لم يكن اعتداء مؤيدين لثنائي حزب الله وحركة أمل على لائحة "معاً للتغيير" في الصرفند الأمر الوحيد الذي يدعو إلى طرح تساؤلات كبرى حول الإنتخابات النيابية، وتحديداً لناحية السياق الذي تجري ضمنه هذه الانتخابات. غير أنّ هذه الحادثة لخّصت في وقائعها ومدلولاتها الواقع الراهن للبنان كبلدٍ واقع تحت احتلال سلاح حزب الله، ورسمت صورة لما سيكون عليه البلد بعد الإنتخابات.
أولاً لا يجب أن يغيب عن بالنا أنّ هذه الانتخابات تحصل في ظلّ الإنهيار وأنّ السلطة المشرفة عليها هي نفسها السلطة التي أمعنت طوال سنتين ونصف في تعميق الإنهيار ودفعه إلى مستويات كارثية لتضييع المسؤولية عنه وتسييسها، ولإسقاط أي قدرات دفاعية للفئات الشعبية المتضررة من الإنهيار بوجه قوى الحكم وعلى رأسها ثنائي حزب الله والتيار الوطني الحر.
لذلك فإنّ شرط حصول الإنتخابات كان تيقّن السلطة الحاكمة من قدرتها على إضعاف المقاومة ضدّها لكي لا تفرز صناديق الإقتراع أكثرية برلمانية مناوئة لها. وقد حصل هذا الأمر لا بسبب قوة ثنائي الحكم بل بسبب غياب الجاهزية السياسية والشعبية لمواكبة التطورّات منذ 17 تشرين 2019.
فأزمة بهذا الحجم لا يمكن الردّ عليها بآليات عمل تقليدية وبمستوى تسييس منخفض وبطروحات شعبوية. فالضربات الموجعة التي تلقّاها المجتمع بسبب مفاقمة قوى الحكم للإنهيار، والكسل السياسي لقوى المعارضة التي فقدت سريعاً القدرة على المبادرة والمناورة، مكّن قوى الأمر الواقع المسلحّة من فرض أجندتها على الداخل اللبناني بما في ذلك الإنتخابات المقبلة.
عليه فإنّ هذه الإنتخابات ليست بأي شكل من الأشكال فرصة للتغيير؛ فالإنتخابات لا تخلق بذاتها إمكانية للتغيير، خصوصاً عندما يشمل التغيير المطلوب تغيير سلوكيات سياسية واجتماعية – اقتصادية. بل إنّ الإنتخابات تشكّل آلية لترجمة إمكانات التغيير التي تؤكدها توجّهات المجتمع قبل الإنتخابات.
هذا لا يعني أنّ هذه الانتخابات لن تظهر حجم الإعتراض على سلطة حزب الله والتيار الوطني الحر وشركائهما من خلال التصويت للوائح المعارضة المشتتة أو من خلال ضعف نسبة الإقتراع. لكن من الناحية السياسية فإنّ ما تريده قوى الحكم هو تجديد شرعيتها من خلال الانتخابات ولو بالحدّ الأدنى من الأصوات طالما المجتمع الدولي يبدي استعداداً للتعامل مع أي سلطة تفرزها هذه الإنتخابات. بل إنّ هذه الإنتخابات، أيّا تكن نتائجها، قد تشكّل بالنسبة إليه فرصة للخروج من مأزقه في التعامل مع الوضع اللبناني منذ 17 تشرين 2019.
إذّاك فإنّ اعتداء الصرفند يعكس حقيقة الواقع الذي تجري في ظلّه الإنتخابات، وهو واقع خاضعٌ لأولويات قوى الحكم وعلى رأسها حزب الله المستعدّ دائماً لإدخال سلاحه في المعركة الإنتخابية. فيكفي أن تكون حرية العمل السياسي مهدّدة في منطقة من لبنان لتكون مهدّدة في لبنان كلّه. ولذلك فإنّ ما حصل في الصرفند يشكّك بل ويسقط مسبقاً ديموقراطية هذه الانتخابات ويجعلها بحكم المزوّرة والفاقدة شروطها الوطنية.
لقد أظهر اعتداء الصرفند أنّ المجال السياسي في لبنان مغلقٌ بخلاف ما ينصّ عليه الدستور اللبناني لناحية حريّة العمل السياسيّ. كما أظهر فقدان المعارضة لشروطها السياسيّة والديموقراطية. لقد أظهر ببساطة أنّه لا توجد معارضة في لبنان، وإنمّا قوى تتصارع على السلطة. فلو كانت هناك معارضة حقّاً لكان الإعتداء على لائحة "معاً للتغيير" في الصرفند قد شكّل فرصة لتسييس المعركة الإنتخابية بوجه محتلّي المجال السياسي بقوّة السلاح لا في الجنوب وحسب بل في لبنان كلّه.
لذلك كلّه لا يمكن التعامل مع هذه الإنتخابات التي تجري في ظلّ الإنهيار وسطوة السلاح كما لو أنّها انتخابات تجري في ظروف طبيعية. وهذا أمرٌ لا تسقط مفاعيله فور إنتهاء الإنتخابات في حال لم تسلّم المعارضة بشروط اللعبة الجديدة التي ستفرزها الإنتخابات بمباركة إقليمية ودولية.
فكما أنّه لا يمكن التأقلم مع انتخابات في ظلّ الإحتلال فإنّه لا يمكن التسليم بعد الإنتخابات بتسوية بشروط هذا الإحتلال الذي لم ولن يقدّم للبلد سوى نموذج إعتداء الصرفند.