ليس مبالغةً القول أن الأمام موسى الصدر إنفرد في فهم معنى سلام لبنان الداخلي ووحدته وتأثير ذلك في الصراع مع إسرائيل. وقد عبر عن ذلك بمقولته الشهيرة "سلام لبنان أفضل وجوه الحرب مع إسرائيل". فالإمام المُغيب كان يعرف القيمة الحضارية للبنان التعددي والمتنوع، وكان يدرك باليقين السياسي معنى العيش المشترك اللبناني وقدراته في مواجهة دولة دينية قومية على شاكلة إسرائيل.
لكن المشروع الإيراني ـ الخميني النقيض أراد من لبنان منصة وليس دولة فكان أن كاسر "عروبة" شيعة لبنان بمشروع مذهبي خالص على الضد من الهوية اللبنانية والهوية العربية بدليل الحرب الضروس التي خاضها حزب الله وامل في ثمانينيات القرن الماضي. وهذا ما شكل تقاطعاً بين مصلحة إيران ـ حزب الله وبين إسرائيل. الأول يريد من لبنان ولاية إيرانية الهوى، والثانية ترى إلى لبنان منافساً قوياً في المستشفى والسياحة والجامعة والمصرف. وفي الحالين كان التقاطع قوياً ومتيناً وعبر عن ذاته في ما عُرف باسم فضيحة "إيران ـ غيت".
كان مستحيلاً على هذا التقاطع أن يحقق أهدافه لو أن لبنان بقي سالماً وعلى خط التطبيق الحرفي لاتفاق الطائف وما قدمه من إصلاحات وضمانات لسلم لبنان واللبنانيين أفراداً وجماعات. لذلك لم يترك حزب الله ولا إسرائيل محطة إلا وزعزعا فيها إستقرار لبنان لتصديع العيش المشترك ولتوريطه في حروب إقليمية أستهدفت زعزعة الأمن القومي العربي، فكانت النتيجة إن وقع لبنان في عزلة عربية ودولية وصار دولة فاشلة ما فجر " ثورة 17 تشرين".
وقد نجح حزب الله ومنظومته السياسية والأمنية إلى حدّ بعيد في استيعاب ثورة اللبنانيين في مرحلة أولى، قبل أن ينتقل في مرحلة ثانية إلى العمل على تحوير أهداف الثورة وتحويل نقمة اللبنانيين على الأسباب الحقيقية للانهيار المتمثلة في إلحاق حزب الله لبنان بالمشروع الإيراني، وفي تعريضه لعزلة عربية ودولية وعقوبات عطّلت الدورة الاقتصادية وأثّرت سلباً على الأوضاع الإقتصادية والمصرفية، من خلال استغلال وجع الناس لتوجيه نقمتهم نحو مصرف لبنان ونحو المصارف التجارية بحجة تهريب أصحابها أموالهم وأموال النافذين الى الخارج على حساب المودعين حيناً، ونحو الطبقة الميسورة بهدف تحويل المشكلة في لبنان من مشكلة سيادية الى صراع طبقي أحياناً، وكل ذلك حصل لتضليل اللبنانيين عن الأسباب الحقيقية للأزمة المتمثلة بحالة عدم الاستقرار السياسي والأمني الناجمة عن سلاح الحزب وحروبه وكلفتها على لبنان واقتصاده حتى انهار كل شيء في بلاد الأرز.
وللإنهيار وجهان: ضرب القطاع المصرفي وضرب الاقتصاد الحر. فالنموذج الذي يريد حزب الله تحقيقه ويتناسب تماماً مع المصالح الإسرائيلية هي أن يصير لبنان على مثل غزة ومثالها. أي الخروج من النظام المصرفي العالمي والانتقال الى اقتصاد رديف وموجه، في حين أن إسرائيل تريد لبنان أن يكون ضاحية مهمشة من العالم لتكون هي البديل في كل شيء من التجارة إلى السياحة فالتعليم ثم المستشفى والنظام المصرفي.
المهم الآن هو أن يدرك القطاع الخاص مضمون خطة حزب الله من خلال تتبع حركة الشيكات المصرفية التي يديرها الحزب ويراكمها في المصارف بانتظار لحظة إعادة الهيكلة ليحول هذه الشيكات المصرفية إلى أسهم فيتحول هذا الحزب ومن يمثل من كبار المودعين إلى كبار المساهمين، وخصوصاً أن الغالب من هذه الشيكات المصرفية مصدرها من مغتربين لبنانيين يشكلون في غالبهم وبالمعنى الطائفي والمذهبي بيئة هذا الحزب.