الأربعاء 25 مارس, 2020
من المسلَّم به ان قضية الحدود البرية والبحرية والجوية لكل دولة هي مسألة بالغة الأهمية. ونذكّر في هذا المجال بقول الباحث الألماني هاوز هوفر: الدولة هي حدودها. بالنسبة الى الحدود البحرية، اتفق الباحثون على انها تعيّن المدى المائي الذي تمارس عليه الدولة سيادتها كما على اليابسة من أراضيها. وبعدما كانت في الماضي على بُعد يراوح ما بين 2 و5 كلم عن الشاطئ، فقد أصبحت حدود المياه الإقليمية تصل الى 12 ميلاً بحرياً (■) انطلاقاً من "خط الأساس البحري" على الشاطئ، أي الخط المستقيم الذي يصل بين رؤوس النقاط البارزة لشاطئ الدولة المطلة على البحر.
في مطلع القرن العشرين أخذ الحوض الشرقي للبحر المتوسط يعرف أهمية متزايدة بفعل التنقيبات النفطية والغازية الجارية فيه من تركيا شمالاً الى مصر وليبيا جنوباً.
أولاً: إشكالية الحدود البحرية:
بالنسبة الى حدود منطقتنا البحرية يمكن ان نورد النقاط الآتية:
- بدأت الدولة اللبنانية بالمبادرة الى ترسيم حدودها البحرية مع قبرص وسوريا وإسرائيل عام 2002.
- في العام 2007 وقّع لبنان مع قبرص اتفاقية لترسيم الحدود البحرية اعتمد فيها خط الوسط، مع ان الدول القارية، بحسب القانون الدولي، لها مساحة اقتصادية بحرية تتجاوز تلك التي تخص دول الجزر البحرية المقابلة. إضافة الى ذلك بين النقطتين1 جنوباً و6 شمالاً حصل تراجع عن الحقوق اللبنانية. (الخبراء اللبنانيون كانوا من وزارة الاشغال وكان محمد الصفدي وزيراً لتلك الوزارة).
- لكن لم يلبث خبراء من الجيش اللبناني - مديرية الشؤون الجغرافية - ان قاموا بتعديل نقطة الحدود الجنوبية، فعدّلوا النقطة رقم 1 بالنقطة 23.
- في 14 تموز أودع لبنان الأمم المتحدة وقبرص احداثيات حدوده البحرية المعدّلة. لكن قبرص بادرت الى توقيع اتفاق (بتاريخ 17 كانون الأول 2010) مع إسرائيل انطلاقاً من النقطة 1 بدلاً من النقطة 23. وقد قامت إسرائيل بتاريخ 12 تموز 2011 بترسيم حدودها مع لبنان حيث ضمّت مساحة لا تقل عن 860 كلم2 من المنطقة البحرية اللبنانية.
- في العام 2011 أصدرت الحكومة اللبنانية المرسوم الرقم 6433 الذي تضمّن حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة مع سوريا وقبرص وإسرائيل.
- يحق للبنان ان يحتسب المساحة البحرية بناء على طول الشاطئ المتعرج، ولكن تم احتساب هذه الحقوق بناء على الخط المستقيم الذي أفقدنا ما يعادل نحو 15% منها.
- في ضوء ما تقدم يمكن ان نسجل ما يلي:
المساحة الخالصة للبنان (بالكلم2) حالياً:
17.500 كلم2 طول الساحل بخط مستقيم 169 كلم المساحة الصحيحة 23.632 كلم2
المساحة الخالصة لإسرائيل (بالكلم2): 27.000 كلم2 149 كلم 20.867 كلم2
المساحة الخالصة لقبرص (بالكلم2) 178 كلم 24.889 كلم2
- لم تحصل مفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وسوريا. وقد تحفظت سوريا عن المرسوم اللبناني 6433.
ثانياً: النفط والغاز:
يبدو ان هناك الكثير من الدراسات والأبحاث التي اكدت وجود النفط والغاز في المستطيل المائي لشرق المتوسط، لا بل ان إسرائيل بدأت بخطوات عملية خاصة في حقول leviathan, tanin, tamar, dalit karich. وحقل Aphrodite بالنسبة الى قبرص.
وقبل أيام بدأت شركة توتال الحفر في المربع الرقم 4 اللبناني. ولن أدخل في الكلام عن كميات الغاز والنفط المتوقعة في المربعات اللبنانية العشرة، على امتداد شرق المتوسط، لكن حسبي الإشارة الى ما توصلت اليه مؤسسة رسمية أميركية (3) عام 2010 درست أعماق شرق المتوسط من مصر الى تركيا (83 الف كلم2) فوجدت ان الغاز متوافر بما يساوي أو يزيد على 124 تريليون قدم مكعب من الغاز و1,7 بليون برميل من النفط، وحصة لبنان 24% من هذه الثروة. أي ان حصة لبنان 850 مليار م3 من الغاز قيمتها 1700 مليار$، و425 مليون برميل من النفط قيمتها 21 مليار$ تقريباً. واذا كان من المفترض ان تحصل الدولة على 40% من شركات التنقيب، فهذا يعني انها تحصل على 700 مليار$ بحسب أسعار هذه الأيام، ومن النفط يمكن ان تحصل على 10 مليارات $. على صعيد تطور مسألة استغلال لبنان للثروة النفطية والغازية يمكننا عرض ما يلي:
- منذ العام 2002 بدأ المسح للشاطئ اللبناني.
