لا يُجادل عاقل ما بأخطاء القطاع المصرفي اللبناني . فالأخير جزء من المشكلة الاقتصادية التي عصفت بلبنان وقذفت به إلى القعر، ناهيك عن سكوته الطويل عن فساد المنظومة السياسية وتورط الجزء الأكبر منها في عمليات فساد مالي. لكنه في المقابل يبقى جزءاً من الحل .
لكن ما يستدعي التفكر ملياً هو الحملة السياسية المركزة على المصارف وعلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة . فهذا يستدعي مجموعة من التساؤلات، التي تؤشر بالوقائع على طموحات سياسية تغييرية عند قوى حزبية لها تأثير واسع على الحكم والحكومة ، وهي على وجه التحديد حزب الله.
فما يحصل في هذا الاطار ليس سهلاً ولا عادياً . كما انه يفرض مقاربة الإفلاس الذي عصف بلبنان من زاوية محض علمية ، وليس من مدخل المناكفات السياسية ، بما هي عادة عند السياسيين اللبنانيين الذين يتوسلون الشعبوية لتجديد حيوية زعامتهم . والواقع العلمي لما حصل يذهب باتجاه أن المصارف اللبنانية لديها ودائع مالية كبيرة، ووظفت غالبيتها بسندات خزينة للدولة اللبنانية وبفوائد مغرية، والدولة التي استدانت لتمويل عجز صرف معظمه على قطاع الكهرباء - خصوصا في العشر سنوات الأخيرة - تمتنع عن إعادة هذه الأموال للبنوك، أو عاجزة، وبالتالي فإن البنوك غير قادرة على تسديد أموال المودعين.
الثابت علمياً واقتصادياً ، انه لا يمكن بحال من الأحوال التسليم بمقولة رئيس الحكومة حسان دياب في أن الأموال تبخرت قبل تشكيل وزارته، ففي ما قاله ارتجال وخفة اقتصادية لا تحتمل ولا تطاق . وإذا تبخرت كيف سيحمي 98 بالمية من هذه الودائع ؟ والسؤال الآخر وهو الاساس : كيف سيحمي ما تبخر؟ . والحقيقة التي يخفيها ويخاغها دياب هي القول بأن هذه الودائع هي ديون مستحقة على الدولة ، والأخيرة عاجزة عن السداد .
وعلى قول الخبير الاقتصادي كمال حمدان ، فان الدول لا تفلس لأن لديها ملاءة عقارية ومرافق استثمارية منتجة، ناهيك عما تحوزه من احتياطي ذهب وتقدر قيمته بما يزيد على ال 17 مليار دولار ، حتى ولو كان لهذا الذهب حصانة سيادية .
أمام هذه الوقائع ، ينبغي الوقوف ملياً أمام أدوار حزب الله المشبوهة مالياً والتي بدأت منذ وقوعه تحت العقوبات الاميركية قبل سنوات وصولاً الى قدرة استثنائية لديه على التحكم في قطاع الصيرفة ، وكانت أوضح تجلياتها تلك التي سادت قبل أيام من اندلاع انتفاضة 17 تشرين الأول من العام الماضي. وهذا الحال يعني شيئاً واحداً أن الحزب لديه في الحد الأدنى طموح الدخول الى النظام المصرفي شريكاً، مستنداً الى قاعدة طائفية تقول أن "الشيعة" من كبار المودعين فلماذا لا يصبحون من كبار المساهمين . وكحدٍ أقصى فإن لدى الحزب مشروعاً تغييرياً للنظام المالي ـ المصرفي والاقتصادي القائم في لبنان.
عليه ، فان الحزب يعمل على زيادة السيطرة على القطاع المصرفي، وصولا إلى حد تنفيذ أجندة من طبيعة سوفياتية إذا صح التعبير وعكسها امين عام الحزب نفسه عندما نادى بالتحول إلى "خرافة الصين ونموذجها" ، وكذلك عكسها مقربون مثل النائب جميل السيد والوزير السابق شربل نحاس وكلاهما في فلك الحزب .
أماما هذا الحال ، وفيما البلد ينزف من سائر جسده السياسي والامني والاقتصادي هل سيسكت اللبنانيون عن الهجوم بهدف السيطرة على القطاع المصرفي وهو ثاني أهم القطاعات القادرة والمستقلة بعد الجيش والمرسسات الأمنية ؟ . لقد سكت اللبنانيون عن قصد وعن عكسه، أو قل تغاضوا نوعاً ما عن خروج حزب الله الى ما وراء الحدود لمؤازرة الأحلام الايرانية في سوريا والعراق واليمن وكانت الكلفة باهظة وعالية وتمثلت بقطع كل وشائج الصلة بمحيطه وحاضنه العربي ، ناعيك هن وضع البلد في مواجهة دولية كبرى لا زالت أكلافها تنسحب على المقيمين والمغتربين .
ما يتبدد حالياً هو جنى أعمار اللبنانيين وعرقهم ، وكذلك ثقة عربية وأجنبية بنظامنا المصرفي. وإلى الآن ، فان حكومة اللون الواحد ترفض حتى الآن طلب مساعدة صندوق النقد الدولي .
كمال الأسمر – كاتب سياسي