هل السعودية مسؤولة عن «الأزمة في لبنان»؟ - ايلي القصيفي
اختار وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان عباراته بدقّة عندما قال في تصريحين إنّ "الأزمة ليست بين السعودية ولبنان وإنما هناك أزمة في لبنان".
هذا الموقف الذي يلخّص القراءة السعودية للأزمة اللبنانية لم يأخذ حيزّاً كافياً من الاهتمام السياسي والإعلامي في لبنان، ولاسيّما لدى المسؤولين اللبنانيين وفي مقدمتهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي يكشف تصريحه عقب استقالة جورج قرداحي إنّه ما يزال يحاول تدوير الزوايا في التعامل مع الموقف الخليجي من الوضع اللبناني.
قال ميقاتي إنّ "هذه الإستقالة كانت ضرورية ومن شأنها أن تفتح باباً لمعالجة إشكالية العلاقة مع الأشقاء في المملكة ودول الخليج، بعد تراكمات وتباينات حصلت في السنوات الماضية". ومن الواضح أنّ رئيس الحكومة لم يتطرّق بأي شكل من الأشكال إلى "الأزمة في لبنان" التي تحدّث عنها بن فرحان والمتمثلة بهيمنة حزب الله على لبنان. وإنمّا اكتفى بالحديث عن "إشكالية العلاقة مع الأشقاء في المملكة ودول الخليج". وكأنّ معالجة هذه الإشكالية ممكنة من دون معالجة "الأزمة في لبنان".
الواقع أنّ ميقاتي ليس المسؤول والسياسي الوحيد الذي يحاول الإلتفاف على الأزمة الرئيسية في لبنان، بل إنّ كلّ الأحزاب والسياسيين الطامحين للوصول إلى السلطة، أي لمشاركة حزب الله في السلطة، يحاولون التملص ليس من معالجة أزمة هيمنة حزب الله على الدولة والحياة السياسية في لبنان بل حتّى من طرح هذه الأزمة وجعلها بنداً أولاً في خطابهم وجدول أعمالهم السياسي. فهناك تطبيع سياسي مع هذه الهيمنة التي يفضّل أصحاب نظرية الواقعية السياسي وصفها بأنّها أمر واقع لا مفرّ من التأقلم معه وليست أزمة بفترض معالجتها.
بالتالي فإنّ قراءة البند المتعلق بلبنان في البيان المشترك الصادر عقب لقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سليمان بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يجب أن تأخذ في الإعتبار أنّ القراءة السعودية للوضع اللبناني التي لخّصها الوزير بن فرحان لم تتغيّر لأنّ أسبابها لم تتغيّر. فاستقالة قرداحي لا تعني أنّ هيمنة حزب الله وإيران على لبنان قد أصبحت من الماضي. أو أن حزب الله اقتنع أنّ محاولاته المتواصلة لفرض شروطه على الدولة والحياة السياسية دمّرت الدولة والحياة السياسيّة في لبنان، وبالتالي لا بدّ له أن يُقلع عن هذه الشروط. كذلك فإنّ هذه الاستقالة لم تقنع القوى السياسية الرئيسية بأنّ الوقت قد حان لطرح "الأزمة في لبنان" على بساط البحث.
كلّ ذلك قبل الحديث عن تدخّل الحزب في حروب المنطقة من سوريا وصولاً إلى اليمن، وعن تحويله لبنان إلى قاعدة لوجستية وعسكرية وأمنية لتنفيذ الأجندة الإقليمية الإيرانية من سوريا إلى اليمن.
فلو لم يقوّض الحزب الدولة اللبنانية ويطوّع الحياة السياسية لما كان في إمكانه الذهاب للقتال في كلّ المنطقة ولما كان في إمكانه تحويل لبنان منطلقاً للسياسات الإيرانية. فشرط تنفيذ سياساته تلك وبهذه السهولة كان إسقاط الدولة وتدجين القوى السياسية من خلال قبوله وصولها إلى السلطة مقابل سكوتها عن هيمنته على لبنان.
في المقابل فإنّ الأمين العام لحزب الله، وإنكاراً لـ"الأزمة في لبنان"، يقول إنّ السعودية تواجه المقاومة في لبنان وليس حزب الله كحزب سياسي. فأي مقاومة هذه التي تعبر الحدود الوطنية للقتال في سوريا والعراق واليمن... وصولاً حتّى قبل سنوات إلى البوسنة والهرسك؟!
وأي مقاومة هذه التي استخدمت سلاحها في الداخل اللبناني في 7 أيّار 2008؟ ومعلومٌ أنّ الحزب مستعدًّ لاستخدام سلاحه في أي لحظة لتحقيق أجندته السياسية؟
فهل تكون مشكلة سلاح حزب الله إذاً مشكلة سعودية بالدرجة الأولى أم مشكلة لبنانية أولّا؟ وبالتالي هل إنّ حلّ هذه المشكلة هي مسؤولية سعودية أو عربية أو دولية بالدرجة الأولى أم هي مسؤولية لبنانية أولاً؟
وإذا كان حزب الله يربط كلّ سياساته بالمقاومة فقد آن الآوان لسؤاله عن هذه المقاومة، ولاسيّما بعدما باشر لبنان مفاوضاته المباشرة مع إسرائيل برعاية أميركية وأممية لترسيم الحدود البحرية؟ وفي مطلق الأحوال فإنّ مقاومة حزب الله المدعومة من إيران لا يمكن أن تبقى إلى أبد الآبدين خارج النقاش الداخلي، إذا كان حزب الله وسائر الأحزاب والشعب برمّته يريدون فعلاً أن يكون للبنان مستقبلاً أفضل من حاضره ومن ماضيه القريب الذي أدى إلى هذا الحاضر.
لكن من الواضح أن حزب الله غير مستعد لمناقشة مسائل أقلّ أهمية بالنسبة إليه من موضوع مقاومته، فكيف بمناقشة موضوع هذه المقاومة؟ أي أنّه يرفض أي نقاش لبناني لمعالجة هذه "الأزمة في لبنان". ذلك لأنّه يريد ببساطة أن تظلّ هذه الأزمة قائمة، أي أنّه يريد إدامة هيمنته على لبنان. وهو يعلم أن شرط هذه الهيمنة هو قتل السياسة في لبنان والتي لا قيامة لها من دون طرح أزمة هذه الهيمنة ومحاولة ايجاد حلول داخلية لها وعن طريق السياسة لا العنف.
لذلك فإنّ البيان السعودي - الفرنسي المشترك الذي شدّد على "الإلتزام باتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان وعلى ضرورة حصر السلاح بمؤسسات الدولة الشرعية، وألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية تزعزع أمن واستقرار المنطقة ومصدراً لتجارة المخدرات، وعلى أهمية الحفاظ على استقرار لبنان واحترام سيادته ووحدته بما يتوافق مع قرارات مجلس الأمن 1559 و1701 و1680 والقرارات الدولية ذات الصلة"، كلّ ذلك يشكّل الإطار السياسي الموضوعي الداخلي لطرح مشكلة حزب الله كأولوية سياسية، إن لم يكن من داخل المؤسسات - وهذا وجه رئيسي من وجوه الأزمة – فمن خارجها، ولكن بشرط أن لا تؤدي طريقة طرح هذه المشكلة إلى تعميقها واستفادة حزب الله من طرحها!