ما زال "حزب الله" يعلن الموقف الذي سبق لامينه العام أن أعلنه قبل أشهر بعد انطلاقة ثورة 17 تشرين الاول، وهو ان الحزب بمؤسساته المباشرة، خارج الازمة النقدية التي تتمثل بتراجع سعر صرف الليرة أمام الدولار الاميركي. وقد كرر هذا الموقف بالأمس في اوساطه الاعلامية بالقول "أن اموال الحزب تصله بالدولار، وينفقها المنتسبون إليه في السوق المحلية، ما يخفف الضغط عن الليرة، ولو بنسبة قليلة".
يرى المراقبون عند النظر الى القسم الملآن من الكأس، أي في ضخ الحزب العملة الخضراء في السوق المحلية، أنه أمر مرحب به من حيث المبدأ، باعتبار ان هذه الخطوة تترجم القول الشعبي المأثور "الكحل ولا العمى" الى أفعال. لكن هل يكفي هنا القول مع الحزب ان "ما ينفقه المنتسبون إليه في السوق المحلية، ما يخفف الضغط عن الليرة "؟
في رأي خبراء تمرسوا بالشأن العام منذ أكثر من 30 عاما، ان ما يواجهه لبنان اليوم هو أزمة أعمق بكثير من كلام الحزب أو سواه . وليس هناك ما يدلّ على هذه الازمة أفضل من "ميزان الحرارة" الخاص بقياسها، أي مراقبة ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة التي يبدو ان انحدارها مستمر من دون توقف. ويخشى هؤلاء الخبراء ان يكون الاعظم آتيا إذا ما بقيت المعالجات مرتبطة بسلطة تتكلم ولا تفعل.
يترحّم الخبراء اليوم على الرئيس عمر كرامي الذي كان حكيما بما فيه الكفاية ليقدّم استقالته في مطلع التسعينيات من القرن الماضي عند انهيار سعر صرف الليرة الى مستوى بلغ نصف ما وصل اليه الانهيار اليوم. فهل يحذو الرئيس حسان دياب حذو السلف الصالح؟
مشكلة لبنان العميقة هي في إمساك "حزب الله" بقرارات هذا البلد بما فيها القرار المالي. وتبعا لقراءة احد المحللين المعتمدين في موقع "العهد" الالكتروني التابع للحزب، يتمسك الاخير ببقاء الحكومة ورئيسها مهما كان الثمن. فهو يصف التفكير في إتباع آليات العمل في النظام البرلماني بأنه "مناورة لإسقاط الحكومة وبالتالي إسقاط العهد، بهدف الإتيان بحكومة مرتهنة وعهد ضعيف!"
الازمة المالية مع غيرها من الازمات مستمرة الى ما شاء "حزب الله". وما يثير الاستغراب ان الحزب الذي رضع منذ ولادته من شعار "الموت لاميركا"، يتباهى بحصوله على الدولار وليس على الليرة الايرانية (الريال). فهو ان فعل سيجد امامه عملة وصل سعر صرفها الى الحضيض. فوفق أخر تسعيرة رسمية لها بلغ سعر الدولار أكثر من 42 الف ريال.
الاباء المؤسسون للولايات المتحدة الاميركية اختاروا عبارة IN GOD WE TRUST ليطبعوها على دولارهم وبقي على هذه الحال منذ نهاية القرن الثامن عشر. لكن "حزب الله" اختار الدولار وحده لا شريك له في الايمان وسط ازمة لا يحلّها إلا الدولار. ليته يكمل المعروف فيترك لآليات الحكم السليم ان تقوم بواجباتها.
احمد عياش - النهار