ما زالت حكومة تصريف الاعمال تتخبّط في معالجة كافة الملفات العالقة، فبعد ارتفاع أعداد المصابين بجائحة كورونا بشكلٍ مقلق (أكثر من 600 حالة يومياً مع نهاية هذا الاسبوع) أعلنت وزارة الداخلية الاقفال التام في البلد لمدة 17 يوماً مما استدعى قوى القطاع الخاص إلى إعلان العصيان على هذا القرار متّهمين الحكومة بالفشل في معالجة هذا الملف ومتّهمينها بالسير نحو إفلاس البلد وليس إنقاذه.
أما على الصعيد السياسي فما زال لبنان بانتظار تعيين موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية خلف الرئيس دياب. فيما تنشط الاستشارات بين الرئيس نبيه بري ورئيس الجمهورية لاعتماد اسم الرئيس الذي سيكلّف تشكيل الحكومة القادمة وشكلها خلافاً للدستور. وتنشط التسريبات حول من هي الشخصية التي يمكن أن تتولى رئاسة الحكومة بعد فشل العهد في معالجة الازمات التي حلّت بالبلد وبعد فشل كل الوعود التي أطلقت مع بدايته أو مع التسوية التي أُبرمت في حينه.
أما على صعيد ملف انفجار مرفأ بيروت، فقد أتت تغريدة من "مدير مركز الإرتكاز الإعلامي" سالم زهران ، الاسبوع الماضي والمحسوب على "محور الممانعة"، قال فيها: "عندما يسطر المحقق العدلي قراره الإتهامي في جريمة مرفأ بيروت ويكشف للمحكمة أسباب قدوم الباخرة إلى لبنان وما جاءت لنقله إلى العقبة في الأردن سيشهد الرأي العام على حقيقة موثقة بالأدلة الرسمية ومختلفة عن كل الروايات الموجودة حتى الساعة في الإعلام..!"، لتؤكّد مجدداً على أحقّية مطالبة بعض القوى السياسية والمدنية بلجنة تحقيق دولية لتبيان حقيقة ما جرى وكشف المسؤولين عن الانفجار.
هذا فيما تتعاقب تحليلات خبراء المتفجرات وتشكيكهم بكمية نترات الامونيوم التي انفجرت في المرفأ. فقد أكّد خبراء في المتفجرات، من العالم ومن لبنان، أنه تمت سرقة كميات كبيرة من نترات الأمونيوم من مرفأ بيروت وانفجار الكمية المتبقية، ذلك أن انفجار 2750 طنًا كان سيؤدي حتما إلى إزالة بيروت من على الخريطة؛ هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أكّدوا بوجود أسلحة وذخائر حربية لحظة وقوع الانفجار في المرفأ اللبناني، او وجود مواد أخرى في العنبر رقم 12؛ حيث أن الجماعات الإرهابية تستخدم عادة نترات الأمونيوم نظرًا لسهولة تصنيعها، وسعرها المنخفض نسبيا، إذ يمكن صناعة هذه المواد بتكلفة قليلة عن طريق مزج الأمونيا وحمض النيتريك، وتعد مادة كيميائية صناعية متوسطة الانفجار، وهي أقوى من البارود بـ4 أضعاف، في حين تتفوق عليها مادة "تي إن تي" (TNT) من حيث قوة الانفجار، التي تعد أقوى منها بـ4 أضعاف؛ وهناك من أكّد أن وجود مخزن أسلحة كان السبب أو المحرّض على انفجار النترات، كون هذه المادة بحاجة إلى صاعق ومحرض لتنفجر بحيث يكون الفيديو الأول للحريق خير دليل على ذلك، إذ لوحظ انفجار ذخائر ذات أعيرة ثقيلة (ذخيرة مضادة للطائرات) وليست ألعابًا نارية تستخدم في صناعتها مركبات تعطي ألوانًا مختلفة.
وإذا كانت تحليلات الخبراء صحيحة بشأن عدم صواب انفجار هذه الكمية من النترات، فهذا يطرح عددا من الأسئلة، أبرزها: من يستفيد من تخزين المواد المتفجرة؟ وأين الكميات المتبقية؟ وإلى أين أخذت؟ وكيف؟ ومتى؟
وإذا أضفنا التقارير والدلائل التي نشرتها بعض الصحف الاوروبية والاميركية والمواقع الالكترونية عن تورط حزب الله في الاستحصال على مادة نترات الامونيوم من ايران عبر مرفأ ومطار بيروت وحفظها من أجل استخدامها لاحقاً، وأضفنا إلى هذه الآراء والتقارير مسألة إن الاجهزة الامنية والقضائية اللبنانية مسيّسة وبالتالي غير موضوعية، يتحتّم بالتالي تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة لمتابعة هذا الملف كما حصل في ملف اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
وبالعودة إلى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، فقد حكمت يوم 18 آب/أغسطس على اللبناني سليم عياش، في حين لا يجرؤ قاضي في لبنان على لفظ إسمه لأنه عضو في حزب الله، ولأن "الحزب" متحكّم أيضاً بمجلس الوزراء ومجلس النواب ومتحالف مع رئيس الجمهورية وحزبه ويضع يده على مجمل المؤسسات في البلد.
يُشار إلى أنه لو لم يصرّ اللبنانيون على إنشاء هذه المحكمة التي دفعوا ثمن تشكيلها شهداء من خيرة قادتهم لما استطاعوا التوصل بالتحقيق والمحاكم اللبنانية إلى هذا الحكم، فقط المحكمة الدولية هي القادرة على إتهام اعضاء من حزب الله وإصدار حكم بحق واحد منهم. لقد رفضت المحكمة الدولية في سردها للحكم الاتهام الذي ساقه القضاء اللبناني وأجهزته الامنية بحق احمد أبو عدس الذي قيل بأنه ينتمي لمجموعة إسلامية متطرفة وارهابية، وحيث أنها لم تدين منظمة حزب الله او قيادته او النظام السوري، ذلك أن هذا الامر خارج عن صلاحيتها، لكنّها أشارت بوضوح إلى أن الجريمة هي سياسية بامتياز وقد حصلت بعد انضمام الرئيس رفيق الحريري إلى المعارضة اللبنانية المطالبة بانسحاب سوريا من لبنان في تجمّع "البريستول-3". وأضافت أن المستفيد السياسي من هذه الجريمة على الساحة اللبنانية كان حزب الله وسوريا.
لقد فتح حكم المحكمة ملف شراكة حزب الله في بناء الدولة بوصفه حزب قاتل لقادة شركائه في هذه الدولة، الامر الذي يستدعي السؤال: كيف يمكن الاستمرار بالشراكة معه بدون خطر المواجهة مع المجتمعين العربي والدولي؟
كما أن تقاعس الدولة اللبنانية بأجهزتها الأمنية والقضائية عن تنفيذ حكم المحكمة الدولية يطرح سؤالاً آخر: هل يمكن للمواطن اللبناني، بعد أن تبيّن له فشل هذه الدولة في تأمين أساسيات حياته من خدمات وأمن، أن يستمر بحياته الطبيعية وكأن شيئاً لم يكن؟ أو أن العصيان المدني العام سوف يكون أمراً لا مفر منه في مستقبل اللبنانيين القريب أو البعيد؟!
موقع صدى البلد- مصر