كتب فرج عبجي في النهار
يبدو أن مبادرة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي لم تنطلق لتحرير لبنان فقط من بحر التعطيل الذي يتخبط فيه، بل هي في انطلاقتها عبّدت الطريق مجدداً أمام الأمين العام السابق لقوى 14 آذار الدكتور فارس سعيد للظهور مجدداً الى العلن بعد الحصار الذي طاوله سياسياً بسبب مواقفه الثابتة من التسوية الرئاسية ومن سلاح "حزب الله". ولم يوفَّق كثيراً مَن يسير في مرتفعات بلاد جبيل ومنحدراتها الوعرة في إقناع حلفاء الأمس بعدم السير في التسوية الرئاسية التي أبعدته عنهم بسبب هجومه الشرس عليها. ولم ينجح في خوض غمار الانتخابات النيابية مع حلفائه الطبيعيين في ظل قانون الانتخاب الجديد الذي هاجمه لاحقاً رغم مشاركته في السباق الديموقراطي عبره.
ويعتبر سعيد أنه "لم يكن هناك حصار من قِبل جهة عليه، بل كان ناتجاً من طبيعة البلد والأوضاع منذ التسوية الرئاسية وقانون الانتخاب الذي جعل المسلم ينتخب مسلماً والمسيحي ينتخب مسيحياً، وفعلياً عنوان العيش المشترك والوحدة الذي أحمله تراجع، فأصبحت المجموعات تبحث عن حلول للأزمات بعيداً من بعضها البعض، وكأن هناك حلاً لأزمة المسيحيين يختلف عن أزمة المسلمين، وأظن أن الجميع اقتنعوا بأن لا حل بمعزل عن الجميع، ما يعني تلقائياً أن عنواني السياسي عاد إلى الضوء".
ويبرر عدم قدرته على إقناع رفاق الأمس بطروحاته بأن لكل منهم رؤيته الخاصة للمصلحة الوطنية اللبنانية. إلا أنه يصر على أعتبار "أن لا حل على سبيل المثال لقضية كورونا بمعزل عن الحل الوطني، وأن لا حل مسيحياً للمصارف بمعزل عن الحل الوطني، فغالبية القوى السياسية الفاعلة ظنت أن ترتيب الأوراق داخل كل طائفة يؤدي إلى مساكنة أفضل بين كل الطوائف، لكن الطائفة الأقوى والمسلحة هي التي فازت في هذه اللعبة، وبالتالي اقتنع الجميع بضرورة توحيد الجهود لاستنهاض لبنان من كبوته".
ويستغل سعيد موضوع السلاح والتسوية الرئاسية كمنصة للهجوم على معارضيه، في محاولة يعتبرها البعض شعبوية. لكنه يشدد على أنه "ليس مهماً إن كنتُ شخصية سياسية مسموعة أم لا، الأهم هو البلد. إلى أين أخذت القيادات الموجودة حالياً البلد، فلعبة بناء إدارة سياسية لكل طائفة وإلغاء الأصوات الأخرى داخل كل واحدة منها، وفي هذه اللعبة الطائفة الأبرز أصبحت الطائفة الشيعية، والحزب الأقوى هو "حزب الله" والباقون لم يعودوا لا مميزين ولا أقوياء". ويضيف: "حلفائي في 14 آذار اعتبروا أن فكفكة الجبهة تخدم التسوية التي ذهبوا اليها بانتخاب ميشال عون، لكن الذي حصل أن 8 آذار ظلت موجودة وموحدة بتحالف حزب الله وسلاحه من جهة، والتيار الوطني الحر ورئاسة الجمهورية من جهة أخرى. في المقابل كل 14 آذار تفككت، وأصبح الفريق الأول هو حاكم لبنان".
ولا يتردد سعيد في تأكيد بُعده عن الركنين الأساسيين في حلفه السابق، مستنداً إلى ثوابت يعتبر أنهما ابتعدا عنها. ويقول: "لست أقرب لا لسعد الحريري، ولا لسمير جعجع، أنا أقرب لوثيقة الوفاق الوطني ولقرارات الشرعية العربية والدولية، وكل من يقترب من هذه الثوابت الثلاثة نكون في خانة واحدة".
وإذ يواصل حملته القائمة على التخويف من مؤتمر تأسيسي يتحضر تحت الطاولة، يشير الى أنه "الوحيد المتنبّه لهذا الخطر الوجودي". ويشرح رأيه قائلاً: "هناك من يريد أن يأخذ لبنان إلى مؤتمر تأسيسي وليس إلى مؤتمر دولي مستفيداً من بعض الثغرات الدستورية. كل ما نسعى إليه هو الإبقاء على الدستور واحترام وثيقة الوفاق الوطني التي أقرت في الطائف وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية كما هي، وأي تعديل دستوري لرفع الثغرات يجب أن يحصل في مرحلة ثانية لا يكون فيها أحد يحمل السلاح وآخر أعزل، لأن ذلك سيؤدي الى الدخول في مؤتمر دولي والخروج إلى مؤتمر تأسيسي في لبنان على قاعدة يربح فيها حزب الله والفريق الذي يمثله".
وانضم سعيد إلى المجموعات السياسية التي توافدت إلى بكركي لدعم مبادرة الراعي، لكنه حاول أن يعطي لمشاركته بُعداً وطنياً، لو لم تكن الشخصيات المشاركة من الصف الأول في بيئتها، لكنها من المثقفة. ومن هنا يرى أن "مبادرة الراعي هي #الفرصة الأخيرة، وما قمنا به كلقاء سيدة الجبل أننا صعدنا إلى بكركي بوفد يضم جميع الأطياف اللبنانية وليس من لون مذهبي واحد للتأكيد على أن ما يقوله سيدنا ليس همّاً مارونياً أو مسيحياً فقط، بل هو همّ وطني".
ولا يعتبر قربه من السعودية أو أي دولة عربية تهمة، بل يجد نفسه في المكان الطبيعي لمواجهة النفوذ الإيراني. ويدافع قائلاً: "أنا قريب من كل دوائر القرار العربية التي تواجه النفوذ الإيراني في لبنان، ولا أنكر علاقتي بالمملكة السعودية وغيرها في العالم العربي من أجل تكوين فكرة لبنان السيد والمستقل والخالي من السلاح، والذي يرفع عنوان رفع وصاية إيران عن لبنان".