مجد بو مجاهد - النهار
يبقى رئيس "المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني عن لبنان" فارس سعَيْد على أُهبَة الاستعداد الدائم للوقوف "دِرْعاً سياسياً" دفاعياً عن اتفاق الطائف في مواجهة الطروحات التي تقترح تغيير الصيغة اللبنانية. وإذ أثارت التصاريح المتقابلة حيال بُنية لبنان الغد ورَسْمه "أخذاً وردّاً" في الأيام الماضية، حصّن سعَيْد "البُرْجَ الدستوريّ" في تأكيده ضرورة الالتقاء حول الطائف كمدخل لحلّ الأزمات. وهو لا يتخوّف من إطاحة وثيقة الوفاق الوطني نتيجة دعائم الاحتضان العربي والدولي الذي يبرز يومياً لها. وليس بسيطاً في مضامين مقاربته إصدار بيان دوليّ مشترك على هامش الأعمال العامة للأمم المتحدة للتأكيد على وثيقة الوفاق الوطني، أو أن ترتكز قرارات الشرعية الدولية على حجر زاوية قانونيّ اسمه الشرعية اللبنانية المتمثلة بالدستور اللبناني المنبثق عن الطائف. وتعريجاً منه على آخر التطورات الاقليمية، ليس قليلاً أن يرتكز البيان الصادر عن اللجنة الخماسية التي اجتمعت في الدوحة على الدستور وقرارات الشرعية العربية والدولية. ويَطْمَئنّ ويُطَمئن لناحية الإصرار الدولي حفاظاً على اتفاق الطائف ما يجعل انتقاده من بعض الأفرقاء الداخليين لا يصل حدود الخطر.
ما يخشاه سعَيْد فعلياً، "عودة اللبنانيين إلى مربّعاتهم الطائفية بعد تجربة 14 آذار ونظر كلّ فريق إلى اتفاق الطائف بعين مختلفة في غياب القراءة اللبنانية له. يظنّ المسيحيون منذ عام 1990 أنّ الطائف أسقطهم درجة في النظام الدستوري وأعطى المسلمين درجة إضافية. ويُقارب الدروز الطائف من باب الإصلاح الذي يخصّ إنشاء مجلس للشيوخ. ويعتقد الشيعة أنه اتفاق غير متناسب مع حجم حضورهم السياسي. ويدافع السنة عن الطائف انطلاقاً من حصّتهم في النظام اللبناني". ويقول لـ"النهار" إن "الطائف ارتكز على ثلاثة مبادئ بالغة الأهمية منطلقة من الحفاظ على العيش المشترك. وعند الخروج من مبدأ العيش المشترك باتجاه تنظيم المساكنة بين الطوائف ضمن حدود معنوية وجغرافية وسياسية واقتصادية، يحصل الانتقال إلى معنى جديد. ويتحدث الطائف عن العيش المشترك أي الشعب الواحد والتنوع داخل الوحدة، بينما تعني المساكنة تنظيم شعوب تختلف مع بعضها بعضاً".
يتمحور المبدأ الثاني حول العقد الاجتماعي السياسي في اتفاق الطائف، استناداً إلى السرد التاريخي لمؤسس وعضو "لقاء سيدة الجبل"، بعدما "عرف العام 1943 أقلية مسيحية شكّلت مع أقلية مسلمة أكثرية نسبية طالبت استقلال لبنان عن الانتداب الفرنسي بضمانة الشراكة الإسلامية المسيحية. أتى الطائف للإشارة إلى ما يريده المكوّنان المسلم والمسيحي وأعطى للمسيحيين للمرة الأولى كتابةً نهائية الكيان اللبناني كمطلب مسيحي تاريخي، وأعطى المسلمين للمرة الأولى عروبة لبنان. وأصبح العقد الاجتماعي القائم عليه اتفاق الطائف نهائية الكيان وعروبة لبنان، ولا يمكن الالتزام بايجابية واحدة وإغفال الثانية". وينتقل إلى المستوى الثالث ليتحدّث عن "الإصلاحات من طبيعة إدارية دستورية سياسية. لم تُحترم البنود السيادية في الاتفاق وعلى رأسها حصرية السلاح بيد الدولة، والحال نفسها للبنود الإصلاحية الإدارية بدءاً من اللامركزية إلى إلغاء الطائفية السياسية".
