احمد عياش - النهار
الاطلالة الغاضبة للامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله يوم الجمعة الماضي، كشف الاخير عن بعض أسبابها، فيما بقيت أسباب أخرى بعيدة عن الاضواء. وفيما بدا ما هو معلن على لسان نصرالله، انه على مستوى من الاهمية، خصوصا ما يتعلق بـ"الصواريخ" الدقيقة، تشير المعلومات المتوافرة الى ان هناك تطورات مهمة أيضاً حصلت في الاشهر القليلة الماضية، دفعت "حزب الله" الى التحضير لمواجهتها بقرار من طهران، قبل فوات الاوان، في زمن هبوب رياح التغيير على المنطقة. فما هي هذه التطورات؟
في معلومات لـ"النهار" ان لقاء عقده الامين العام لـ"حزب الله" قبل أيام، مع مرشح بارز لرئاسة الجمهورية جرى خلاله التطرق الى عدد من العناوين شملت في شكل اساسي ملفات الجيش وقوى الامن ومصرف لبنان، وتأثير هذه المؤسسات على واقع البلاد في حال طرأت احداث دراماتيكية بدّلت من موازين القوى الحالية التي تثبت رجحان نفوذ الحزب ومن ورائه إيران في لبنان. وبدا من الحوار الذي دار في هذا اللقاء ان هناك حاجة الى تحجيم رؤوس المؤسسات الثلاث وصولاً الى إستبدالها بما يضمن وصول قادة جدد يتناغمون مع مستقبل لبنان في حال تعرّض لهجوم لتصفية النفوذ الايراني في هذا البلد. ولفت أصحاب هذه المعلومات الى ان السيناريو الايراني الجاري إعداده لملاقاة هذا الهجوم المحتمل، هو تكرار سيناريو غزة حيث سيطرت حركة "حماس" عام 2007 على القطاع بعد تصفية نفوذ حركة "فتح". غير ان السيناريو الايراني الخاص بلبنان يأخذ في الاعتبار خصوصية هذا البلد بحيث ان رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، الذي هو في مرتبة رئيس الجمهورية هناك، سيكون بنسخته اللبنانية مارونياً.
قد تبدو هذه المعلومات "مفاجئة" وعصية على التسليم بها حالياً، لكن هناك معطيات ديبلوماسية معروفة في دوائر رسمية تعطي هذه المعلومات صدقية. ووفق ما علمته "النهار" من مصادر ديبلوماسية ان جهات اوروبية وفي مقدمها فرنسا، قامت بمسعى في لبنان قبل أشهر من دخول مساعد وزير الخارجية الاميركية ديفيد ساترفيلد على خط الوساطة بين لبنان وإسرائيل، تحت عنوان "ترسيم الحدود بين البلديّن، فنقلت تحذيراً إسرائيلياً مرفق بوثائق حول وجود منشآت إيرانية للصواريخ الدقيقة في لبنان يديرها "حزب الله" في مناطق نفوذه. ولم تنجح باريس في وساطتها، الى ان تجددت المساعي عبر المسؤول الاميركي، والتي تحدث عنها نصرالله بإسهاب في كلمته الاخيرة.
وشبّهت المصادر الظروف التي يجتازها لبنان بتلك التي عاشها هذا البلد عام 2004 التي شهدت صدور القرار الدولي الشهير الرقم 2004، لكي يقطع الطريق على فرض مرشح النظام السوري، العماد أميل لحود، رئيساً للجمهورية، ما أدى في تداعياته الى إخراج قوات هذا النظام من لبنان بعد نفوذ إستمر نحو 30 عاما. أما اليوم، فيبدو ان البند المؤجل من القرار الدولي والخاص بتجريد "حزب الله" من سلاحه قد اقترب اوانه لإرتباط هذا السلاح بالنفوذ الايراني في المنطقة. وإذا كانت المواجهة الاميركية - الايرانية تتمحور راهناً حول هذا النفوذ والمشروع النووي للجمهورية الاسلامية، فإن ترسانة "حزب الله" من الصواريخ الدقيقة التي جاهر الاخير بإمتلاكها، ستجعل عنوان المرحلة هو إخراجها، بالقرار 1559 نفسه، فنكون امام قرار موجّه لطهران، مثلما كان هذا القرار موجها عام 2004 لدمشق.
وفي سياق متصل، تلقت اوساط رسمية، وفق معلومات "النهار"، سلسلة تقارير ديبلوماسية، مفادها ان إيران لن تحتمل طويلاً بقاء المواجهة بينها وبين الولايات المتحدة الاميركية، في إطار العقوبات الاقتصادية. كما ليس بمقدور طهران إنتظار خروج الرئيس الاميركي دونالد ترامب من البيت الابيض السنة المقبلة، إذا ما إفترضنا ان الرئيس ترامب لن يحظى بولاية رئاسية ثانية، لأن حجم العقوبات التي تواجهها إيران تتفوق على قدرة إحتمالها حتى موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية. وتخلص هذه التقارير الى ترجيح وقوع صدام عسكري في المرحلة المقبلة، ما يؤدي الى الخروج من الحلقة المفرغة الى حلقة حلول معيّنة.
وأدرج المراقبون في هذا السياق، ما قاله نصرالله في "يوم القدس" والذي سيبقى موضع المتابعة في هذه المرحلة، لا سيما عندما قال "إن الحرب على إيران لن تبقى عند حدود إيران، إن الحرب على إيران يعني كل المنطقة ستشتعل، وكل القوات الأميركية والمصالح الأميركية في المنطقة ستباد، وكل الذين تواطأوا وتآمروا سيدفعون الثمن، وأولهم إسرائيل وآل سعود...".
وليس بعيداً عن هذا السياق، النبأ الذي اورده موقع "روسيا اليوم" الالكتروني قبل ايام نقلا عن وسائل إعلام إسرائيلية التي قالت إن تدريبا عسكريا دوليا اختتم في قبرص، بمشاركة قوات من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسرائيل واليونان. ووفقا لما أعلنه الجيش الإسرائيلي، فإن قواته "تدربت على إجراء عمليات خاصة، وعمليات كوماندوز تستغرق ليلة واحدة في جنوب لبنان، لعشرات المقاتلين، وتضمن التدريب بما في ذلك، مواجهة مسلحة في مواقف استثنائية، وحالات يسودها عدم اليقين".
باب المفاجآت في لبنان والمنطقة مفتوح على مصراعيّه. وما يجري حاليا من إشتباك سياسي داخلي، ليس سوى تعبير عن مناخ المفاجآت. وقد لا يكون الوقت بعيدا فيقرأ اللبنانيون بإهتمام ان المرشح الرئاسي الذي ورد ذكره في مستهل هذا الموضوع، سيظهر إسمه على لائحة الممنوعين من دخول الولايات المتحدة الاميركية في شكل مطلق لإرتباطه بمن صنفتهم واشنطن في وقت سابق، بـأنهم "إرهابيون" في بيروت وطهران على السواء!