الأسبوع الماضي قال رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله هاشم صفي الدين أنّ حزب الله جزء من المعادلة الإقليمية. وهذه ليست المرة الأولى التي يصدر عن حزب الله كلام من هذا النوع لكنّها سابقة في تاريخ لبنان، إذ لم يدّع حزب لبناني في تاريخ الجمهورية اللبنانية أنّ حدود نشاطه تتجاوز الحدود اللبنانية.
لكن إذا كان حزب الله يفاخر بأنّه جزء من المعادلة الإقليمية فهو يجب ألا يتفاجأ إذا اتهمته غالبية اللبنانيين بأنّه يقدّم أولوياته الإقليمية على الأولويات اللبنانية وإذا اعتبرت بالتالي أن سياسات الحزب تشّكل خطراً عليها ولاسيّما أنّ اللبنانيين يعيشون يومياً تبعات انهيار اقتصادي هو الثالث عالمياً منذ منتصف القرن التاسع عشر من حيث فداحته.
من جانب آخر فإنّ ما يقوله الحزب عن نفسه لناحية نشاطه من ضمن محور إقليمي يجعل من المنطقي اعتبار سياسات الحزب في لبنان جزءاً من سياسات محوره، أو أنّ سياساته اللبنانية تمليها عليه تطوّرات "المعادلة الإقليمية".
لذلك فإنّه لا يمكن فصل أي خطوة يقوم بها الحزب في لبنان عن سياقها الإقليمي مهما بدت هذه الخطوة "محلّية". وعلى هذا المنوال فإنّ الهزيمة الإيرانية في الانتخابات العراقية حفّزت المنحى التصعيدي في سلوك الحزب في الداخل اللبناني والذي كان قد بدأه حين استقدم المازوت الإيراني عبر المعابر غير الشرعية بين لبنان وسوريا، ثمّ عندما هدّد الحزب باقتلاع النفوذ الأميركي في مؤسسات الدولية بالتزامن مع تهديده للقاضي طارق البيطار ثمّ السعي إلى "قبعه" أيّا تكن التبعات السياسية والأمنية لذلك. وهو ما تُرجم ميدانياً الخميس الماضي في أحداث الطيونة وعين الرمانة.
إلى ذلك فإنّ تطوّرات الصراع الدائر حول ملفّ التحقيقات في جريمة مرفأ بيروت باتت محدّدة للمسار السياسي اللبناني وبالتحديد في ما يخصّ مستقبل الحكومة ومصير الانتخابات النيابية، خصوصاً أنّ الحزب يريد أن يجمع الآن بين أولويتين هما الإطاحة بالقاضي بيطار وعدم تأثير هذه الإطاحة على تحالفه مع الرئيس ميشال عون عشيّة الاستحقاق الإنتخابي الذي يسعى الحزب فيه إلى الحفاظ على الغالبية النيابية. ولاسيّما أنّ ايران غير مستعدّة لخسارة برلمانية مزدوجة في بغداد وبيروت. ولذلك فإنّ أي اختلال في مواءمة الحزب بين هاتين الأولويتين سيكون كفيلاً بالإطاحة بالإنتخابات النيابية.
فالحزب لا يمكنه التقليل من مخاطر الإنتخابات عليه لاسيّما أنّ رهانه فيها ليس ضمان الحصّة الشيعية وحسب وإنمّا ضمان الغالبية النيابية مع حليفه التيار الوطني الحرّ الذي يعاني إرباكاً سياسياً وتنظيمياً منذ 17 تشرين 2019، ولا شكّ أنّ تعاطي التيار مع أحداث عين الرمانة أظهر حجم هذا الإرباك.
بالتالي فإنّ الحزب غير مستعدّ لتقبّل حصول مفاجآت في الإنتخابات اللبنانية على غرار ما حصل في الانتخابات العراقية لجهة تراجع حصّة تحالف الفتح الموالي لإيران من 48 مقعداً في انتخابات 2018 إلى 14 حالياً ونيل "التشرينيين" 20 مقعداً.
فالانتخابات النيابية هي استحقاق مصيري بالنسبة للحزب الذي يحتاج إلى الحفاظ على الأكثرية النيابية وإلّا فإنّ كلّ جهوده للإمساك باللعبة الداخلية طيلة السنوات الماضية ستذهب هباءً منثوراً. والأهمّ أن أي خسارة للحزب في الانتخابات المقبلة ستليها محاولات من قبله لقلب المعادلة الجديدة الناشئة عن هذه الانتخابات ولو بالقوة العسكرية، وهو ما ينذر بحقبة سوداء جديدة في لبنان تفوق اهوالها أهوال الانهيار الحاصل.
بالتالي فإنّ الحزب يعيش لحظة إرباك في التوفيق بين أولوياته، فكما اصطدم فائض قوته العسكرية في عين الرمانة برسوخ المعادلة الطائفية في لبنان فإنّ اصراره على "قبع" القاضي بيطار يصطدم بعجز حليفه التيار الوطني الحر على مجاراته في إصراره هذا، وبعدم قدرة الحكومة على تنفيذ رغبته في تنحية القاضي بيطار، في وقت هو غير مستعدّ الآن لخسارة التيار وتقوية خصومه في الساحة المسيحية عشية الانتخابات، كما انّه يفضّل المحافظة على الحكومة لأنّها ثمرة تقاطع مع ايراني- حزباللهي مع الغرب في لحظة تحوّلات اقليمية كبرى.
فلكلّ تلك الأسباب فإنّ مصير المحقق العدلي في جريمة المرفأ ومصير التحقيق ككلّ هو عامل محدّد لأفق المشهد السياسي في لبنان وليس على المدى القريب وحسب. ولذلك فإنّ لبنان دخل من جديد مرحلة شديدة الحساسية والخطورة على غرار مرحلة ما بعد اغتيال رفيق الحريري وربّما أكثر منها، وقد تكون الإطاحة بالانتخابات النيابية أقلّ الأضرار المحتملة.