خاص - بولتيكا
ليس من السهل لا بل من المستحيل عزل قرار النائب العام المالي القاضي علي ابرهيم والمتعلق بوضع إشارة منع تصرف على أصول 20 مصرفاً، عن سياقه السياسي. فالمشهد السياسي تمحور منذ مطلع الأسبوع الجاري حول موضوع واحد، وهو قرار الدولة المرتقب بشأن دفع الدولة أو لا سندات اليوروبونذ المستحقة في 9 الجاري. فهذا الملف وإن بدا تقنياً متصل بترتيات مع الدائنين سواء المصارف المحلية أو الصناديق المالية الخارجية، فهو منذ البداية اتخذ وجهة وطابعاً سياسيين بالنظر إلى استحالة عزل الملف المالي والإقتصادي اللبناني عن تداعيات المواجهة الاميركية الايرانية في المنطقة ولبنان حيث النفوذ القوي لحزب الله ذراع إيران الرئيسية خارج حدودها.
لا شكّ أنّ حزب الله الأكثر تأثيراً في مجريات السياسة اللبنانية يتعاطى مع هذا الملف بوصفه ملفاً سياسياً أولاً لا تقنياً اقتصادياً ومالياً على ما تفعل حكومة الرئيس حسّان دياب التكنوقراطية أقلّه في الظاهر. فما خروج نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم - وهو سياسي لم يعرف عنه تبحّره بالعلوم الإقتصادية - مرتيّن للحديث عن رفض اعتماد لبنان أي برنامج لصندوق النقد الدولي، إلا تأكيد على تعاطي الحزب مع هذا الملف وفق منظور سياسي قوامه الصمود بوجه الضغوط الأميركية ومنع أي إمكانية لفرض "وصاية" اقتصادية دولية على لبنان.
هذا في الإطار العام الموسّع لقرار القاضي ابراهيم، أمّا في الاطار الأضيق والمتصل بتطورّات الأيام القليلة الماضية، فقد جاء القرار هذا بعد اجتماعات "لجنة الإنقاذ" الحكومية بمشاركة وزير المالي الحال والسابق ومعظم أعضاء مجلس إدارة جمعية المصارف للبحث في الاقتراحات التي يمكن للحكومة الركون إليها لحسم موقفها المتردّد والمُربك من مسألة دفع الديون الدولارية المستحقة في 9 الجاري. ومن الملفت أن اقتراحا تقدّم به وزير المال السابق تبيّن أنه يزيد الدين العام بقيمة 5،4 مليارات دولار! إلّا أنّ الأهمّ يبقى أن هذه الاجتماعات لم تخرج بخطة وموقف واضحين للتعامل مع استحقاق الدولة الداهم.
وفي الموازاة هاجم الرئيس نبيه بري، الأربعاء، المصارف على نحو غير معهود، خصوصاً أنّ الرجل لم يشتهر طوال تاريخه السياسي بالوقوف ضدّ السياسات المصرفية التي كان شاهداً عليها من موقعه السياسي والدستوري طيلة ثلاثة عقود من الزمن. بالتالي، وبغضّ النظر عن الحيثيات القانونية والدستورية لقرار القاضي ابراهيم فإن توقيته يجعله متصلاً، بالتأكيد، باللحظة السياسية والاقتصادية المأزومة والمحتقنة التي يعيشها البلد، في وقت تبدو القوى السياسية الرئيسية في الحكومة، أي حزب الله، حركة أمل، والتيار الوطني الحر، عاجزة عن التعامل مع الأزمة غير المسبوقة، خصوصاً أنّها ترفض حتى الساعة التعاون البرنامجي مع صندوق النقد الدولي، وهو شرط المساعدة الدولية للبنان والتي ستكون المصارف اللبنانية عنوان من عناوينها.
كذلك معلوم أنّ المصارف اللبنانية بحكم اتصالها بالأسواق المالية العالمية وقوانينها وشروطها هي إحدى النوافذ الأساسية للبنان على المجتمع الدولي وفي مقدّمته أميركا الدولة صاحبة الاقتصاد الأقوى في العالم، ما يعني عملياً أنّ هذه المصارف بطبيعتها الحالية هي جزء، ولو بسيط، من المعادلة المالية والاقتصادية الدولية، وبهذا المعنى فإنّ حزب الله الذي ينخرط في مواجهة مع أميركا "الاستكبارية" يسعى في الراهن وسيسعى مستقبلاً إلى الضغط على النظام المصرفي اللبناني ما دام خارج دائرة نفوذه المباشر.