عن حق يمكن الجزم بأن لبنان بلد الفرص الضائعة . آخر هذه الفرص كانت في مؤتمر سيدر الذي لو نفذت الاصلاحات المطلوبة لما كان آل الوضع الى الكارثة التي نعيشها حالياً . حينها (نيسان 2018) تعهدت الدول المانحة بتقديم رزم مالية تبلغ حوالى 18 مليار دولار لتنفيذها على مرحلتين، لقاء تطبيق الحكومة اللبنانية لإصلاحات طال انتظارها لعقود ثلاثة. وعلى الرغم من ذلك لم تفعل السلطة شيئاً وبدت بوضوح جلي أنها عاجزة عن الإصلاح وأنها مهمومة فقط بحصتها مما قد تقدمه هذه الدول .
لقد شكل مؤتمر سيدر فرصة استثنائية وأخيرة للحيلولة دون السقوط المُدوي . لكن الوضع تغير كثيراً الآن . لا بل انقلب رأساً على عقب والكارثة أصبحت واقعاً يبجب التعامل معه بصفة عاجلةٍ . الآن لم يعد السؤال كيف نوقف الانهيار. فهذا قد حل بنا . لقد أصبح السؤال أسئلةً : ما العمل ؟ وما هي آليات النهوض من المأساة ؟ وما هو حجم الأضرار في الجسم الاقتصادي ؟ وكيف نوفر للبنان 20 مليار دولار فيما نحن بعزلة دولية فرضها علينا من ذهب الى الحرب ما وراء الحدود وصولاً إلى اليمن ؟ وما هو البرنامج الاقتصادي للنهوض مجدداً بينما كان يُصور لنا ان حكومة حسان دياب هي عُرسنا الوحيد وسط المآسي التي عصفت بجهات لبنان كله ؟ من نخاطب من العالم ونحن طوع بنان حزب الله : دول الخليج ؟ الولايات المتحدة الاميركية ؟ الدول الاوروبية ؟
أمام هذا الواقع المأساوي ، قد تكون الفرصة الذهبية في صندوق النقد الدولي ليسعفنا ببرنامج انقاذي يوفر للبلد ما يحتاجه . والأهم أنه قد يفك عزلتنا الدولية ، ويعيد ربط لبنان بالعالم. ولا يتوهمن أحدٌ أن المشهد الهوليوودي لرئيس الجمهورية ميشال عون وهو يعلن لبنان بلداً نفطياً سيكون الخلاص، فلنا في فنزويلا خير دليل وخير برهان . فالاقتصادات القوية لا تقوم ولا تكون بغير الانخراط الفاعل والشفاف في النظام المصرفي العالمي .
ومن دون تهويل سياسي ووطنية مدعاة خوفاً على السيادة فان صندوق النقد الدولي تتركز مهامه أولاً على ضرب نظام الفساد والزبائنية وتفعيل إصلاحات الحوكمة وترشيق القطاع العام وتخمة الفوائض في الادارات العامة . وترمي عمليات الإنقاذ التي يقوم بها صندوق النقد إلى توجيه الاقتصاديات ووضعها على مسار النمو الاقتصادي والاستقرار الاقتصادي الكلي، وإبقاء الدين في حدود مستدامة. كما تتضمن برامجه أحكاماً تتعلّق بشبكات أمان اجتماعي لحماية الفقراء ومحدودي الدخل .
عندما تمرُ الدول في أزمات اقتصادية خانقة تهدد الأمن والاستقرار المجتمعي فيها لا بد من اتباع منهجية إصلاح جذرية، بحيث يتم مغادرة الأسباب والعوامل التي أدت إلى هذه الأزمة، وتغيير المنهجية السابقة، والانتقال إلى آليات عمل جديدة ومختلفة كلياً عن سابقاتها. هذا ما يتفق عليه أصحاب الاختصاص ، فليس معقولاً أن تنتظر نتائج مختلفة بتكرار الأدوات نفسها والأساليب ذاتها . وهذا يصح بالتمام والكمال على وضع لبنان . المكابرة والإنكار لا يفيدان أحداً غير الذين استنزفوا عرق اللبنانيين وبددوا احلامهم بدولة مستقلة ومزدهرة ، فكان ان تم تنسيبهم إلى محور لا يعرف غير القتل والتقاتل .
كمال الأسمر - كاتب سياسي.