دولة الرئيس، ايها الزملاء،
سبقني زملائي النواب في وصف ما آلت إليه أحوال البلاد من ترد إقتصادي وإنهيار اجتماعي مكتفيا بما قاله الزملاء.
دولة الرئيس،
في سنوات ما قبل الحرب، شاركنا مع غالبية الللبنانيين في نقد تجربة ما سماه البعض المارونية السياسية. قيل آنذاك إن المارونية السياسية ترى أن قوة لبنان في ضعفه، وأن الجيش اللبناني جيش فئوي وليس وطنيا. أما اليوم وبعد ما قضينا على المارونية السياسية وبنينا جيشا وطنيا قررنا تعطيل دور هذا الجيش مسلّمين بأن قرار الحرب والسلم ليس في يد الدولة اللبنانية إنما هو في يد فريق من اللبنانيين.
في أيام المارونية السياسية قيل ان لبنان فقد هويته الثقافية العربية وإن الجامعات الأجنبية ساهمت في طمس هذه الهوية وإبقاء لبنان في أحضان الاستعمار الغربي.
أما اليوم في ظل السلطة الوطنية أتيح المجال لتصحيح هذا الوضع فكان من نتائجه أن الجامعة اللبنانية تحولت مجالا للتقاسم بين السياسيين مما ساهم في ضرب مستواها التعليمي ودورها الثقافي.
في أيام المارونية السياسية تعددت الأحزاب وتم تأسيس النقابات والاتحادات العمالية، وأصبحت بيروت عاصمة الإعلام والنشر والكتاب في العالم العربي، وكانت الندوة اللبنانية ملتقى المفكرين والفلاسفة والأدباء في العالم أجمع وأمّ بيروت الشعراء والمثقفون والفنانون العرب والأجانب وباتت مختبرا للأفكار والتيارات الثقافية المتنوعة.
أما اليوم وفي ظل السلطة الوطنية، فقد ضُربت الأحزاب ووُضعت اليد على ما تبقى منها كما تمّ تعقيم الحركة النقابية وفرضت الرقابة توجيها وطنيا على وسائل الاعلام وصودرت الكتب ومُنع الفنان العالمي موريس بيجار من تقديم عرضه وتم ترهيب الفنانين الذين قدموا نشيد الناشيد في بعلبك ولوحق مرسيل خليفة وصودرت روائع السينما والموسيقى العالمية ذلك كله من أجل الحفاظ على وطنية لبنان.
في أيام المارونية السياسية وُلدت طبقة اجتماعية وسطى شملت غالبية الشعب اللبناني وذلك في جو من التطور الاقتصادي جعل لبنان مركزا إقتصاديا وماليا وتجاريا أساسيا في العالم العربي.
أما اليوم، وبعدما أصبحت السلطة "وطنية" فقد انهارت هذه الطبقة الوسطى العريضة مما أدى إلى تفريغ لبنان من قواه الحية والشبابية خصوصا.
في أيام المارونية السياسية إتهم الحكام بسرقة الدولة، نعم هذا صحيح فالرئيس فؤاد شهاب مات فقيرا، والزعيم كمال جنبلاط باع أملاكه أيضا والزعيم حميد فرنجية باع أملاكه أيضا وأيضا.
أما اليوم وبعدما أصبحت السلطة وطنية فلم يبع أحد الحكام أملاكه.
في أيام المارونية السياسية ساهم لبنان في وضع شرعة حقوق الانسان وشارك في تأسيس الأمم المتحدة وكان أحد البلدان العربية الستة الأولى التي أسست الجامعة العربية، وكان له الدور الفاعل في حل الخلافات العربية وإسماع صوت الحق العربي في الغرب.
أما اليوم وبعدما أصبحت السلطة وطنية فقد خاصم لبنان العالم وتحدى الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة وانهار حضوره في العالم ولم يعد له صوت يُسمع في العالم العربي.
في أيام المارونية السياسية قيل أن لبنان بلد إصطناعي أوجده الإستعمار لأغراض مشبوهة.
أما اليوم وبعدما أصبحت السلطة وطنية نواصل تأكيد أن لبنان بلد مصطنع وأنه ممسوك وغير متماسك وأنه في حاجة دائمة إلى وساطة دائمة.
دولة الرئيس،
الآن وقد انتهينا من المارونية السياسية وعاقبنا أمراءها والقيمين عليها وأدخلنا إلى السجون ما تبقى من رموزها وأبعدنا الباقي المتبقي وهددنا كل الآخرين منهم بإدخالهم إلى السجون: "وها هي السلطة قد أصبحت وطنية مئة في المئة."
فبعد إبعاد المسيحيين غير الوطنيين عن الدولة تولّت عملية بنائها ثنائية مذهبية، سنية شيعية، برعاية سورية مباشرة.
تعرفون النتيجة: إنها نتيجة كارثية.
البعض يرى أن السبيل لمواجهة الوضع هو إلقاء المسؤولية على الناس وتوجيه تهديدات مبطنة للمسيحيين مجددا، مفادها ان عددهم لم يعد يعطيهم حق المشاركة وأن البقية الباقية منهم مدعوة إلى الخضوع أو الهجرة.
دولة الرئيس،
نحن من على هذا المنبر نؤكد أن هذا البلد هو بلدنا جميعا، مسيحيين ومسلمين، وإننا واجهنا المارونية السياسية في وقت كانت الزعامات السياسية المسلمة في غالبيتها متواطئة معها.
لذا نمتلك الحق كل الحق في توجيه النقد لما يجري الآن.
رفضنا المارونية السياسية عندما رفضت الاصغاء إلى مطالب المسلمين وإعطاء كل ذي حق حقه.
قلنا آنذاك إنه يجب الاستماع إلى ما يقوله المسلمون في عرمون.
والان يا دولة الرئيس، نطالبكم بالإصغاء إلى ما يقوله المسيحيون في بكركي، مؤكدين أننا لن نهاجر ولن نخاف ولن نرضخ للأمر الواقع بل ندعوكم إلى استخلاص عِبَر الماضي والحاضر، فلا تجربة الجمهورية السابقة هي هدفنا ولا تجربة الجمهورية الحالية هي البديل، إنما نطالب بدولة عصرية وديموقراطية يفتخر بها العرب قادرة على مصالحة العرب مع ذاتهم ومع العالم.
دولة الرئيس،
في السلطة الحالية، هناك من يدعي صداقة سوريا. أتوجه إليهم وأحملهم المسؤولية في إقناع سوريا بضرورة تغيير النهج المعتمد ورفع يدها عن لبنان وصولا إلى صياغة تسوية تاريخية تضمن مستقبل العلاقة بين البلدين.
هذا هو المدخل الوحيد لمواجهة الأزمة الاقتصادية الخطيرة على لبنان، بل إن الأزمة خطيرة على سوريا.
أنتم تدركون أن دورنا اليوم هو غير ما كان عليه بالأمس.
أنتم تدركون أننا رفضنا بأن نكون حصان طرواده لأحد.
هذا ما أكده البطريرك الماروني وهذا ما نعيد التذكير به اليوم من على هذا المنبر.
ونحن نقول ما ينبغي لنا أن نقوله، ونحن نقوله يا دولة الرئيس قبل فوات الأوان.
أللهم قد بلغنا والسلام عليكم.
في 30/1/2002
الدكتور فارس سعيد – مجلس النواب