ما هو "الدور الخطير" الذي قام به الحريري بطلب من دمشق؟

ما هو "الدور الخطير" الذي قام به الحريري بطلب من دمشق؟
الثلاثاء 14 إبريل, 2020

في الحلقة السابقة، اطلعت "النهار" من شخصية سياسية لبنانية بارزة، هي تعيش حاليا  في الخارج بعيدة عن الاضواء على بداية العلاقات بين الرئيس رفيق الحريري والنظام السوري في زمن الرئيس حافظ الاسد. وهذه البداية إنطلقت على يد عبد الحليم خدام نائب الرئيس حافظ الاسد. وهنا حلقة جديدة:

تتابع هذه الشخصية معطياتها: بعد حرب الجبل في خريف عام 1983 والتي أدت الى إنتصار الحزب التقدمي الاشتراكي وحلفائه  بزعامة وليد جنبلاط وخسارة "القوات اللبنانية"، ثم  إنحسار نفوذ عهد الرئيس أمين الجميل في إنتفاضة 6 شباط عام 1984، تولى رفيق الحريري القيام بـ"دور خطير" بطلب من دمشق، بحسب تعبير مصدر معلومات هذا المقال. ويوضح ماهية هذا "الدور الخطير"، فيقول ان القيادة السورية بعد إنسداد أفق التسوية عبر الوساطة السعودية-السورية  من خلال ما إنتهى اليه مؤتمر لوزان للحوار اللبناني-اللبناني، إتجهت الى تسوية حملت إسم "الاتفاق الثلاثي ". في هذا الاتفاق الذي أبرم في نهاية عام 1985 أُوصِدت الابواب امام الاتفاق مع عهد الرئيس أمين الجميل، وفُتِحت أمام  إتفاق بين "القوات اللبنانية" ممثلة بقائدها إيلي حبيقة وبين حركة "أمل" ممثلة برئيسها نبيه بري وبين الحزب الاشتراكي بقيادة وليد جنبلاط. وكان حبيقة قد بدأ قبل "الاتفاق الثلاثي" وخلال عام 1985 مسارا إنقلابيا في المنطقة الشرقية من بيروت ضد قائد "القوات" فؤاد أبي ناضر. لكن بعد إبرام "الاتفاق الثلاثي" بفترة قصيرة في مستهل عام 1986، نجح الدكتور سمير جعجع في إزاحة حبيقة عن قيادة "القوات"، ما أضطر حبيقة للخروج من المنطقة الشرقية وتأسيس حركة "الوعد" في مناطق النفوذ السوري لاسيما في زحلة. لكن قبل هذه التطورات وبطلب من دمشق، إصطحب الحريري  من باريس حبيقة في أول زيارة للأخير الى العاصمة السورية على متن طائرة الحريري الخاصة، وكان لحبيقة لدى وصوله الى دمشق لقاء مع خدام. وهكذا كانت زيارة قائد "القوات اللبنانية " فاتحة مسار "الاتفاق الثلاثي".

تتابع الشخصية اللبنانية: كان حبيقة يجاهر أمام المسؤولين السوريين قبل "الاتفاق الثلاثي" وفي الايام التي تلته، وقبل زوال سيطرته في المنطقة الشرقية، بأن له نفوذ كامل على كل المستويات في تلك المنطقة. وقد حاول الحريري أن يقنعه بأن يقول الحقائق كما هي  فيما يتعلق بواقع المنطقة الشرقية.  وقدمّ له عرضا يتضمن دعما ماديا قدره  ثلاثة ملايين دولار أميركي كي لا يكون تحت وطأة الحاجة الى التمويل. لكن حبيقة تابع نهج الظهور بمظهر القويّ على الساحة المسيحية. وزاد على ذلك، فنقل ما أقترحه الحريري عليه الى رئيس الاستخبارات العسكرية السورية علي دوبا  الذي كان يُوصف بأنه "الرجل القويّ في النظام السوري والتالي بعد الاسد." لكن  ما نقله حبيّقة الى دوبا لم يلق قبولا عند الاخير الذي أعرب عن سخطه على الحريري ل"تجاوزه حدوده في ما يتعلق بعلاقات دمشق مع الاطراف في لبنان". وللتعبير عن سخطه، بادر فورا الى إصدار الاوامر للمسؤولين في مطار دمشق كي يمنعوا الحريري من الاقلاع بطائرته الخاصة. وعندما وصل نبأ منع سفر الحريري الى خدام هاله الامر، وأحسّ بالخطر يحدق بصديقه، لدرجة انه أسرّ للصديق المشترك الذي مهّد لعلاقته بالحريري ، بأنه يخشى من "لجوء دوبا الى إعتقال الحريري وزجّه في السجن." وطلب خدام من هذا الصديق الذي كان يتمتع أيضا بعلاقات جيدة مع دوبا أن يتوسط لدى الاخير كي يلغي قرار منع السفر عن الحريري.

