التحولات التي يمرّ به لبنان، بدأت تلقي بثقلها على "حزب الله". وإذا كان هذا الامر طبيعيا نظرا لموقع الحزب الممسك بزمام التأثير في هذا البلد، يتداول خبراء معطيات تفيد ان هذا التنظيم يقف عند مفترق طرق اليوم كي يقرر أيا من الطرق سيسلكها في مواجهة الازمة المالية التي يواجهها لبنان والتي ستكون لها تأثيرات عميقة ستغيّر وجه لبنان عموما، و"حزب الله" خصوصا. فما هي الخيارات التي على الحزب أن يختار إحداها لاحقا؟
يتداول سياسي مخضرم في مجالسه الخاصة واقعة جرت معه وهي أقرب الى ان تكون طرفة. فيقول انه بحكم علاقاته مع مسؤولين في "حزب الله" في منطقته، يستقبلهم على الدوام للتشاور معهم في مستجدات الاحوال العامة. وفي أحدى اللقاءات المعتادة بينهما قبل اسابيع قليلة، بادر احد هؤلاء المسؤولين الى سؤاله: "هل لديّك ربطات عنق لم تعد بحاجة اليها؟" فأستغرب السياسي هذا السؤال لكنه تعامل معه بجدية، وبادر الى توجيه السؤال الى زائره: "وما هي حاجتك الى ربطات عنق، وأنا أعلم انكم (حزب الله) لا ترتدون مثل هذه الاشياء؟" فأجابه الزائر مبتسما: "بعدما شاهدنا وزراؤنا يرتدون الكرافيتات، قلنا لأنفسنا ان زمن ربطات العنق قد جاء ولا بد ان نتحضّر له!"
العبرة في هذه الواقعة كما يقول هذا السياسي ل"النهار"، أن "حزب الله" الذي أخذ للمرة الاولى في تاريخه قرار الاتيان بحكومة بدءا برئيسها وانتهاء بتركيبتها التي تتجاوز إتفاق الطائف، أصبح الان مسؤولا عن حقبة لا تتعلق فقط بنجاح الحكومة في تحمّل مسؤوليتها فحسب، بل هو أيضا مسؤول عن الحفاظ على موقع القوة التي يتمتع به والذي سيؤول الى الانهيار إذا ما أطاحت الازمة المالية بكل ركائز النظام الذي بات متداعيا وأصبح آيلا للسقوط.
في أي حال، أن لجوء وزيرا "حزب الله" الى إرتداء ربطات العنق، لم يتم إلا عن سابق تصوّر وتصميم، كي يساهم في التخفيف من وطأة الاتهام بأن حكومة الدكتور حسان دياب هي حكومة الحزب. كما ان التركيز على ان دياب نفسه هو من الجامعة الاميركية لبيروت وأن عددا لا بأس به من أعضاء الحكومة لديهم جوازات سفر أميركية ، هو أيضا لنفي شبهة ارتباط الحكومة بالحزب. فهل ستنفع هذه المظاهر بإنقاذ الحكومة ومن ورائها الحزب؟
في اقتناع شخصية سياسية بارزة في المعارضة تحدثت اليها "النهار"، ان الازمة المالية غير المسبوقة التي يمرّ بها لبنان ستلحق الهزيمة بكل المكونات السياسية وفي مقدمهم "حزب الله". والاخير الذي بلغ القمة في النفوذ على الساحة اللبنانية منذ نشأته في النصف الاول من ثمانينات القرن الماضي لن يملك وسائل النجاة من هذه الازمة التي لا يفيد معها الدفع بالدولار لبضعة الاف من عناصره فيما هناك مئات الالوف من الطائفة الشيعية مع ملايين من اللبنانيين ينحدرون الى هاوية الفقر.
كان لافتا في الفترة الاخيرة تزايد الكلام عن تغيير في الدستور يمنح "حزب الله" موقعا مستقرا في النظام بما لا تعود معه الحاجة الى الاتكال على ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة، كي يحمي الحزب مكتسباته التي راكمها منذ عقود. ويرى المحامي حسان الرفاعي الذي ساهم في صورة أساسية في إنجاز القسم المتعلق بالدستور في كتاب "حسن الرفاعي حارس الجمهورية" الصادر عام 2018، عبر "النهار" انه "إذا كانت نيّة حزب الله" السيطرة على لبنان، كما هو حاصل في العراق وسوريا، أي أن يتحكّم الشيعة أو من يحتكر تمثيلهم بالبلاد والعباد، فذاك خراب على لبنان بكل طوائفه". أضاف: "أما إذا كانت الفكرة إعطاء مزيد من الصلاحيات في الحكم وعبر الدستور للشيعي، فيكفي تبني فكر أغلبية ثوار لبنان من شعبهم وشبابهم عبر إقامة الدولة المدنية". وتابع: "إن أي محاولة اليوم لإعطاء حقوق للطائفة الشيعية هي تكريس هيمنة جماعة على حساب المواطنين وليس فقط تقليصا لحقوق جماعات أخرى".
وقال: "لقد شهدنا مداولة في رؤساء الحكومات لم نشهدها إطلاقا عند رؤساء الجمهورية بحكم الدستور ولا عند رئيس المجلس الذي لم يتغيّر على رغم تغيير المجالس النيابية والعهود والازمان ما يذكّر بملوك ورؤساء دول الجوار وبأمين عام حزب الله والمرشد الروحي للجمهورية الاسلامية".
وخلص الى القول: "حتما قد يتم الاستهزاء برأي المواطن اللبناني ويفرض عليه الحل كما حصل في 7 أيار 2008 وما تلاه في الدوحة، أو كما يمكن أن يحصل نتيجة الاتفاق بين الشيطان الاكبر والمرشد الاول شرط حماية مصالح إسرائيل كما فعل ويفعل نظام الاسد. عندئذ سيحدث هذا رغما عن إرادة اللبنانيين عبر تعديل دستوري يتكرّس بميزان القوى على الارض".
بدا لافتا عشية الاطلالة التلفزيونية الجديدة للامين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله ، تصويب الرئيس فؤاد السنيورة على عهد الرئيس ميشال عون. فقد صرّح السنيورة لمحطة "العربية" التلفزيونية " إنّ ما نراه في هذه الفترة من ممارسات يجري القيام بها، تؤدي فعلياً إلى إضعاف مركز ودور رئاسة الحكومة في النظام اللبناني. وحيث يجري التوجه نحو أن يتولى السلطة بكاملها فخامة رئيس الجمهورية وهذا امر مخالف للدستور..."
السؤال الذي لم يُطرح على رئيس الحكومة السابق ، كما لم يبادر هو الى طرحه هو: ماذا يريد "حزب الله" من الدستور؟
لا يخفى على المراقبين، ان الحزب الذي وقف في نهاية عقد الثمانينات من القرن الماضي ضد اتفاق الطائف، ومثله فعل في ذلك الزمن رئيس الحكومة العسكرية العماد ميشال عون، لم يسقطا جذريا حتى الان معارضتهما الاتفاق الذي صار دستور لبنان. وربما ليست صدفة ان الجانبيّن اليوم الممسكيّن بزمام الامور داخليا يحضّران أمرا ما قد يعيد لبنان الى مرحلة ما قبل الطائف في ظروف راهنة تشبه ماليا تلك المرحلة؟
احمد عياش - النهار