بقدر ما كان اغتيال لقمان سليم خياراً محدّداُ للقاتل واستهدافاً مباشراً لشخصه بصفاته الخاصة فهو أيضاَ استهداف للمجتمع في لبنان. فصفات لُقمان لم تكن تبدأ وتنتهي به بل كانت صفات تفاعلية وهادفة تطمح إلى التغيير السياسي-الإجتماعي بالمعنى الواسع لكلمة تغيير، ولذلك اغتيل.
فلقمان ما كان ينطلق في حركته من خصومة سياسيّة كأحد أطراف اللعبة السياسيّة بل من أفكار ومبادئ تحرّكه ويسعى إلى نشرها واستخدامها في عملية انتاج وعي سياسي وثقافي واجتماعي بديل عن الوعي المسيطر الذي يهدف إلى تكريس الواقع السياسي والإجتماعي الذي دمّر المجتمع والدولة معاً.
لذلك فإنّ اغتيال لُقمان كان اغتيالاً مزدوجاً؛ فهو إغتيال له كفرد "مختلف"، واغتيال للمجتمع الذي يتأسّس على استعداد مجموعة بشرية لقبول هذا الإختلاف والإعتراف به بدفعٍ من منظومة قيميّة تأخذ بالتراكمات التاريخية للحضارة الإنسانية.
بالتالي فإنّ اغتيال لقمان سليم دليل واضح على عقل القاتل الذي لا يقبل الإختلاف لأنّه يخاف أن يخترق منظومته الأحادّية الهشّة. فالقاتل لا يسعى إلى الإقناع بل إلى الفرض والإلغاء ولذلك هو نقيض لقمان الذي بنى منظومته كفرد إجتماعي على الحجّة والإقناع.
من هنا فإنّ لقمان تجسيد لفكرة المواطن اللبناني. فلبنان الذي كان وما يزل إمتحاناً إنسانياً وسياسياً لإدارة الإختلاف وجعله منتجاً لمسارات فردية وجماعية إيجابية لا يحتمل المنظومات الأحادية الشمولية التي تنظر إلى التعددية والإختلاف بوصفهما خللاً يقتضي تصحيحه بالوسائل والأدوات كلّها بما فيها الإغتيال الجسدي والمعنوي للأفراد "المختلفين".
إذّاك فإنّ اغتيال لقمان لم يكن اغتيالاً سياسياً تقليدياً لأنّ لقمان لم يكن ضمن اللعبة السياسية التقليدية. بل إنّ اغتياله استهدف امكانات تغيير قواعد اللعبة السياسية والمجتمع ككلّ. ولذلك فإنّ القاتل أراد باغتياله للقمان تحديد تصوّره لحقبة جديدة في لبنان، وهو تصوّر قائم على ترهيب المجتمع وإخضاعه لخطاب أحاديّ يدّعي امتلاك التاريخ والمستقبل.
فإذا لم يكن اغتيال لقمان الإغتيال السياسي الأوّل في لبنان، غير أنّه "نوعيّ" ويحمل بصمةً خاصّة بالنظر إلى حمولات لقمان الثقافية والسياسية في لحظة مفصلية من تاريخ لبنان بدأت في يوم 17 تشرين الأول 2019. وهي لحظة أعادت تظهير إمكانات واسعة للتغيير في لبنان. ولذلك فإنّ اغتيال لقمان أتى في سياق إجهاض هذه الإمكانات بغية تأبيد ستاتيكو الإنهيار الذي يعزل لبنان عن العالم، لأنّ القاتل يريد لبنان "خارج" العالم.
إلّا أن اغتيال لقمان يشبه سائر الإغتيالات السياسية في لبنان لجهة عدم تحقيق العدالة فيها. ولقمان الذي كانت العدالة قيمة رئيسية في مشروعه فإنّ طمسها في اغتياله دليل إضافي على أهمية مشروعه الذي ارتكز على التنقيب في مآسي الذاكرة اللبنانية لتبقى فكرة العدالة حاضرة وقويّة. لكنّ القاتل لا يكتفي بقتل ضحيته بل إن أحد شروط اكتمال جريمته هو إلغاء أي إمكانية لتحقيق العدالة فيها.
فالقاتل يدلّ على جريمته بنفسه. حتّى أنّه لا ينكر جريمته!