في وقت ما زالت تتطلع إيران الى الحصول على خمسة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، تهب رياح اعتراض على التعاون مع الصندوق في لبنان كي ينال ما يفوق ما تنشده طهران من الصندوق، فما هي الخلفيات لهذا الاعتراض في وقت يمر الوطن بأصعب المراحل المالية في تاريخه؟
اوساط نيابية بارزة قالت لـ"النهار" ان المؤشرات الى ان هناك خللا في الادارة الرسمية للازمة الاقتصادية تجلىّ في الهوّة التي فصلت بين كلمتيّ رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس الوزراء حسّان دياب في الاجتماع مع أعضاء مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان. ففي حين ان الرئيس عون ما زال يعيش في زمن مقارعة ما أسماه "30 سنة من السياسات الاقتصادية والمالية الخاطئة، والتي سبقتها 15 سنة من حروب مدمرة أطاحت بالكثير من البنى الاقتصادية والصناعية وحتى الإنسانية"، بادر الرئيس دياب، و"حسنا فعل" كما قالت هذه الاوساط، الى "وضع الاصبع على جرح هذه الازمة، ولو بصوت منخفض، بإشارته الى العمل مع صندوق النقد الدولي، من خلال الاعلان عن عزم الحكومة على الطلب عما قريب من نظراء لبنان المتعددي الاطراف (في الصندوق) بأن يبدوا آراءهم بخطة لبنان بهدف ردم الهوة بين مواقفنا."
ماذا يعني هذا الاختلاف في التوجّهات التي عبّر عنها كل من الرئيس عون والرئيس دياب أمام ممثلي المجتمع الدولي وخصوصا الدول التي هي من المكوّن الاساسي لصندوق النقد وفي مقدمتها الولايات المتحدة الاميركية؟
في تقدير اوساط سياسية متابعة عن كثب لعلاقات لبنان مع الصندوق، أن رئيس الجمهورية نطق بما هو لسان حال الثنائي الشيعي الذي ما زال يقف معترضا على الذهاب الى الصندوق بذريعة عدم السماح للولايات المتحدة الاميركية بـ"وضع يدها على لبنان". ورأت في هذا الاعتراض مفارقة مثيرة للاستغراب لان هذا الاعتراض يأتي في وقت لا تزال الجمهورية الاسلامية، مرجعية الطرف الابرز في هذا الثنائي، أي "حزب الله"، مثابرة في العمل للحصول على المليارات الخمسة من الدولارات من الصندوق"! لكن رئيس الحكومة كان أقرب الى رجل العهد القويّ، أي رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل الذي دعا في مؤتمر صحفي قبل أيام الى أنه "آن الأوان لأن نبدأ بالتفاوض الجدي مع صندوق النقد الدولي على برنامج تمويل للبنان."
هل هو توزيع أدوار بين طرفيّن هما في الوقت واحد: الرئيس عون والوزير السابق باسيل؟
تجيب الاوساط السياسية نفسها على هذا السؤال بترجيح وجود سيناريو توزيع ادوار على هذا الصعيد. لكنها لفتت الى ان هذا الاختلاف الظاهري في التوجهات لن يصل الى عمق الازمة التي تقف عند مفترق خطة إصلاحية جذرية التي هي مفتاح الوصول الى كل صناديق التمويل وفي مقدمها صندوق النقد. فمن ناحية، لم تنجز الحكومة حتى الان هذه الخطة ومن اساسياتها إصلاح قطاع الطاقة. ومن ناحية أخرى، كان التيار العوني ولا يزال العقبة الرئيسية لإصلاح هذا القطاع. في موازاة ذلك، وقف رئيس مجلس النواب نبيه بري ومن ورائه "حزب الله" في وجه مطلب الصلاحيات الاستثنائية التي طلبها رئيس الحكومة السابق سعد الحريري كي يمضي للحصول على المساعدات الدولية وبخاصة من صندوق النقد. وقد أدى اعتراض الثنائي الى تنحي الرئيس الحريري ومجيء الرئيس دياب. لذلك، فإن ما لم يحصل عليه الحريري لن يحصل عليه دياب. وكشفت هذه الاوساط عن "إنزعاج" كبير من الثنائي من أداء وزير المال غازي وزني الذي من المفترض ان يكون ممثلا لبري في الحكومة لكنه مال الى خيار صندوق النقد، ما أدى الى هذا "الانزعاج" من أدائه؟
تقول الاوساط السياسية لـ"النهار" أن قرار تسهيل حصول صغار المودعين على ودائعهم في المصارف، بادرة إيجابية من المصرف المركزي، ويمكن تنفيذه. لكنها ترى المشكلة الحقيقية تكمن في التعامل مع سائر أصحاب الودائع بدءا من 100 الف دولار أميركي وما فوق. وقالت ان السيولة المطلوبة للتعامل مع هذه الودائع يتطلب تحصيل المصرف المركزي ديون المصارف المستحقة من الدولة والتي هي جوهر الازمة المالية حاليا.
وتورد الاوساط نفسها عينة من الخلل في الادارة الرسمية ما يوجهه لبنان من تحديات تجاه وباء كورونا. فمنذ عامين، نال لبنان أيام الوزير السابق غسان حاصباني قرضا ميسرا من البنك الدولي بقيمة 140 مليون دولار أميركي لدعم القطاع الصحي. لكن إستفادة لبنان من هذا القرض الذي كان من شأنه في ذلك الوقت أن ينهض بالمستشفيات الحكومية المعوّل عليها اليوم لمواجهة الوباء، بقيت معطلّة الى ان عادت الحكومة الحالية اليها الآن ولو باستخدام 35 مليون دولار منه.
ماذا بعد؟ في معلومات لـ"النهار" ان هناك إمكانية لحصول لبنان على 10 مليارات دولار من الصندوق إذا ما أراد وفق شروط إلتزمت بها العديد من دول العالم في السابق ونجحت في إجتياز أزماتها المالية. وما يسهل حصول لبنان على هذا المبلغ المهم، بحسب هذه المعلومات، ان لبنان يتمتع بعضوية في هذا الصندوق وله بموجبها حقوق، كما عليه واجبات في الوقت نفسه. لكن السؤال تكرارا: هل يسمح الثنائي الشيعي في المضي قدما نحو هذا الحل؟
ما يخشاه المراقبون أن يكون هناك هدف غير معلن وراء الذهاب نحو الحل الحقيقي للازمة المالية، ألا وهو وضع اليد على القطاع المصرفي. ولفت هؤلاء الى ان "حزب الله" يكرر دوما، وبلسان أمينه العام السيد حسن نصرالله، الاعلان عن وقوفه ضد هذا القطاع بذرائع مختلفة. فهل يحقّق الحزب ومعه رئيس مجلس النواب هذا المبتغى؟
لم يعد مفيدا بعد المعطيات السؤال عمن يمنع مليارات صندوق النقد الدولي من الوصول الى لبنان؟
احمد عياش - النهار