إمكانية الخروج من عنق الزجاجة!
تزداد أزمة لبنان المالية تفاقماً بسبب اتخاذ فريقٍ في السلطة منحى لعدم سداد الدين المتوجب على الدولة وعدم القبول بضمانة الجهات الدولية لجدولة هذا الدين.
حالة من "الهستيريا" أصابت المسؤولين في هذا البلد مؤخّراً. إنه من البديهيات عندما يشعر المدين بعدم قدرته على السداد أن يبحث عن إمكانية التفاوض مع الدائن لتسهيل عملية السداد. فيتفاوض معه على تمديد فترة السماح مثلاً، أو يتفاوض معه على تقسيم المستحقات بضمانة جهةٍ ثالثة يثق بها هذا الدائن، أو يبحث عن جهةٍ باستطاعتها ضمانته من أجل أن يتمكّن من دفع مستحقاته كمثلٍ آخر. لكن في بلدنا لا تريد السلطة الانصياع إلى المنطق العقلاني وهي ترفض أياً من هذه الاحتمالات.
اليوم لبنان لا يملك فعلياً امكانية تسديد مستحقات "اليورو بوند". فإذا سدّد استحقاق 9 آذار هناك خطر الدخول في أزمةٍ مالية داخلية غير مسبوقة، كما أنه لا يستطيع وببساطة عدم دفع هذه المستحقات. المخرج الوحيد المنطقي والاقتصادي السليم هو بإعادة جدولة هذا الدين بشكلٍ يسمح للدولة أن تسدّد دون أن تصل إلى قعر الهاوية. وجدولة الدين ممكنة بحالةٍ واحدة فقط، وهي بضمانة جهة دولية تعطي الثقة للجهات الدائنة.
إن هذه الجهة هي صندوق النقد الدولي، فهو المخوّل اعطاء البدائل للدول التي تتعثّر بسداد ديونها كما أنه الجهة الموثوقة من قبل الجهات الدائنة عند حصول هذا التعثُّر.
إن ما أوصل الأمور إلى هذا الحدّ ليس فقط السياسة المالية التي اتّبعها مصرف لبنان بل هو أيضاً عدم قيام الجهات السياسية التي ترسم هذه السياسات المالية بتحمّل المسؤولية كما يجب. كما أن أسباب الوصول إلى الافلاس ليست تقنيّةً قط. فلبنان ومنذ تسعينيات القرن الماضي يسدّد استحقاقاته دون مشاكل، لكن تحكّم الوصاية الايرانية، المتمثّلة بحزب الله، هي التي شرّعت وغطّت الفساد بشكلٍ ممنهج ووقح ومنعت إمكانية محاسبة الفاسدين الذين استشرسوا في نهب المال العام وأدّت إلى تفاقم حالة الفلتان هذه.
إن الحالة التي وصل إليها لبنان ليست معادلة غير قابلة للحل، لكن على السلطة أن تتحمّل مسؤولياتها فعلياً تجاه الداخل والخارج والشروع باتخاذ الاجراءات التي بواسطتها يمكن التخفيف من تبعات ما وصلت إليه الأمور اليوم.
لكن وحتى هذه اللحظة تقف الوصاية الايرانية سدّاً منيعاً بوجه السماح للبنان طلب المساعدة الكاملة من صندوق النقد الدولي. السببُ واضح، فبعد تدويل القضاء بمحكمةٍ دولية للبنان تنظر في عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري وبعد تدويل الأمن مع اسرائيل بقرارٍ دولي تحت الرقم 1701 ترفض اليوم ايران بواسطة حزب الله تدويل الوضع الاقتصادي اللبناني بتدخّل صندوق النقد الدولي لمساعدة لبنان على الخروج من أزمته المالية.
إن الأيام القادمة كفيلة بتبيان ما ستؤول إليه الأمور وما علينا سوى الانتظار لنرى كم سيكون الثمن الذي سيدفعه المواطن اللبناني، خصوصاً مع العَرض الكريم والمُغري الذي أتانا به علي لاريجاني بأن تكون ايران المُفلِسة هي البديل عن كل الجهات الضامنة أو المانحة.