لا يزال القطاع المصرفي اللبناني مستمراً في مزاولة أعماله رغم الضربات الهائلة التي تلقاها خلال هذا العام منذ انتفاضة 17 تشرين من العام الماضي.
إن الغضبَ الذي يعتري المواطن اللبناني تجاه المصارف مفهوم. فقد خسِر غالبية اللبنانيين الذين كانوا يتعاملون مع هذه المصارف مدّخراتهم وأموالهم. فأموال هؤلاء موجودة لدى المصارف، كما يصرّح مدراؤها، لكن فعلياً لا يستطيع زبائن المصرف التصرّف بحساباتهم وبالأخصّ إذا كان بالعملة الأجنبية؛ إلا بالطبع إذا ما أراد صرف هذه العملة بالسعر الرسمي وخسارة أكثر من 60% من قيمة أمواله!
لكن إذا ما وضعنا جانباً هذا الموضوع، على أهميّته، وتطرّقنا إلى موضوع القطاع المصرفي نفسه وأهميته. سؤال يطرح نفسه: من المستفيد من انهيار هذا القطاع في لبنان، اليوم، وهل يمكن إنقاذه؟
هناك جهتان يمكن أن تستفيد من انهيار القطاع المصرفي في لبنان.
الجهة الأولى اسرائيل. فهي تسعى اليوم، وبعد أن بدأت عملية التطبيع مع بعض الدول العربية، لطرح جملة من الخدمات كان لبنان سبّاقاً في عرضها على المنطقة ومنها الخدمات المصرفية. واليهود، كما هو معلوم، هم من رعيل المؤسسين الأول للقطاع المصرفي في العالم. لذلك، فانهيار القطاع المصرفي اللبناني يوفّر على اسرائيل عناء المنافسة ويفسح المجال للمصارف الاسرائيلية في التعامل مع هذه الدول وتقديم الخدمات المصرفية المتنوعة دون ان يكون هناك مزاحمة من قطاعٍ خبير في المنطقة وله لائحة عملاء طويلة.
الجهة الثانية حزب الله. لماذا يستفيد الحزب من انهيار المصارف اللبنانية؟ في آخر عقدين كَبُر التنظيم بشكلٍ كبير وقد عمل خلال هذه الفترة على تنظيم قواعده وأعماله، كما عمل على تنظيم بنى تحتية مستقلّة عن البنى الوطنية. فبدأ بالاتصالات ثم طورها لتشمل الشبكة العنكبوتية، فالتعليم، بعدها انتقل إلى القطاع الطبي وخدماته ثم انتقل إلى تنظيم العملية المالية بعد أن بدأت العقوبات تطال أفراداً من تنظيمه في لبنان وخارجه. فالعملية المالية ليست فقط دفع رواتب ونقل أموال بالحقائب، فالشركات التي اسسها حزب الله بواسطة محازبين أو موالين، في لبنان والعالم، أصبحت في السنوات الأخيرة عرضة للعقوبات الأميركية والأوروبية ما يعني فعلياً إغلاق حساباتها أو حتى تصفيتها.
كان حزب الله يستغل المصارف اللبنانية في عملية غسل الأموال، لكن مؤخراً وبعد إغلاق البنك اللبناني الكندي ومن ثم جمّال ترست بنك بسبب تعاملاتهما المشبوهة، ألغت المصارف اللبنانية كل تعاملاتها مع الحزب ومن له صلة به.
بالعودة إلى سؤالنا، عمل حزب الله على بناء قطاع مصرفي مستقل عن القطاع المصرفي اللبناني، وتباهى مؤخراً أن هذا القطاع أصبح لديه ماكينات صراف آلي يستطيع زبائنه استعمالها لسحب أموالهم بالدولار الأميركي في حين هذه العملية أصبحت مستحيلة لدى مصارف القطاع الآخر. وبما أن الحزب اليوم يمتلك السيولة بالعملة الأجنبية فلديه الإمكانية لشراء أي مصرف لبناني يعلن إفلاسه. أما عملية التفاوض مع البنوك الأجنبية المتعاملة مع هذا المصرف فيمكن البدء بها فور إتمام عملية الشراء!!
والسيولة متواجدة لدى الحزب من عدة منابع. أولها ايران، فهو يعترف بأن ايران تمدّه بالسلاح والمال؛ ثاني مصدر للعملة الأجنبية هو التهريب عبر العابر الشرعية وغير الشرعية. والتهريب هنا يعمل في الإتجاهين، إلى داخل لبنان حيث يؤمّن للمستوردين وصول شحناتهم دون ان يسددوا التعرفة الجمركية الرسمية لقاء مبالغ أقل، وإلى الخارج بإرسال المنتوجات المدعومة من الدولة اللبنانية عبر سرقتها من المرفأ أو المطار (اللذان يسيطر عليهما) وبيعها للأسواق في سوريا والعراق؛ المصدر الثالث هو تجارة المخدرات، حيث كشفت السلطات الإيطالية الاسبوع الماضي مصادرة شحنة حبوب مخدّرة بقيمة مليار دولار اميركي كانت مرسلة من سوريا إلى ليبيا لصالح حزب الله والنظام السوري، وهذه عملية تهريب كُشفت لكن هماك عمليات تهريب كثيرة أخرى لم تًكشف! إذا السيولة متوفرة لدى الحزب ما يعني أنه بحاجة إلى ترتيب عمليات لغسل هذه الأموال من أجل التصرّف بها بشكلٍ رسمي، والقطاع المصرفي يمكن أن يؤمن هذه العمليات بشكلٍ أو بآخر!
إن القطاع المصرفي اللبناني هو العمود الفقري لاقتصاد البلد ومن دونه لن يكون هناك في لبنان أي اقتصاد، وإذا لم يكن لدى الدولة اقتصاد فهي لن تكون. على جميع من يهاجم اليوم المصارف أن يفكّر أولاً من هو المستفيد من انهيار هذا القطاع وثانياً كيف يمكن إنقاذ هذا القطاع، وبعدها نبحث في عملية المحاسبة!