وتذكر الشخصية السياسية ان الحريري كان في ذلك الوقت قد تقدّم كثيرا في تمتين علاقاته مع القيادة السورية، فصار يجتمع مع الاسد مباشرة ويقوم الاخير بتكريمه من خلال دعوة الى غداء او عشاء. أما الحريري من ناحيته، فقدم للاسد ما لم يسبقه اليه احد من قبل. فهو(أي الحريري)  شيّد على نفقته القصر الرئاسي الضخم على جبل قاسيون المشرف على دمشق. كما شيّد الحريري قصرا ضخما للمؤتمرات على الطريق الرئيسية المؤدية من العاصمة السورية الى المطار. وكذلك أضاف الحريري الى القصر الرئاسي وقصر المؤتمرات منشأة ثالثة، وبلغت القيمة الاجمالية لهذه القصور الثلاثة  قرابة 60 مليون دولار أميركي.

عندما إستقبل دوبا الصديق المشترك، تتابع الشخصية اللبنانية ، فاتح الصديق دوبا بأمر الحريري، فما كان من دوبا إلا أن إنفجر غضبا وصبّ جامه على الحريري. وهنا سأل الصديق دوبا مشيرا بإصبعه الى صورة الاسد المرفوعة على الجدار خلف مكتب دوبا: هل يعلم بقرار منع السفر؟ فأجابه دوبا نافيا. ثم سأله الصديق: كيف تتوقع أن تكون ردة فعله إذا علم ان الحريري الذي شيّد ثلاثة قصور ب60 مليون دولار ممنوع من السفر من دمشق؟ فارتبك دوبا عندئذ، وسأل ضيفه: هل تعتقد ان الامر سيؤدي الى موقف سلبي من الاسد فرد الصديق بالايجاب. عندئذ بادر دوبا الى الاتصال بالمسؤولين في مطار دمشق لإبلاغهم بوقف قرار منع الحريري من مغادرة سوريا وطلب في الوقت نفسه من هؤلاء المسؤولين بإكرام وفادة الحريري عندما يصل الى المطار.

بالتوازي مع الدور الجديد للحريري في الملف اللبناني الذي بلغ ذروته في اواخر الثمانينات من القرن الماضي بإبرام إتفاق الطائف بمتابعة مشتركة من نائب الرئيس السوري ووزير خارجية المملكة العربية السعودية الامير سعود الفيصل، برز دور إقليمي  للحريري يفوق دوره اللبناني، وذلك عندما صار مبعوثا للملك فهد الى دمشق ينقل رسائله المتعلقة بتطورات حرب الخليج الاولى بين العراق وإيران والتي شمل لهيبها في النصف الثاني من  الثمانينات معظم دول الخليج وبينها السعودية.

أول مرة زار الحريري العاصمة السورية بصفته مبعوثا من الملك فهد، كانت كما وثّق خدام  في كتابه "التحالف السوري الايراني والمنطقة" الصادر عام 2010 عن دار الشروق المصرية: "في السابع والعشرين من آذار 1986، إستقبلت السيد رفيق الحريري موفدا من الملك فهد بن عبد العزيز، وأبلغني ما يلي:

-هناك معلومات بإن إتفاقا جرى بين الرئيس الليبي العقيد معمّر القذافي وأبي نضال والايرانيين لضرب منشآت أميركية في الكويت والسعودية. وطبعا، أنتم لا علاقة لكم بأبي نضال الذي من الممكن أن يقوم بعمليات. علما أنه لا توجد في السعودية منشآت أميركية، بل هناك منشآت سعودية يعمل فيها الاميركان، وأي ضرب لها يعتبر ضربا للسعودية.

-والامر الثاني، إتصل قبل ثلاثة أيام (24 آذار 1986 ) الرئيس الايراني (خامنئي) بالملك فهد، وهو إتصال يتم لإول مرة. وكان الكلام جيد جدا وممتازا ورائعا. ومدح (خامنئي) الملك فهد. والملك فهد يعتبر هذه المبادرة الايرانية نتيجة جهود السيد الرئيس حافظ الاسد وهو يشكره على ذلك، ويعتبر هذا الموضوع تطورا إيجابيا، ويؤكد أن السعودية ليست طرفا في المشكلة الايرانية-العراقية...

-من جهة أخرى، أنت تعرف أن السيد الرئيس(الاسد) قال كذا مرة، أننا لا يمكن أن نرضى أن تضرب إيران أي بلد عربي وبخاصة دول الخليج، كما أكد الرئيس (الاسد) أن أي إعتداء من إيران على الدول العربية هو إعتداء على سوريا... هذا الامر يحتاج الى تأكيد".

يضيف خدام: "بعد عرض اللقاء مع السيد الحريري على الرئيس حافظ في اليوم نفسه... اتفقنا على إبلاغ السيد رفيق الحريري أننا مستعدون لإرسال قوات وبالحجم الذي يريدون وتوضع هذه القوات بإمرة الملك فهد..."

وذكر خدام ان زيارات الحريري بصفته مبعوثا للملك فهد تكررت عام 1986. ولفت الى انه إتصل بالحريري ليبلغه نتائج زيارته لطهران في 23 آب من ذلك العام موفدا من الرئيس  الاسد وما سمعه من الرئيس خامنئي  لكي ينقل ذلك الى الملك فهد.

زمن الحريري الجميل مع الاسد الاب إنتهى عام 1998. والزمن الاسود مع الاسد الابن إنتهى بالاغتيال عام 2005.

يتبع حلقة جديدة. 

احمد عياش - النهار