ما من مبرر اقتصادي أو نقدي في سوق العرض والطلب يُفسر الارتفاع الجنوني لسعر الدولار مقابل انهيار مُرعب لليرة اللبنانية. لكن هذا الغموض ينجلي بحسب مراقبين اقتصاديين متى جرى تتبع شركات الصيرفة التي تتبع حزب الله أو تلك التي يغطيها ويحميها أمنياً . ذلك أن الارتفاع مُفتعل وسببه يكمن في تحريك حزب الله لسوق الصرّافين ردّاً على التعاميم الأخيرة التي أصدرها المصرف المركزي، والتي رأى فيها الحزب ضربة مركزةً ضد سياسته المالية التي تسعى للسيطرة على العملة الخضراء .
وجاءت سياسة حزب الله هذه رداً على المصرف المركزي الذي أصدر مؤخراً عددًا من التعاميم التنظيمية ومنها: "تعميمٌ يفرض قبض العميل للتحولات الواردة عبر شركات تحويل الاموال بالليرة اللبنانية، تعميمٌ يسمح لصغار المودعين بقبض ودائعهم تحت الـ 3 الاف دولار بالليرة اللبنانية بسعر الصرف، وتعميمٌ يسمح لجميع المودعين بالدولار الأميركي بسحب 5 الاف دولار شهرياً بالليرة اللبنانية على سعر الصرف. والتعاميم الثلاثة، تهدف إلى منع وصول الدولارات إلى حزب الله عبر الصرّافين.
ومن أبرز مفاعيل هذه التعاميم، هي تعزيز قدرة مصرف لبنان من العملات الأجنبية، ليتمكن من تلبية حاجات الاقتصاد اللبناني وبخاصةٍ عمليات استيراد المواد الأساسية كالمعدات الطبية والأدوية والطحين والمواد البترولية . فالتعاميم الثلاثة، غيَّرت قواعد اللعبة فبدل من أن يستحوذ الصرّافون ومن خلفهم حزب الله على الدولار مُقابل الليرة، أصبح مصرف لبنان هو من يحصل على العملات الصعبة . ويصبح في هذه الحالة المستفيد الأول هو الاقتصاد اللبناني مقابل الإقتصاد الموازي الذي انشأه حزب الله .وبدلاً من أن يضخ مصرف لبنان الدولارات في السوق لتثبيت سعر الصرف، قرَّر ضخ العملة الوطنية الوطنية ليجمع الدولارات.
عملياً ، فان التعاميم الثلاثة أصابت اقتصاد حزب الله الموازي في مقتل وضيَّقت هامش التفافه على العقوبات المفروضة عليه، الأمر الذي دفعه الى استخدام الصرافين الكبار المحسوبين عليه لرفع سعر الصرف، وتأجيج الشارع والتحريض على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والمصارف للدفع بإتجاه الغاء هذه التعاميم .
وفي هذا السياق يأتي ما تم تداوله مؤخراً عن دور خطير وكبير لشركة "حلاوي غروب" للصيرفة ومركزها الغبيري بالضاحية الجنوبية في لعبة رفع سعر صرف الدولار وتخفيضه مقابل الليرة . فالشركة المملوكة من محمد حلاوي نقيب الصرافين السابق تساهم في عدم استقرار سعر صرف الدولار، لأن لديها رأسمال يُقدّر بأكثر من ملياري دولار يُمكّنها من التحكم بأسواق القطع .
وما ينبغي الإشارة إليه أن وزارة الخزانة الأميركية كانت أدرجت في شهر نيسان من العام 2013 أي قبل سبع سنوات شركة "حلاوي للصيرفة" على لائحة العقوبات بتهمة التورط بغسيل الأموال لصالح حزب الله إلى جانب شركة "قاسم رميتي وشركاه". ووجهت لهما الاتّهام بموجب المادة 311 من قانون باتريوت الأميركي . ومنذ أن بدأت العقوبات المالية في المصارف المحلية تطال حزب الله والأفراد والكيانات التابعة له، تنامت علاقته بالصرّافين، فلجأ إلى شركات الصيرفة كبديل بديهي من القطاع المصرفي يؤمّن السيولة ويديّن الأموال وينقلها داخل الحدود وإلى الخارج ، وتحديداً إلى سوريا وإيران .
ويأتي في السياق تضمين لوائح العقوبات التي تصدرها وزارة الخزانة منذ سنوات لتجفيف منابع تمويل حزب الله، شركات صيرفة لبنانية. ففي شهر كانون الأول من العام 2011 أعلنت السلطات الأميركية أنها تقدمت بدعوى مدنية بحق مؤسسات مالية لبنانية متهمة بالمساعدة على تبييض 483 مليون دولار لحساب حزب الله عبر الولايات المتحدة وإفريقيا في عمليات مرتبطة بتجارة المخدرات.
هكذا يمضي حزب الله متلاعباً بعيش اللبنانيين، بعدما أمعن مقامرةً ومغامرةً بمصائرهم الأمنية والسياسية واستقرارهم.
كمال الأسمر - كاتب سياسي