- في 2010/8/24 صدر القانون الرقم 2010/132 وهو قانون جيّد على ما يقول معظم الخبراء.
- في العام 2013 حصل تأليف الهيئة الناظمة لقطاع البترول.
- في العام 2017 صدر المرسوم 2017/43. وقد ورد في المادة الخامسة منه: "لن يكون للدولة مشاركة في دورة التراخيص الأولى".
- يعتبر الخبراء الوطنيون أمثال د. نقولا سركيس ان المرسوم مناقض للقانون، وانه يعني "تنازلاً كارثياً عن حقوق ملكية الدولة على النصيب الذي يعود لها من الإنتاج. فاذا اعتبرنا على سبيل المثال ان نصيب الدولة المتفق عليه هو 4% من مجموع بترول وغاز مكتشف قيمته 50 مليار دولار في رقعة من العشر رقع البحرية، فهذا يعني بالعربية الفصحى خسارة ملكية نصيب يعود للدولة في ظل المشاركة الفعلية قيمته 20 مليار دولار"، بينما المشاركة التي نص عليها قانون البترول – والتي تمارسها أكثر من 70 دولة في العالم – تعني مشاركة فعلية في كل العمليات الصناعية والتجارية.
- ان تطبيق المرسوم 43 يؤدي الى رسم رمزي واتاوة من أتعس ما يكون على الغاز، اذ انها لا تتجاوز 4% من قيمة الإنتاج (أي اقل من ثلث نسبة 12.5% التي تبنتها إسرائيل مثلاً والتي تشكل المعيار السائد في العالم)، وضريبة دخل 20% مقابل معدل 26% في البلدان الأخرى. واستناداً الى هذه المعطيات يتبيّن ان حصة لبنان خلال السنوات الأولى من الإنتاج ستراوح في حدود 47%. هذا في أفضل الحالات، أي في حال قدمت الشركات ارقاماً حقيقية عن حساباتها وارباحها، من دون ان ننسى إمكان إعلانها عن خسائر، مما لا يترك للبلد المضيف سوى الاتاوة الهزيلة المذكورة أعلاه. يبقى ان حصة الـ 47% التي يمكن تأملها في أحسن الحالات هي أدنى بأشواط من حصة 65-85% التي تحصل عليها الدول التي تطبق نظام تقاسم الإنتاج الذي نص عليه القانون البترولي اللبناني قبل ان يزوّره المرسوم 2017/43.
- من الأهمية بمكان الاستمرار بتمثّل التجربة النروجية في موقفها حول الصندوق السيادي.
- ضرورة وضع خطة على المديين المتوسط والبعيد على صعيد تحضير الكوادر البشرية (معاهد متخصصة ومراكز أبحاث) وتحضير الأسواق، ومصانع البتروكيماويات وخطوط النقل وما اليها، مع ضرورة اصلاح مصفاتي طرابلس والزهراني وتأهيلهما.
- إبعاد السياسة عن هذا الملف وتكليف مسؤولين اكفّاء إدارة هذا القطاع.
- الاهتمام بالبترول في البر. فقد بيّن البروفسور العالِم داني عازار (الأستاذ المميز في الجامعة اللبنانية) ان هناك مناطق لبنانية عدة تحتوي على النفط وبخاصة الصخري منه.
- لقد "دفشت" إسرائيل توتال 25 كلم في البلوك 9، وهي تعمل في كاريش على بعد 4 كلم من حدودنا. مع العلم ان مسؤول النفط الإسرائيلي صرّح بان المنطقة 9 تنطوي على ثروة (نفط – غاز) لا تقل قيمتها عن 74 مليار $.
- إيجاد مخططات لمدن صناعية للمنتجات النفطية (ادوية، اسمدة الخ...)
- محاولة عدم الدخول في الصراع الدولي المحتدم حول استغلال حقول النفط اللبناني والانفتاح على الأوروبيين والأميركيين والروس والصين وربما غيرهم.
في الخلاصة إما ان ندخل هذا القطاع في نفق الفساد الداخلي الذي نعاني من نتائجه، وإما ان نحافظ عليه كقاعدة لمواجهة مصاعبنا الاقتصادية وتأمين مستقبل واعد لأجيالنا القادمة.
وكذلك إما ان ندخل في لعبة الأمم الإقليمية والدولية ونكون أدوات لمطامعها في ثرواتنا، فنودي بالوطن الى الانهيار، وإما ان نحافظ على استقلالنا وسيادتنا ونستغل ثرواتنا لمصالح شعبنا، وهذا هدف حركتنا الثقافية وعاميتنا الكبرى. وبذلك نبني للإنسان وحقوقه وللبنان وقوة دولته ومجتمعه في المئوية الثانية لذكرى اعلان دولة لبنان الكبير.
■ الميل البحري يساوي 1852م.
الدكتور عصام خليفة
النهار