لماذا خلوة لقاء سيدة الجبل وشركائه مهمّة، والآن؟ - ايلي القصيفي

لماذا خلوة لقاء سيدة الجبل وشركائه مهمّة، والآن؟ - ايلي القصيفي
الأحد 25 أكتوبر, 2020

ينطلق لقاء "سيدة الجبل" وشركاؤه في الخلوة التي ينوون عقدها الثلاثاء في 27 تشرين الأول من فكرة "تصويب الحوار الداخلي اللبناني والمساهمة في رسم وجهة انقاذية"، وذلك على أساس التمسّك باتفاق الطائف والدستور.

كالعادة ثمّة من سيقرأ في هذا الطرح طرحاً فوق السياسة، أي أنّه خارج اللحظة السياسية الغارقة في مفاوضات تشكيل "حكومة الاختصاصيين" وبناء توازناتها السياسية الداخلية من ضمن اللعبة السياسية الدائرة منذ التسوية الرئاسية في العام 2016 و"التي انحدرت بالعيش المشترك نحو مساكنة تلفيقية بين الطوائف ومراكز القوى على قلق وتربُّص"، على ما جاء في فذلكة خلوة "سيدة الجبل".

لكن هل صحيح أنّ هذا الطرح فوق السياسة؟ الجواب لا. إنّه موضوعياً طرح سياسي بامتياز ومتصّل باللحظة السياسية اتصالاً وثيقاً جداً. لماذا؟

إنّ اللحظة التي نحن في صددها الآن هي لحظة مأزومة بكل معنى الكلمة وعلى كلّ المستويات: المالية والاقتصادية والسياسية والصحية. أي أنّها لحظة أزمة وطنية (متصلة بالدولة و"الكيان") بامتياز، وبالتالي فمن البديهي البحث في جذور هذه الأزمة كسبيل وحيد لمحاولة الخروج منها.

وهذا ما يحاول "سيدة الجبل" وشركاؤه فعله، أي العودة إلى جذورهذه الأزمة بوصف هذه العودة ضرورة حتمية للخروج من المأزق. كيف؟

تبعاً لأدبياته خصوصاً منذ انعقاد التسوية الرئاسية في العام 2016 فإنّ اللقاء يحاول بناء سردية سياسية مضادة للسردية التي انتجت التسوية والقائمة على فكرة مساكنة الطوائف في النظام على قاعدة موازين القوى، بحيث أنّ مشاركة القوى السياسية في السلطة تكون بحسب وزنها السياسي (قوّتها) داخل طوائفها.

هذه سردّية عطّلت الدستور لا من الناحية العملية وحسب بل أيضاً من الناحية المبدئية إذ قتلت معناه الحقيقي الساعي إلى أخذ اللعبة السياسية إلى أفق لاطائفي أي إلى تقليص (بالحد الممكن وتدريجاً) إمكانات توظيف التعددية الطائفية في البلد توظيفاً سياسياً بحت من قبل القوى السياسية الرئيسة.

إنها المشهدية الارتكاسية التي تتحدّث عنها ورقة سيدة الجبل. ارتكاسية بمعنى التفسير الرجعي للتجربة اللبنانية في مئويتها الأولى، وارتكاسية بمعنى قتل أي ديناميكية عقلانية في السياسية اللبنانية وردّ السياسة مزيجاً من الشعبوية والديماغوجية خارج أي همّ إنساني وأخلاقي وحضاري. وذلك في لحظة تتبدّى التجربة اللبنانية تجربة تستحقّ النظر فيها وتقييمها بالإيجابيات والسلبيات، بوصفها تجربة استطاع فيها أفراد من طوائف وخلفيات مختلفة العيش سوية في العمل والمدارس والجامعات وأماكن السكن والأماكن العامة على مدى عقود من الزمن.

والحال يحاول اللقاء بناء سردية مضادة للسردية التي أنتجت الأزمة بل المأزق الذي يغرق فيه لبنان: مفكّك داخلياً بالمعنى السياسي والاجتماعي، ومعزول عن محيطه العربي وعن العالم. وبين هذين الأمرين رابط وثيق. أيّ أنّ التفكّك الداخلي الذي أنتجه السعي إلى حكم لبنان بمنطق موازين القوى بقوّة السلاح والاستقواء بمحور خارجي أدّى وما يزال إلى تعميق عزلة لبنان الخارجية، وهي أهمّ أسباب الأزمة الاقتصادية الحالية، أو بالحد الأدنى هي العائق أمام تلمّس طريق الخروج من هذه الأزمة.

إذاً فإنّ ارتكاز "سيدة الجبل" على اتفاق الطائف والدستور كإطار مرجعي للعمل السياسي هو ارتكاز كامل المشروعية الآن بالنظر إلى النتائج الكارثية للخروج على الطائف والدستور. وهو خروج توّسلته الهيمنة الفئوية على اللعبة السياسية لتمكين هيمنتها، وقد أدى هذا الخروج وتلك الهيمنة إلى استدعاء التدخلات الدولية في الشأن اللبناني إلى حدود غير مسبوقة، وإلى حدّ يصبح السؤال عن وظيفة القوى السياسية اللبنانية سؤالاً مشروعاً وحتمياً.

لذلك فإنّ فكرة "سيدة الجبل" عن ضرورة بناء وسط سياسي لبنان، أو كتلة سياسية لبنانية، لـ "رسم وجهة انقاذية". وهي وجهة غير ممكنة من دون فكّ الهيمنة عن لبنان، لكنّها في الوقت نفسه وجهة تطمح لحوار داخلي حقيقي، بالنظر إلى أنّ هذه الهيمنة هي النقيض الخالص لإمكانات الوحدة الداخلية، تلك الامكانات التي قوّضتها إلى حدود دنيا جريمة اغتيال رفيق الحريري، واستمرار استقواء فئة لبنانية مسلحة متهمة بهذه الجريمة بالخارج. ثمّ أنّ هذه الوحدة مرتبطة بمعنى "لبنان الكبير"، ذلك المعنى الذي يبدو اليوم ضرورة إقليمية بالنظر إلى "الشرق الأوسط الجديد" الآخذ في التشكّل وهو ما يحتّم التفكير في موقع لبنان منه ودوره فيه، وضرورة عالمية بالنظر إلى فرص عيش المختلفين مع بعضهم البعض.