يأتي رحيل عبد الحليم خدام بعد عمر مديد، والعالم مشغول بوباء كورونا. لكن ذلك، لم يمنع من أن يأخذ الرجل حيّزا من اهتمام إعلامي في مناطق كانت مسرحا لنشاطه على مدى عقود. ولا جدال في أن شخصية الراحل، كانت ولا تزال مثيرة للجدل . من هنا يمكن فهم ان معظم ما كتب عنه في الثماني والاربعين ساعة الماضية، جاء ضمن تصفية حساب مفتوح منذ نهاية العام 2005 عندما قرر خدام الانشقاق عن نظام الاسد في زمن الابن بعدما أمضى مع النظام قرابة 35 عاما.
قبل بضعة أسابيع من موعد إعلان المحكمة الدولية الخاصة بلبنان حكمها النهائي في جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري، أغمض خدام عينيه الى الابد. علما أن بقاءه على قيّد الحياة حتى موعد صدور هذا الحكم لو حصل، لكان بالنسبة اليه "نبأ سارا" وفق توصيف اوساط سياسية من قوى 14 آذار. إذ ان نائب الرئيس السوري، أيام حافظ الاسد ومن بعده إبنه بشار وعلى مدى عقود، كرّس ما تبقى له من عمر في منفاه الباريسي رافعا لواء قضية الرئيس الشهيد. ودعت هذه الاوساط الى مراجعة ما صدر عن خدام منذ انشقاقه عن نظام الاسد أي قبل 15 عاما والى وقت قريب من وفاته، ليتبيّن ان اغتيال الحريري احتل القسم الاعظم مما كتبه وأدلى به من مواقف.
كان متوقعا من كل الاطراف التي تضررت من انشقاق خدام، أن تشن عليه حملات لمناسبة الاعلان عن وفاته وتحديدا في دمشق وطهران. لكن الطريقة التي تعاملت بها إيران مع هذه المناسبة تأثرت بما سيصدر عن المحكمة الخاصة والتي من المؤكد أنها ستدين "حزب الله" بارتكاب الجريمة التي نفذها أفراد في الحزب وبينهم قيادي بارز هو مصطفى بدر الدين. وفيما يأتي بعض ما ورد في نبأ وكالة "مهر" التي تنطق بإسم النظام الايراني حول وفاة خدام:
"في أغسطس (آب) 2008، أصدرت المحكمة العسكرية الجنائية الأولى بدمشق، 13 حكما غيابيا على خدام بالسجن لمدد مختلفة أشدها الأشغال الشاقة المؤبدة مدى الحياة وذلك بتهم مختلفة أبرزها "الافتراء الجنائي على القيادة السورية والإدلاء بشهادة كاذبة أمام لجنة التحقيق الدولية بشأن مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري”، كما اتهمته "بالمؤامرة على اغتصاب السلطة وصلاته غير المشروعة مع العدو الصهيوني، ودس الدسائس لدى دولة أجنبية لدفعها على العدوان على سوريا".
في لبنان، ظهر أيضا "تصفية الحساب" في مقدمة نشرة الاخبار لقناة "أو تي في " التابعة ل"التيار الوطني الحر" الذي يرأسه الوزير السابق جبران باسيل. فقالت: "الخدامية السياسية" باقية وتتمدد! رحل عبد الحليم خدام في باريس اليوم، لكنَّ "الخدَّامية السياسية" باقية وتتمدد في بعض الاوساط اللبنانية، والشواهد اليومية في المواقف والممارسات، تدحض شك البعض باليقين. رحل عبد الحليم خدام، لكن الشهداء والضحايا لا يرحلون، والتاريخ لا يرحل... أما حكم التاريخ حول مرحلة كان نجمها قبل الأفول، فيتطلب قراءة موضوعية للظروف والخلفيات، بعيدا من أي تشفٍ او انتقام... فالشعوب التي تعيش في ماضيها، لا تتعلم منه، بل تكرر الاخطاء."
قد نكون بحاجة الى معجم لشرح ما هو مضمر في هذه المقدمة. لكن اوساط قوى 14 آذار تختصر الامر بالقول "ان هناك فارقا بين خدام الذي مات في منفاه الباريسي وبين زعيم التيار العماد ميشال عون الذي أمضى المدة نفسها التي أمضاها خدام، أي 15 عاما. فالاول بقيّ في المنفى، بينما عاد الثاني منه عبر بوابة النظام السوري ليعقد تفاهما مع حزب الله".
تقول شخصية سياسية بارزة من حقبة الرئيس رفيق الحريري ل"النهار" ان العالم العربي فقد "أهم شخصيتيّن ولم يحل مكانهما بعد ما يملأ الفراغ الناجم عن غيابهما هما: وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل وخدام". ولفتت هذه الشخصية الى أن "فضل الرجليّن على لبنان لا يقدّر بثمن، فهما عملا معا لكيّ يبصر إتفاق الطائف النور إنطلاقا من وزن المملكة وسوريا في الوصول الى هذا الاتفاق".
بدوره يقول رئيس المركز اللبناني للابحاث والاستشارات حسان قطب ل"النهار" ان الرئيس رفيق الحريري كان "قويا الى حد انه لم يعد يناسب النظاميّن السوري والايراني". ورأى ان خادم وبعدما "فلت الملقّ أيام بشار الاسد لم يعد قادرا على الاستمرار في العمل في سوريا، وهو كان قبل ذلك شريكا لحافظ الاسد نفسه".
في كتابه الوحيد الذي صدر بعد إنشقاقه عن نظام الاسد عام 2010 وحمل عنوان " التحالف السوري والايراني والمنطقة" كتب خدام: "وجد الرئيس السوري بشار الاسد نفسه (بعد اغتيال الحريري) في عزلة تامة عربية ودولية، كما شعر بجديّة مجلس الامن في كشف الحقيقة فاتخذ قرارا مصيريا بالارتباط بالجمهورية الاسلامية الايرانية، بعد أن تشكّلت لديّه القناعة أن نظامه مهدّد بالسقوط. وفي الوقت نفسه انتاب القيادة الايرانية قلق كبير من سقوط النظام الذي شكّل قاعدة لها للامتداد في لبنان وفلسطين وفي العراق".
في الخلاصة: لم تعد الطريقة التي تعاملت بها وسيلة الاعلام التابعة للنظام الايراني مع نبأ وفاة خدام موضع تساؤل بعد كل ما سلف. وبالتالي، سيكون هناك الكثير من نوعية كلام الوكالة الايرانية في ايار عند صدور حكم لاهاي في جريمة اغتيال رفيق الحريري!
احمد عياش - النهار