ما زال "حزب الله" رسميا يعلن انه خارج الازمة المالية التي تعصف بلبنان. لكن تطورات حدثت في بداية الشهر الجاري تشير الى ان الحزب مثله مثل سائر الاطراف في هذا البلد يواجه تبعات هذه الازمة. فهل ستؤدي هذه التطورات الى تغيير في سلوك هذا التنظيم في المدى المنظور؟
في إطلالته الاخيرة في الرابع من الشهر الجاري، أعلن الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله ان حزبه لا صلة له بالفوضى التي تعم سوق صرف الليرة قائلا: "نحن لا نغطي أحداً أبداً، أي أحد يخالف القانون نحن لا نحميه، وكل ما يقال في هذا الموضوع كلام فارغ." وقال: " نحن لا نجمع الدولار ولا نصدّر الدولار لا إلى سوريا ولا إلى إيران، أذهبوا ودققوا واسألوا الصرافين والبنوك وحاكميّة مصرف لبنان تعرف أننا نحن ندخل الدولار إلى البلد نحن لا نصّدر الدولار من البلد، لا أريد أن أقول في هذه النقطة أكثر من ذلك، لأنه ممكن أن تحصل سلبيات... في مرحلة من المراحل وحتى هذه اللحظة يمكن ان يكون دورنا الإيجابي أن سعر صرف الدولار لا يرتفع بشكل كبير وجنوني".
اوساط شيعية متابعة قالت لـ"النهار" ان ما ورد في الكلام الاخير للأمين العام للحزب يؤكد ما سبق من معلومات ان هذا التنظيم يمتلك إحتياطيا من العملات الصعبة وفي مقدمها الدولار وذلك قبل وقت طويل نسبيا من اشتداد أزمة هذه العملات في السوق المحلي. ولذلك، بادر الحزب الى صرف عشرات الالاف من الرواتب لعناصره بالعملة الخضراء منذ نشوب الازمة في الشهور الاخيرة من العام الماضي. وبقي الامر على هذا المنوال حتى مطلع الشهر الجاري عندما فوجئ هؤلاء العناصر بتحويل مستحقاتهم الى الليرة على أساس سعر صرف هو 2600 ليرة لكل دولار. وتضيف هذه الاوساط: "على رغم ان اعتماد الدوائر المالية في الحزب على سعر الصرف هذا، فأنه يمثل منطقة وسطية بين سعر الصرف الرسمي الذي لا يزال نحو 1500 ليرة للدولار الواحد وبين سعره الواقعي الذي تجاوز ال 4 الاف ليرة."
وخلصت هذه الاوساط الى القول: "ان عودة حزب الله الى صرف رواتب عناصره بالعملة اللبنانية خطوة تحمل دلالات وتترك تأثيرات. ولمعرفة أهمية هذه الخطوة يجب تبيان آثارها التي تشمل أكثر من 60 الف راتب تصل الى عائلات يبلغ تعدادها نحو ربع مليون نسمة، ما يمثل ربع الطائفة الشيعية في لبنان. وقبل عودة الحزب الى تسديد الرواتب بالليرة، يمكن للمرء ان يتخيّل ما هو تأثير قبض اكثر من 60 الف عنصر في الحزب رواتبهم بالدولار في وقت واحد والذهاب بها الى سوق الصرف المتعطش للعملة الخضراء ما يشكل مكاسب لكل من يبيع ولمن يشتري الدولارات. لكن هذه المكاسب تترك في الوقت نفسه ضغطا على السعر الواقعي الذي حدده مصرف لبنان قبل أسابيع ألا وهو 3200 ليرة للدولار للذين يتلقون حوالات بالدولار من الخارج عبر شركات الاموال بدلا من تسديدها لهم بالعملة الخضراء. وهكذا، أصاب حزب الله الان عصفوريّن بحجر واحد: فهو من ناحية، لجم نشاط السوق السوداء التي أصابت فيما أصابت الحكومة التي كان الحزب وراء قيامها واستمرارها حتى الان. ومن ناحية ثانية، خفف الحزب نسبيا من حجم فاتورة الرواتب الشهرية مقوّمة بالدولار بشكل يماشي القول الشائع " لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم".
أطل قبل أيام في مقابلة تلفزيونية مستشار بارز للرئيس سعد الحريري قال فيها ان "خطأ" كل من الرئيس الراحل رفيق الحريري ونجله سعد اعتماد قاعدة "أم الصبي" في العمل العام لأنه كان من نتيجة هذا السلوك تحمل الحريري الاب ثم الحريري الابن نتائج الصعوبات التي مرّت ولا تزال على لبنان، وقيام خصومهما على التصويب عليهما بدلا من التنويه بتضحياتهما. وفي هذا الصدد يقول قطب بارز في قوى 14 آذار لـ"النهار"، ان احدا "لا يجهل حجم التضحيات التي قدمها الرئيس الشهيد من أجل لبنان، إلا ان هذا التقدير صار وراءنا الان. يضيف: "بعيدا عن العواطف، لا بد من العودة الى الواقع اليوم الذي يشير الى ان حزب الله وحده من بين سائر القوى على مسرح الاحداث في لبنان يتصرّف من موقع انه مسؤول عن تطور الاحداث من زاوية تأثيرها على نفوذه. في حين ان سائر القوى يتصرفون بسلبية حيال هذه الاحداث، والمثال الاقرب هو عدم تفاعلهم مع الازمة المالية التي تترك آثارها القاسية على كل المواطنين. في حين ان حزب الله بادر ولا يزال الى حماية جماعته على الاقل من هذه الاثار".
وفي سياق متصل، وخلال جلسة حوار جرت بعيدا عن الاضواء، ضمت سياسيين وإعلاميين من إتجاهات عدة، طُرح على بساط البحث مآل الازمة المالية من زاوية ما يمكن للبنان ان يناله من مساعدات من صندوق النقد الدولي. فتبيّن من خلال الآراء التي طرحت ان هناك قاسما مشتركا بينها أن خيار "حزب الله" لا يزال في مكان ما معقودا على عودة الرئيس سعد الحريري الى السراي في حال تفاقمت الازمة المالية أكثر مما هي عليه الان، ولم تستطع حكومة الرئيس حسّان دياب مواجهتها وبلوغ الحلول لها عبر صندوق النقد الدولي. وكان لافتا من بين هذه الآراء ما رواه سياسي معروف بعلاقاته الوثيقة بالحزب حول الظروف التي أوصلت الدكتور دياب الى الرئاسة الثالثة. فقال: "في آخر لقاء قبل ولادة الحكومة الحالية جمع الرئيس الحريري في بيت الوسط مع الحاج حسين الخليل المعاون السياسي لنصرالله، بعد إصرار الحريري على الابتعاد عن السراي، بادر الخليل الى عرض لائحة بالمرشحين المحتملين لكي يترأسوا الحكومة الجديدة. وعندما وصل إسم دياب الى مسامع الحريري قال: ما في مانع".
العبرة فيما سبق ان "حزب الله" هو اليوم كما كان بالأمس الطرف الرئيسي في التحولات. ولا يجد المراقبون غرابة في القول ان عين الحزب مجددا على الحريري إذا ما طرأ ما يستدعي في المرحلة المقبلة عودة الحريري الى السراي.
احمد عياش - النهار