبْح اقتصاد الـCASH الذي يساعد الحزب بالالتفاف على العقوبات وإبقاء الاقتصاد الموازي على نشاطه.
لقد فشل دياب في المحافظة على "فترة السماح " التي منحتها قوى اعتراضية لم تبلغ مرحلة المعارضة مثل "المستقبل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" . والأسوء انه ذهب حد الاعلان عن "انقلاب" غير موجود إلا في مخيلته بلغت حد التهديد بأنه "خاطئ مَن يعتقد اننا سنتفرج عليهم وهم يخططون للانقلاب عبر سلب الناس أموالهم ولن نتهاون في قمْع كل عابث بالاستقرار المالي والدولة ستضرب بحزم... وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون"، لافتاً إلى ان "المحاسبة قائمة، وأن المرتكبين سيدخلون السجون حتماً ".
من أجل هذا كله صار رئيس الحكومة الحالية خطراً على لبنان واللبنانيين وهم يحاولون تلمس ممر الخروج من نفق الإنهيار، وصار ضرورياً أن يخرج من الحكم .
كمال الأسمر – كاتب سياسي