وهل تنحو التطورات نحو إعادة تكوين للوحدة الداخلية أو ابتعاد بين المكونات اللبنانية؟ يجيب سعَيْد أنّ "ثمّة ابتعاداً لأنّه في مرحلة ما حاولت القوى التي عادت إلى مربعاتها الطائفية استنساخ تجربة "حزب الله" بدلاً من جلب "الحزب" إلى التجربة اللبنانية. أرادوا استنساخ تجربة "حزب الله" طائفياً أو مناطقياً من خلال تأمين حاجات الناس ومساكنة الأحزاب. وهذا أخطر ما يمكن أن يعيشه لبنان. تطلعات الجيل الشاب لا يؤمّنها هذا الأسلوب بل إن هناك ضمانة واحدة للجميع اسمها الدولة وضمانة واحدة بالجميع اسمها وثيقة الوفاق الوطني. الخروج عن هذا المنطق والبحث عن ضمانات رديفة على قياس الطوائف والجماعات، يُدخل العنف إلى منزل كلّ مواطن لبنانيّ".
ولا يغيب عن تشخيص سعَيْد للتحديات المجتمعية اللبنانية القائمة، أن "البلاد اليوم أمام ثلاثية طائفية مسيحية سنية شيعية يتحكّم بها سلاح "حزب الله"، فيما الحلّ الأول يكمن في الانتقال إلى حصرية السلاح الذي يعلّق الدستور ويترك تنظيم العلاقات اللبنانية إلى موازين القوى ويظنّ أن ميزان القوى مستمرّ لمصلحته، بينما لبنان في منطقة رجراجة تنام على شيء وتستفيق على شيء آخر. ولا إمكان للفوز في المعركة بالضربة القاضية بل في النقاط، وطريقة مواجهة الاحتلال تتمثل في إعادة تكوين الوحدة الداخلية وتشجيع اللبنانيين على الخروج من مربّعهم الطائفي، كضمانة لهم اسمها الدولة المنبثقة عن الدستور ووثيقة الوفاق الوطني. وهذا عمل دؤوب يحتاج صبراً وتفكيراً وهو عمل إيماني بالسياسة".
يتمثّل ناقوس المحاذير الذي يدقّه رئيس "المجلس الوطني" في "المخاوف من تعاظم الهجرة اللبنانية مع وجود النازحين السوريين الذين يشكلون ضغطاً إضافياً ديموغرافياً وإنسانياً ما يحوّل النزعة الانسحابية أكبر من لبنان باتجاه التقسيم أو الهجرة". ويقلّل من أهمية طروحات تغيير الصيغة اللبنانية ومن ضمنها الفيدرالية، باعتباره أن "تسهيل معاملات المواطنين ضمن اللامركزية الإدارية الموسعة مسألة مطلوبة، لكن الإعلان أن هناك مسائل لا تعنينا بل تعني الآخر أشبه بأسلوب لا يبني بلداً. فكرة الانسحاب من قضايا المنطقة يقلل من قيمة من ينسحب ويجعل منه هدفاً سهلاً والمطلوب الانخراط في قيادة القضايا بدلاً من الانسحاب من قضاياها". وفي المحصلة العامة لاستنتاجات سعَيْد، "الفيدرالية موجة تعود عندما تنهار الضمانة الجماعية للدولة اللبنانية فتبحث الجماعات عن ضمانات رديفة أصغر من الدولة، لكنها لا تحلّ الخلافات الجوهرية القائمة على مستوى السياسة الخارجية والسياسة النقدية والسياسة الدفاعية... ولا حلّ سوى البقاء في صيغة اتفاق الطائف".